* جاءت توصيتان هما: (الثامنة والتاسعة)؛ من بين ثماني عشرة توصية صدرت عن اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري؛ المنعقد مؤخراً بمكة المكرمة؛ جاءتا في جانب الناشئة؛ مما يدل على أهمية التربية والتعليم من ناحية، ووقوع خلل ما في الأساليب المتبعة في سير العملية التربوية والتعليمية من ناحية أخرى، وهذه ساهمت بشكل ما؛ في تأزم المجتمع؛ وفي تهديد استقراره وأمنه؛ الذي كان يفخر به على مدى سبعين عاماً مضت.
* حثت التوصية الثامنة نصاً على: (ترسيخ مفاهيم الحوار في المجتمع السعودي؛ وتربية الأجيال في المدارس والجامعات على ذلك، مع فتح أبواب حرية التعبير المسئولة؛ التي تراعي المصلحة العامة).
* وحثت التوصية التاسعة كذلك على: (تطوير مناهج التعليم في مختلف التخصصات؛ على أيدي المتخصصين؛ بما يضمن إشاعة روح التسامح والوسطية، وتنمية المهارات المعرفية، للإسهام في تحقيق التنمية الشاملة؛ مع التأكيد على ضرورة استمرار المراجعة الدورية لها).
* ومنذ عدة أشهر مضت؛ فإن المناهج الدراسية؛ هي محور الحوارات التي تدور في المجتمع على مختلف طبقاته ومستوياته ومسئولياته كذلك؛ والحوار بكافة ألوانه وأشكاله وأغراضه؛ ظاهرة جيدة في مجتمعنا اليوم؛ ينبغي أن نشيد بها؛ وأن نعزز من عناصر قوتها واستمرارها؛ لأننا بالحوار وعن طريقه؛ سوف نصل إلى نقاط مشتركة بيننا، وسوف نكتشف قدرتنا على معرفة العيوب وتعريتها، ثم حلها بطرق هادئة سليمة.
* إن توصيات لقاءات الحوار الفكري؛ هي في عمومها؛ عناوين عريضة لمشاريع مصيرية قادمة، وهي وَصْفَات في توصيات؛ لمن أراد الاستفادة منها، وبالتالي؛ التقدم من خلالها إلى الأمام؛ وفق منهجية ترضي كافة أطياف المجتمع، وتحقق المصلحة الوطنية العليا، التي من أجلها نلتقي ونتكاشف ونتحاور، ونتلمس السبل الأفضل؛ إلى الحلول الأفضل.
* إذن.. الجانب التربوي والتعليمي على وجه خاص؛ يحظى بنصيب كبير من الهم (الوطني) العام، والتفكير ينبغي أن ينصب؛ في كيفية صياغة جيل حديث منفتح، يتحلى بالتسامح، ويتعايش مع عصره، ويتقدم إلى الدخول في التاريخ؛ لا أن ينغلق على نفسه؛ ويخلق عداوات ضده، ويكتفي بالوقوف على قبور الموتى؛ باكياً نادباً حظه؛ إن لم يكن منهم أو معهم؛ أو لم يكن مثلهم على أقل تقدير..!!
* قبل هذا الاهتمام بالشأن التربوي في لقاء مكة المكرمة؛ رأينا كيف تبنت قمة الكويت الأخيرة؛ ورقة (الأمير عبدالله بن عبدالعزيز)، الداعية إلي مراجعة المناهج الدراسية؛ وتنقيتها وتصحيحها وتطويرها. وتزامن هذا؛ مع دراسة مستفيضة في مجلس الشورى السعودي؛ تتعلق بأنظمة التعليم وتطويره، وجاءت فيها توصيات بالتوسع في مدارس تحفيظ القرآن الكريم، ودمج مجلس التعليم العالي مع لجنة سياسة التعليم.. إلى غير ذلك.
* الحق أقول هنا؛ بأن ما نراه ونلمسه؛ إنما هو استشعار عام لدى الناس كافة؛ بضرورة عمل شيء ما؛ يسهم في تصحيح المسار التربوي؛ وأن هناك نوايا حسنة؛ تعمل في هذا الاتجاه، ولكن هذه الجهود المخلصة؛ تصطدم على ما يبدو؛ بجدار الرفض إياه، الذي تعودنا عليه من سنين طويلة، والذي يتلبس بالدين؛ أو يتذرع بعدو خارجي؛ فأولئك الذين يدافعون عن المناهج القائمة؛ على ما فيها من عيوب ومثالب؛ يجعلون منها نصوصاً مقدسة لا تمسّ، ويدندنون بطلبات ورغبات أميركية..! وكأن أميركا هي التي طلبت من (الملك عبدالعزيز) رحمه الله قبل عشرات السنين؛ أن يدخل إلى بلاده البرقيات واللاسلكي، وأن يستخدم السيارة والطائرة، وأن يفتح المدارس، أو أجبرت الدولة السعودية فيما بعد؛ على فتح مدارس البنات، وإدخال الراديو والتلفزيون، والتقدم بالشعب السعودي نحو البناء الحضاري والمدني؛ الذي نشهده اليوم.. هؤلاء وأمثالهم؛ نسوا أنهم كانوا فيما مضى؛ ضد كل ما تقدم، بذات اللبُّس والأعذار، ثم أصبحوا فيما بعد؛ جزءاً من هذه الحركية التقدمية؛ يطالبون بها؛ ويدافعون عنها...! وأنهم إنما يكررون اللعبة ذاتها اليوم؛ وهم بكل بساطة؛ يستهينون بعقولنا؛ أو يستغفلون ذاكرتنا لا أكثر..!!
* هناك مسألة تتعلق بأنظمة التعليم؛ وأكاد أقول: هيكلته الإدارية؛ حتى داخل وزارته نفسها، لا أدري ما موقف مجلس الشورى منها اليوم؛ مثل تبعية بعض المعاهد؛ ومناهجها الدراسية؛ لغير جهتها المفترضة. وكذلك تبعية بعض المدارس؛ والمدارس الأهلية؛ لما يسمى التعليم الموازي؛ وليس التعليم العام الذي يدير بقية المدارس في المملكة.. وكأن هناك خصوصية ما؛ تكتنف جوانب تربوية وتعليمية بعينها؛ وتميزها عن بقية التعليم العام، أو شذوذاً في الشكل الإداري والإشرافي والمنهجي؛ يتمحور داخل التعليم العام نفسه..! بينما كل أشكال التعليم تحت الجامعي؛ هي تعليم عام، أو هكذا يجب أن تكون. وكلها ينبغي أن تتبع جهة واحدة مسؤولة عن التعليم العام؛ هي (وزارة التربية والتعليم)، مثلما سبق وألحقت الرئاسة بهذه الجهة؛ لأن هذا هو الوضع السليم. ثم إن المناهج التي تعطى لكافة تلاميذ وطلاب التعليم العام؛ يجب أن تكون موحدة، وتصب جميعها في هدف واحد؛ هو إعداد مواطنين أسوياء، يملكون خبرات ومهارات علمية متطورة وجيدة، تمكنهم من العمل في شتى المجالات المطروحة، فلا تتوقف في أجزاء منها؛ عند حفظ النصوص وترديدها، فتؤدي إلى تخريج أنماط بشرية في اتجاه واحد فقط، قد لا تجد لها مكاناً وظيفياً في المستقبل.
* إن العمل على تقويم المناهج الدراسية وتطويرها؛ لابد أن يصاحبه عمل آخر؛ يستهدف تقويم مناهج وطرائق الأداء داخل المدارس كافة؛ فبعض المعلمين بشهادة زملاء لهم يخرجون على نصوص المنهج المحددة، ويحولون حصصاً مقررة للرياضيات والعلوم وغيرها؛ إلى حصص دعوية في زعمهم..! وآخرون في بعض المدارس، يستغلون حصص التربية الرياضية والفنية؛ وكذلك المكتبة والإذاعة المدرسية والنشاط؛ إما لستر عجزهم العلمي؛ وتغطية فشلهم في واجبهم الوظيفي المناط بهم؛ أو لتمرير ما يريدون تمريره من أفكار ومفاهيم يعتقدونها؛ ويظنون أنهم وحدهم على حق؛ وغيرهم على باطل..! فكثيراً ما نجد مديرين ومعلمين؛ لا هم لهم في عملهم الرسمي؛ سوى الترويج لأفكار ورؤى خاصة بفلان وفلان من الناس، فهم يوزعون أشرطة وكتيبات ونشرات هذا وهذا وذاك؛ انطلاقاً من مدارسهم؛ ويجتهدون في إيصالها لأولياء الأمور، وهم يتدخلون في شئون الطلاب والطالبات؛ حتى الخاصة منها؛ ويصدر عنهم عادة؛ ما يشبه الفتاوى في غير تكليف ولا اختصاص؛ حتى رأينا طلابا يتطرفون في سلوكهم؛ ويتشددون في مواقفهم، ويغالون في مظاهرهم؛ ويتبرمون من حياتهم؛ ويضيقون ذرعاً بأسرهم ووسطهم الاجتماعي..! وهذا السلوك في مجمله؛ يقود إلى شيوع ثقافة متضادة مع نفسها، ثقافة سلطوية؛ تفرخ أخرى ذاتية؛ بحيث يتحول الفرد عندها؛ إلى مشكلة غير قابلة للحل، في مواجهة فرد آخر؛ ربما يرى في دينه؛ عقبة في طريقه والعياذ بالله.
* إن هذا الخروج على النصوص؛ وتعمد الاستغلال والمخالفة في أداء الواجب؛ يكشف لنا مستويات عدد من المعلمين؛ الذين تخرجوا من معاهد أو مدارس في التعليم العام، أو آخرين أقحموا في سلك التربية والتعليم؛ وهم من غير أهله أصلاً، أو لم يهيأوا له بما يكفي.
* إن مما هو جدير بالبحث في شأن التعليم؛ أن تكون مراجعتنا له شاملة وكاملة غير منقوصة، فالمناهج الدراسية يجب مراجعتها وتصحيحها وتطويرها، بل وأن توجه بشكل يخدم التخصصات العلمية؛ التي تلبي الحاجة التنموية. وفي المقابل؛ فإن طرائق المعلمين في التعامل مع المناهج الدراسية؛ وسبل التوصيل المتبعة؛ لا تخدم المتعلمين؛ إذ لابد من تطوير المفاهيم، وتصحيح الأفكار عند كثير من المعلمين؛ لكي نحقق الانسجام المطلوب داخل المدرسة. وحتى تكتمل الرؤية في إصلاح التعليم؛ وتنجح وسائل حل ما يكتنفه من مؤثرات وسلبيات؛ يجب توحيد التعليم العام في وزارته المخصصة له؛ (وزارة التربية والتعليم)، وتوحيد التعليم الفني في جهة واحدة، وكذلك توحيد التعليم العالي؛ من كليات كثيرة هنا وهناك؛ في جهته المعنية؛ (وزارة التعليم العالي)، ولو أن المنطق يقول في هذه الحالة؛ بفرضية أن يكون التعليم كله؛ في وزارة واحدة.
fax:-027361552
|