الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. والصلاة والسلام على من جاهد في الله حق جهاده. نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله، والذين آووا ونصروا. وبعد:
فإن أعداء الإسلام من الكتابيين والمشركين والذين في قلوبهم مرض والمنافقين مازالوا منذ بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقاومون دين الاسلام الذي جاء به { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} قاوموه بالجدال والخصام { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} فلم يفلحوا. وقاوموه بالسلاح فهزموا، وقاوموه بالنفاق فدخلوا فيه ظاهراً وقاوموه باطناً { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} ففضح الله سرائرهم وأبطل مكائدهم. حاولوا الكيد له بالدخول فيه ثم الارتداد عنه ليتابعهم المسلمون في ذلك { وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} فلم يدركوا مطلوبهم وباءوا بالفشل ولم يتزحزح المسلمون عن دينهم بهذه المكيدة، بل زادتهم ثباتاً وإيماناً.
أخرجوا البي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة ليقضوا على دعوة الاسلام بزعمهم: { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بينهم مختفياً ولم يشعروا به. وعاد إليهم بعدسنوات قليلة بجيش التوحيد وكتائب الإيمان مدججين بالسلاح ففتح الله له مكة، وجاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا، وحطم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأوثان وكسر الأصنام. وأعلن دين الاسلام على رءوس اعدائه ورفع الأذان في المسجد الحرام. وجلس أعداؤه بالأمس ينتظرون ماذا يفعل بهم لما مكنه الله منهم فقال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» وجاء للحج ومعه نحو مائة ألف مسلم بعد ان منع المشركين من أن يقربوا المسجد الحرام ولما أكمل الله له ولأمته الدين. وأتم عليهم النعمة. ورضي لهم الإسلام دينا توفاه الله عز وجل كما هي سنته في خلقه: {إنَّكّ مّيٌَتِ وّإنَّهٍم مَّيٌَتٍونّ} {وّمّا جّعّلًنّا لٌبّشّرُ مٌَن قّبًلٌكّ الخٍلًدّ} فقام بالأمر بعده خلفاؤه الراشدون وأعاد أعداء الإسلام الكرة للقضاء عليه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فارتد كثير من العرب فقاتلهم خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبوبكر الصديق ومعه إخوانه من المهاجرين والأنصار حتى أعز الله بهم دينه وأبطل كيد أهل الردة ومن وراءهم من الكفار حيث يقول سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } فأتى الله بأبي بكر واخوانه فقضوا على الردة.
وفي آخر عهد الخلفاء الراشدين دس اليهود رجلاً يقال له عبدالله بن سبأ فأظهر الإسلام وجعل يطعن في الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه يريد شق عصا الطاعة عليه واجتمع حوله جماعة من الأوباش فسطوا على عثمان رضي الله عنه فقتلوه ظانين بذلك أنهم يقضون على الإسلام ودولته فخيب الله ظنهم وبقي الإسلام عزيزاً وقام بالأمر من بعده الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فلجأ أعداء الإسلام إلى مكيدة جديدة فخرجت طائفة الخوارج الذين يكفّرون المسلمين ويستحلون دماءهم وخرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقاتلهم ونصره الله عليهم وقتل منهم مقتلة عظيمة في النهروان ولم يبق منهم الا القليل ثم تآمروا على علي رضي الله عنه فقتلوه غيلة وظن الكفار ومن نفذ خطتهم هذه أنهم سيقضون على الإسلام ولكن بقي الإسلام عزيزا رغم أنوفهم واستمرت دولة المسلمين عزيزة تنشر دين الله في المشارق والمغارب في عهد معاوية. كما قال تعالى: {لٌيٍظًهٌرّهٍ عّلّى الدٌَينٌ كٍلٌَهٌ وّلّوً كّرٌهّ المٍشًرٌكٍونّ} ثم قامت الدولة الأموية ثم الدولة العباسية والاسلام في عز وظهور رغم ما يحصل لأهله من ابتلاء وامتحان. حتى جاء جيش التتر من المشرق فاجتاح بلاد المسلمين وقتل الخليفة العباسي وجرت على أيديهم محنة شديدة على المسلمين لكنهم ثبتوا في وجوههم في أكثر من معركة حتى هزم الله التتر وبقي الاسلام عزيزاً شامخاً كما أنزله الله. قال تعالى: {إنَّا نّحًنٍ نّزَّلًنّا الذٌَكًرّ وّإنَّا لّهٍ لّحّافٌظٍونّ} ثم جاء الغزو الصليبي بحقده وشره وحصلت بينه وبين المسلمين معارك شديدة واستولى النصارى على بيت المقدس فترة طويلة حتى قيض الله للاسلام والمسلمين صلاح الدين الأيوبي فدحر الصليبيين وخلص بيت المقدس من حوزتهم وأعاده إلى حوزة المسلمين. وفي وقتنا الحاضر تجمعت الصهيونية اليهودية بمساندة من أمريكا ودول الكفر واحتلت أرض فلسطين واستولت على المسجد الأقصى لكن سينتصر المسلمون عليهم ويوقعون بهم شر هزيمة إذا اجتمعت كلمة المسلمين وجاهدوا في سبيل الله لإعلاء كلمة الله كما كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم. والآن نرى أمريكا ومعها دول أخرى تحاول تغزو بلاد المسلمين وتتدخل في شئونهم الخاصة وتملي عليهم رغباتها وتتهم الإسلام بالإرهاب والتطرف والغلو وتريد من المسلمين أن يتخلوا عن كثير من أحكامه وأصوله وهي تتبجح بالديمقراطية وإزالة الظلم عن الشعوب وترتكب أشد أنواع الظلم والقسوة وتقول على لسان قادتها: (من لم يكن معنا فهو ضدنا) وهكذا تدعي أنها ستزيل الظلم وهي ترتكب أشد أنواع الظلم في حق الشعوب وقد سنحت الفرصة للمنافقين والذين في قلوبهم مرض بترديد مقالة الكفار باتهام الإسلام بالتطرف والإرهاب واتهام مصادره وعلمائه بذلك والمناداة بحرية المرأة ومساواتها بالرجل وخلعها للحجاب وتوليها أعمال الرجال. ومناداتهم بإزالة الفوارق بين المسلمين والكفار باسم حرية الرأي وحرية الديانة وعدم كره الآخر وترك باب الولاء والبراء وحذفه من الكتب والمقررات الدراسية وعدم تكفير من كفره الله ورسوله ولو ارتكب نواقض الإسلام كلها كل ذلك تحت مبدأ التسامح وحرية الرأي وقبول رأي الآخر.
وكل من خالف هذه المبادىء الخبيثة عندهم والتزم بالإسلام وأصوله وأحكامه فهو متشدد ومتطرف وتكفيري حتى تناولوا بهذه الاتهامات أئمة الإسلام ومجدديه كشيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب حتى نادى بعضهم بإعادة النظر في كتب العقيدة وإخلائها من كل ما يتعارض مع مبادئهم ورغباتهم.
ونقول لهؤلاء وهؤلاء ما قاله الله لهم: {مٍوتٍوا بٌغّيًظٌكٍمً إنَّ اللهّ عّلٌيمِ بٌذّاتٌ الصٍَدٍورٌ} وسيبقى الإسلام وتموت المبادىء الهدامة وأهلها {سٍنَّةّ اللهٌ فٌي الذٌينّ خّلّوًا مٌن قّبًلٍ وّلّن تّجٌدّ لٌسٍنَّةٌ اللّهٌ تّبًدٌيلاْ} وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
( * ) عضو هيئة كبار العلماء |