في مشهد أسبوعي معتاد تجيء صفحة «شواطئ» مضمخة بعبق المسافات.. عبر حضور بهيج مسكون بالإثارة والتشويق.. حقاً هي دائرة تضفي خيوط الحركة والحيوية وتكسر روتين الطابع الصحفي.. أجد متعة حينما أرسو قارئاً رسوم محطاتها الجميلة.. وقد لفت نظري رسالة ساخنة إلى المعلمة حملت تواقيع ثلاث طالبات «الجزيرة عدد 11404» ولعل ما أثار ملامح الشجن في خاطري مضمون هاتيك الرسالة المشبعة بالنقد الموجه إلى المعلمة!! حيث الاهتمام بالشكل والانشغال بالمكياج عن الحصص وإثارة الجدل مع الطالبات بدون مبرر مع استبداد في النقاش وعدم مراعاة آداب الحوار.. إنها رسالة مفعمة بالشكوى والإحساس بمرارة الموقف المليء بالتجني والظلم.. كما حملت الرسالة!!!
وقد أحسنت «شواطئ» صنعا أن سمحت لتلك الرسالة بالمرور.. وأتاحت لها الظهور.. باعتبار ان الحوار حق مشروع للجميع فما بالك حينما يأتي من الميدان التربوي ومن أفواه الجيل.. وإذا كنا نقف وقفة احتجاج أمام أية معلمة تمارس دور التسلط والحدة مع طالباتها وتغلق أبواب الحوار الهادف عبر تعامل جاف ولغة قاسية فإننا يجب ان نحتفي بمعلمات اشعلن قناديل العطاء ورسمن خريطة العمل الدؤوب بذلاً واحتساباً.. رغم جفاف المهنة.. وصعوبة الابحار.
نعم.. هناك كتابات غير منصفة تدور في فلك المعلمة فتارة تعيب اهتمامها بالشكل وتارة تلومها لانشغالها بأطباق الحلوى داخل المدرسة وثالثة تثير قضية غيابها.. وتنسيقها لإجازات الأمومة كي لا توافق عطلة!!
إن المعلمة إنسانة مليئة بالأحاسيس وكتلة مشاعر.. غارقة هي بين أرتال الحصص.. تصوغ أروع القصص.. فلماذا التحامل عليها من قبل بعض الكتابات الجائرة.. وما العيب في ان تهتم المعلمة في شكلها بطريقة تلائم الجو التربوي وتنسجم مع الإطار المشروع.. وما المانع في ان تقيم لقاءات مدرسية عامرة بأطباق الحلوى.. لكسر حدة الموقف المدرسي المتأزم تحت لظى الحصص.. والأعباء النفسية والبدنية..
رفقاً بالمعلمة معشر القوم.. دعوها تحتسي فناجين عطائها المشرف وتمارس هذا الانتماء الجميل للرسالة السامية.. أجزم ان جلّ المعلمات في وطني المعطاء صرن يدركن دورهن التربوي ويقفن بشموخ فوق أرضية تربوية صلبة.. يحملن مفاتيح المعرفة ويستوعبن أدوات التربية وأساليبها المتنوعة.. ولا اعتبار لمن شذّت عن ذلك..على رسلكم أيها القوم.. امنحوا المعلمة شيئاً من الدعم والمساندة فقد أدركت مقومات رسالتها واستوعبت الأمانة التي بين يديها.. ومن ثم لن تضج من وعورة تضاريس التدريس.. وكثرة أعبائه.. ستكتب مفردات عطائها نبضاً مسافراً في أعماق هذه المهنة المكبّلة بتفاصيل النزوح.. قادمة هي ومعها ألف دائرة عطاء.. وألف شمعة تضاء.. قادمة ومعها ريشة القيم.. تلوّن عقول الصغيرات.. وتضع الحلوى في حقائب الطالبات.. عبر احتفاء نبيل وعطاء أصيل.. شكراً لك ايتها المعلمة الفاضلة.. والمربية المخلصة.. يا من ملأتِ المدرسة إحساساً تربوياً وشعوراً وطنياً..شكراً «شواطئ» لأنك عزفتِ على هذا الوتر.. وأردتِ ان تثيري مشاعر العطاء في ذات المعلمة من خلال نبض الطالبات.. اللاتي قد يعاتبن المعلمة.. ويُقمنَ حواراً صريحاً وهادئاً نريده في هذا العصر الذي يعاني الجيل فيه هذه الثورة المعلوماتية الهائلة والركام المعرفي المتدفق..ومازلنا ننتظر منكِ أيتها المعلمة اختزال مسافات العطاء وصياغة مواقف عامرة بالكفاح وعابقة بنكهة الوطن.. إن فلذات الأكباد ينتظرن منكِ مفردات التوهج.. ولم تزل بذور التربية وخرائط المعرفة نديّة بين يديكِ.. عذراً معلمتنا الفاضلة إن المجتمع يثمن جهودك.. فافتحي أبواب حوار جميل مع طالباتكِ دعيهن يفرغنَ ألم المواقف وضغوط العصر.. وعالجي تلك الهواجس بحكمة ورويّة واحتواء.
محمد بن عبدالعزيز الموسى ـ بريدة
|