أسباب الإفراط في الخوف كثيرة، منها على سبيل الإيجاز ما يلي:
السبب الأول: هو مايتعلق بالوراثة، فإن الجينات أو المورثات كثيراً ما تنقل من خصائص وصفات وطبائع الأبوين، كما أنها تنقل صفاتهم الجسمية أو الشكلية.
وكذلك تنقل بصماتهم العقلية والنفسية على الأبناء، بطريقة منظمة معروفة لدى المختصين.
فإذا كان الأبوان أو أحدهما عصبياً، أو انفعالياً، أو مزاجياً، فإن هذا لابد أن ينعكس على أولاده.
الثاني: هو الأسرة، والمجتمع الأسري، فإن صرامة الأسرة، أو شدتها، أو قسوتها في المعاملة، أو كثرة التوجيهات والملاحظات على الأبناء، وكثرة التحذيرات تورث فيهم نوعاً من الخوف.
وظروف الأسرة المضطربة مثل:
- أن يكون الأبوان منفصلين عن بعضهما، أو بعيدين عن بعضهما.
- أو يكون الولد يتيماً، أو ما أشبه ذلك من الأسباب.
الثالث: المدرسة، فإن القسوة الإدارية، والتعامل بصرامة وشدة مع الطلاب، يولّد عندهم كثيراً من الخوف، والهروب.
ومما يزيد المشكلة، أن كثيراً من المدارس تنحاز للجوانب المعرفية على حساب الجوانب السلوكية والتربوية.
فالمدرسة تتحول - في كثير من الأحيان - إلى مكان لتلقين المعلومات، بدلاً من أن تكون مكاناً للتربية، وتدريب الطالب على المشاركة، وعلى الإلقاء، وعلى الكتابة، وعلى تنمية مواهبه وطاقاته وقدراته، أو أن تكون مجالاً للتدريب على الأخلاق الفاضلة والسلوك الحميد.
الرابع: الطموح الزائد، سواء هذا كان طموح الآباء في تطوير أبنائهم، أو طموح المربي، أستاذاً كان، أو مدرسة حلقة، أو شيخاً في تجمع، أو ما أشبه ذلك، أو طموح الإنسان الزائد تجاه نفسه.
ولكن إذا كان الطموح من الآخرين، فإن هذا يولد عند الإنسان خوفاً، لأنه يصبح عنده وجل شديد من الإخفاق والفشل، والتراجع.
وأحياناً هذا الطموح الزائد، وهذا الأمل المفرط يجعل الولد في شقاء دائم، لأن الأب لا يقنع منه باليسير، وربما يطالبه بأشياء فوق مستوى إمكانياته، وفوق مستوى قدراته.
الخامس: السخرية، فإن السخرية بالطفل الصغير، وبالطالب، وبالداعية، وبالمتعلم من قبل المجتمع، أو ممن يحيطون به تولد عندهم عقدة الخوف.
السادس: التخويف غير المنضبط، وهذا كثيراً ما نجده يُلقى للأطفال من الآباء، أو من غيرهم.
فيكون هناك تخويف غير منضبط، حتى يصبح الطفل يخاف من كل شيء.
- فإذا سمع - مثلاً - صرير الرياح، وعزيفها على النوافذ، داخله رعب وخوف.
- وإذا سمع صوت الرعد، داخله مثل ذلك.
- وإذا سمع صوت المطر، انزعج، وخاف!
بسبب التخويف غير المنضبط، الذي يلقى له من خلال القصص والأساطير، وقصص الحيوانات التي يتحدث معه بها، من خلال الأساليب والعبارات.
وكلنا لا نزال نحفظ كلمة: «الأقراص الحامية» التي يخوف بها الطفل، كلما أرادوا أن يكف عن شيء، فيكف من أجل ألا تنزل عليه هذه النار من السماء.
فهذا يولد عنده خوفاً غير مفهوم، وغير مدروس.
وربما نجد الآن في البرامج «برامج الأطفال» وما يسمى ب«الأفلام الكرتونية»، أو الأفلام المعروضة من خلال أجهزة الإعلام التلفزيونية وغيرها نجد أن في كثير منها زرعاً للخوف في نفوس الصغار، وفي نفوس المشاهدين، وخصوصاً ما يتعلق منها بأفلام الحيوانات والوحوش والافتراس.
فإن مشاهدة هذه الأفلام تولد عند الصغار، بل عند الكبار - أحياناً - نوعاً من الخوف غير الطبيعي.
السابع: القصور، إن الإنسان إذا كان عنده قصور، سواء كان قصوراً في جسمه، في بدنه، أو تعويقاً، أو كان قصوراً في عقله وفهمه وإدراكه، وعدم القدرة على مجاراة أبناء جنسه، أو قصوراً في نفسه، فإن هذا يكون سبباً في الخوف.
الثامن: الشعور بالإثم، فكثير من الناس قد يقع في نفسه عقدة الخوف بسبب ارتكابه خطيئة يشعر باستقذارها في الماضي، سواء كان هذا باختياره، أو حتى أن أحداً اعتدى عليه قسراً، وظلت ذكريات هذا المشهد تخايله وتزايله، وتزرع في قلبه الشعور بالقذارة وتوهم الخطأ السلوكي.
وقد يتوهم الإنسان - أحياناً - هذا الشيء، دون أن يكون وقع له بالفعل، فيترتب على ذلك عنده كثير من الخوف.
وإلى وقت قريب، أثبتت الدراسات الإحصائية في بريطانيا، وفي الولايات المتحدة الأمريكية:
ان عدداً كبيراً من المراهقين والمراهقات تنتابهم المخاوف الرهيبة، ويكادون يصلون إلى حافة الجنون بسبب الآثار المترتبة على ممارستهم لما يسمى: بالعادة السرية حتى وهم في ذلك المجتمع، الذي هو بطبيعته مجتمع متحلل.
وربما يكون التخويف بآثاره الطبية، وآثاره النفسية سببا في هذه النتيجة، لكن في المجتمعات الإسلامية، يكون الحديث عن هذا الجانب مضافاً إليه بيان الحكم الشرعي، وأقوال العلماء فيها، فإن هذا يولد عند كثيرين مثل هذا الشعور.
وقد يقع الإنسان في الكذب، أو العقوق، أو الغيبة، أو غيرها، ولا يشعر بالاستقذار والندم الداخلي، كما يشعر به من جراء ممارسة العادة السرية التي هي من اللمم.
السبب الأخير: هو روح الغرور، والإعجاب، والشعور بالتفوق وازدراء الآخرين فإذا شعر الطفل أو الإنسان، أنه متميز عن الآخرين:
* في شكله.
* في جسمه.
* في لون شعره.
* في لون عينيه.
* في قسماته.
* في قوته البدنية.
* في نبرة صوته.
* أو حتى في مكانته الاجتماعية ونحوها.
فإن هذا قد ينعكس عليه بالمخاوف التي تنتابه.
خلاصة الأمر أن الخوف:
* ضرورة بشرية.
* ضرورة شرعية.
* ضرورة فطرية للإنسان.
لكن الخوف المعتدل، بلا إفراط ولا تفريط، وهذا الخوف المعتدل ستكون نتيجته أمرين:
الأول: العلم، وهو التصور الصحيح والسليم للأشياء.
الثاني: العمل، وهو أيضاً التعامل الصحيح والسليم مع الأشياء.
فالخوف المعتدل المطلوب يولِّد لدينا علماً نافعاً، ويولِّد لدينا عملاً صالحاً.
والعلم النافع والعمل الصالح من المطلوب للمسلم في حياته، وهما قوام خير الدنيا والآخرة.
لكن هناك الوجهان الخارجان عن حد الاعتدال، وكلاهما يورث نقصاً في العلم والعمل، بقدر بعده عن التوسط وعن الاعتدال.
ويمكن مشاهدة هذا في الكثير من المسائل العلمية والعملية المتنازع فيها، وسوف أضرب أمثلة لبعض المسائل العلمية، وأخرى لبعض المسائل العملية في المقال القادم.
|