لعل انتهاج الأسلوب النموذجي في عمل الادارة التربوية القائم على فك عرى وروابط التمركز في العمل، وتجسيم الأخطاء ورصد مسبباتها، والاستقراء والاستشراف للخطط المأمولة، ونقل الصورة من المهام التنفيذية المرسومة الى نمط القيادة والابداع في العمل القائم على استثمار كل الخبرات العاملة وتفعيلها من خلال توظيف جهودها وآرائها هو أبرز أسس نجاح المشاريع التربوية، وبالمقابل فإن أحد مسببات الفشل والضعف والتأخر في المسار التربوي يتمثل بإعطاء الادارة التربوية المكانة الثانوية في هيكل العمل التربوي، أو الاقتصار على المهام التنفيذية التي تعتمد الالتزام بتحقيق الانظمة واللوائح الرسمية المحددة من قبل الادارة العليا للتربية دون استيعاب لتلك الأنظمة المرسومة وتفاعل مع الخصائص والظروف وإخفاء الضعف والفشل ببعض الممارسات الشكلية التي تحمل الطابع الدعائي.
إن الادارة التربوية تجمع بين مهام التخطيط والتنفيذ، والتطوير والمراقبة، ويعتبر درجة نجاح تلك المهام مرتبطاً بمستوى الادارة المشرفة على المشروع ومدى التحمس الناتج من المدير المباشر.
واذا كانت الصورةالمستقبلية المحددة للعملية التعليمية ذات اهداف ووظائف وسمات، فان الادارة المشرفة على هذا المشروع لا بد ان تكون أول الواعين بتلك الوظائف والاهداف، المدركين بالظروف المحيطة بالمشروع، والقادرين على تجاوز تلك المعوقات حسب استقراء ورصد مستمرين. وبعيداً عن تصنيف وترتيب الإدارة التربوية وتحديد المهام على وجه الدقة فإن المسؤولية تتعاظم درجتها وخطورتها مع تدرج المرتبة والمهام من الادارة التنفيذية ومروراً بالوسطى المقصودة في حديثنا وانتهاء بالادارة العليا.
ان الادارة فن ومهارة، تمكن المؤسسة التربوية من الوصول الى الاهداف المرسومة بصورة متكاملة، وتحقق جواً من العمل يسوده الود والحماس والرغبة في الإبداع بين الأفراد، من خلال تعزيز التقدير والانتماء بين منسوبي المؤسسة، ولعل أبرز سمات الادارة الفاعلة تلك التي تقوم على بعض الخصائص والمرتكزات، ومنها:
- اتاحة الفرصة لكل المشرفين والفنيين والاداريين المباشرين على تنفيذ المهام ان كان موقعهم ومستوياتهم من الاطلاع على المستجدات التربوية القائمة على تجدد المعلومات، وعلى الوقوف على تجارب الآخرين من خلال المشاركة في المناسبات العلمية والاستمرار في رفع كفاءة العمل، من خلال تكثيف برامج التدريب وتوزيعها على منسوبي الادارة وفق الحاجة وتوزيع المهام بطريقة عملية نزيهة، وإزالة التمييز بين الافراد من منسوبي الادارة، والانفتاح على الميدان من خلال الدراسات والبحوث المتخصصة.
- تبنِّي المشاريع والافكار العملية المثمرة التي تدفع بالعمل الى الافضل من خلال غرس منهج المبادرة واحتضان المشاريع الابداعية، بعيداً عن الاهداف الذاتية العشوائية القائمة على تبنِّي وتقليد مشاريع ارتجالية براقة المظهر هزيلة الغاية والاهداف، أو التخوف من خوض التجارب الجديدة غير المألوفة في نمط الاعمال السائدة.
- الإنصاف من الذات والبعد عن قانون التسلط والتشفي وإعطاء الموظفين الثقة والأمان وتجنب رهبة تفاوت الأعمدة البيانية في القدرات وتوزيع المهام والفرص حسب الكفاءة والانتاج، بعيداً عن الاعتبارات الأخرى التي تسقط الخطط، وتضعف الهمم، وتقلل من عطاء المبدعين، وتبعث على الفرقة وضعف الانتماء، وتؤجج روح المنافسة غير الشريفة.
- التحديد الموضوعي للأخطاء التي تكتنف مسار العمل وعدم تهميشها أو تحميلها فوق ما تحتمل، بل لا بد من رسم الاسباب، وطرح الحلول، واستثمار أنماط تلك الأخطاء لتكون دروسا عملية وخبرات تستثمر مستقبلاً.
- أخيراً لا بد من تخصيص جهد ووقت للاستشراف المؤدي الى استمرار تطوير الاداء، وذلك من خلال حفز الهمم، ونبذ الرتابة، وتقدير ثمار الابداع، وتوظيف نتاج ومستجدات الجهد العالمي، والتسامي في تبنِّي المعارف المتجددة، وتخصيص جزء غير يسير للقاءات والاجتماعات المثمرة التي تحقق المراجعة والتقييم لمسار العمل.
|