Saturday 10th January,200411426العددالسبت 18 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الإسلام والإرهاب هل هما وجهان لعملة واحدة؟ الإسلام والإرهاب هل هما وجهان لعملة واحدة؟
الرائد/ فهد بن عبدالعزيز الغفيلي

بعد أن نما غرسه واشتد عوده وكثر أنصاره وذاع صيته وأصبح حديث المجالس وأخباره القاسم المشترك لجميع وسائل الإعلام العالمية والمحلية، جاء الإرهاب فاغر الفم بشع الوجه رثّ الثياب قاطب الجبين كريه الرائحة قبيح الهيئة ليقول مخاطباً الإسلام بكل وقاحة وجرأة: أنا وأنت وجهان لعملة واحدة.
فلم يرد عليه الإسلام ولم يعره اهتماماً أو يلقي له بالاً فقال الإرهاب لم تحاول التهرب والتنصل مني والترفع عني وكلانا يحمل نفس المبدأ التخريبي ونطمح لهدف مشترك وهو قتل الأعداء والقضاء على مخالفينا وتصفيتهم بأية طريقة كانت.
فالتفت إليه الإسلام وقد ضاق ذرعاً بصمت أتباعه وضعف أنصاره وخنوعهم وتقاعسهم عن الدفاع عنه أكثر من ضيقه بما سمعه من الإرهاب وما يدعيه أهله من اتهامات وادعاءات باطلة تحاول وضعهما في خندق واحد وتلقي باللائمة عليه وتتهمه بأنه منبع الإرهاب مدعين أنهما شيء واحد فما يقال عن هذا ينطبق على ذاك.
فقال: إنني دين الله اختارني لأكون خاتم أديانه السماوية وأرسل أفضل رسله وصفوة خلقه عليه السلام إلى الناس كافة للتبليغ بي ونشري في جميع أنحاء المعمورة وليس كالأديان السالفة التي كانت محصورة في أقوامها فقط وليست لجميع الناس.
ثم إني وبعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم نقضت جميع الأديان التي سبقتني فمن سمع بي ولم يعتنقني فقد خسر الدنيا والآخرة، وربي سبحانه وتعالى يقول في محكم تنزيله {وّمّن يّبًتّغٌ غّيًرّ الإسًلامٌ دٌينْا فّلّن يٍقًبّلّ مٌنًهٍ وّهٍوّ فٌي الآخٌرّةٌ مٌنّ الخّاسٌرٌينّ}، ثم إن الله حفظني ومنهجي وأحكامي بكتاب تعهد أن يحفظه بنفسه حيث يقول جل من قائل: {إنَّا نّحًنٍ نّزَّلًنّا الذٌَكًرّ وّإنَّا لّهٍ لّحّافٌظٍونّ}، كما أن اسمي مشتق من معنى عظيم ونعمة ينشدها العالم بأسره وتسعى إليها البشرية جمعاء وهي السلام، فأنا وإياه صنوان لا نفترق فمن اتخذني منهجاً، عليه أن يتمسك بصاحبي أيضاً ويلزمه ويعمل على نشره في نفسه قبل كل شيء فيكون مسالماً، منصفاً، عادلاً، محباً للخير ثم يسعى لتعميم كل ذلك ونشره في أسرته وحيه ومجتمعه والعالم أجمع.
فأتباعي يعرفون باسم المسلمين ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم يقول عنهم: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. وحين ينص الحديث هنا على المسلمين فليسوا هم المقصودين حصرا بل يندرج في حكمهم المعاهدون الذين يعيشون في بلاد المسلمين. ثم تدبر وتأمل مدى أهمية السلام في منهجي، فقد بدأ رسولي عليه السلام باللسان قبل اليد ثم ثنى بها من باب التأكيد، فالمسلم هو ذلك الإنسان الذي علم أركاني الخمسة كاملة وعمل بها على الوجه الذي شرعه وأمر به ربّ العالمين سبحانه ولم يزد ولم ينقص، فمن زاد فقد ابتدع ومن انقص شيئاً فقد أخل، وقد يصل به الأمر إلى الكفر والعياذ بالله.
ثم لا تنس ان السلام ونشره وتعميمه جزء من منهجي، لذا وجب على من قال إني أسلمت وجهي لله ربّ العالمين ان يحرص على سلامة نفسه قبل كل شيء فمن يهلك نفسه ويزهقها دون الرجوع لمستند شرعي حقيقي فلا يعتبر مسلماً وإن سمّى نفسه شهيداً فهو ليس كذلك، لأن قتل النفس التي حرم الله بغير حق عمل يسمى انتحاراً والمنتحر يقتل نفسه بغير حق وحكمه أنه مخلد في نار جهنم.
ولا تنس أن هناك من يقتل نفسه في سبيلي وابتغاء مرضاة ربي فهذا مختلف تماماً ويصنف على أنه شهيد ولكن لابد من التحقق من أن عمله هذا موافقاً لشرعي ومنهاجي وان يقرّ من قبل علماء ربانيين مدركين لما يحدث ملمين بفقه الواقع إلماماً تاماً.
هذا فيما يتعلق بصيانة النفس أو الذات التي أودعها الله كأمانة لدى كل فرد من بني البشر حتى يحين استردادها فلا يحق لأي كان التفريط بها وازهاقها من غير وجه حق، أما بالنسبة للمحافظة على أرواح الآخرين وعدم التعرض لها فمن باب أولى، فشريعتي تقرر أن المعتدي يجب ان يجازي على فعلته بمثلها، فالنفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص إلا ان يعفو المعتدى عليه فله ذلك، ومن عاد إلى فعلته مرة أخرى فجزاؤه وحسابه عند الله الذي لايعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وهو اللطيف الخبير. وبالطبع فلا يغيب عني صيانة الحقوق الأخرى من ممتلكات وأعراض وغيرها فهي محفوظة ومحترمة ويحرم لدي الاعتداء عليها لأي سبب ليس في منهجي. أما من يريد العمل بأركاني فقط ويؤديها من باب الأداء فقط ولا يعمل بها حقيقة ولا بما يندرج تحت مفاهيم كل ركن منها فهو لايمثلني التمثيل الحقيقي فكل تلك الأركان والواجبات التي يؤديها له، ولكن هناك أموراً لابد من التنبه إليها والعمل بها ومن أهمها التخلق بخلق حسن ومعاملة الناس بطريقة لبقة جيدة فرسولي عليه السلام يقول: الدين المعاملة.
أما أن تقوم بالأركان وتؤديها ثم تسيء للآخرين بالاعتداء عليهم وترويعهم وبث الخوف والرهبة في نفوسهم فهذا ليس مني ولست منه بل هو من أشد وأشنع الأعمال التي أرفضها وأحرمها وأمنع أتباعي من الوقوع والانزلاق فيها، ومن يفعل ذلك فهو يعلن حرباً على ربي جلَّ وعلا ونبيي عليه السلام، وعقوبته قاسية ولا تهاون أو محاباة فيها وهي من أشد العقوبات في كتاب الله، حيث يقول تعالى: {إنَّمّا جّزّاءٍ الّذٌينّ يٍحّارٌبٍونّ اللَّهّ وّرّسٍولّهٍ وّيّسًعّوًنّ فٌي الأّّرًضٌ فّسّادْا أّن يٍقّتَّلٍوا أّوً يٍصّلَّبٍوا أّوً تٍقّطَّعّ أّيًدٌيهٌمً وّأّرًجٍلٍهٍم مٌَنً خٌلافُ أّوً يٍنفّوًا مٌنّ الأّرًضٌ ذّلٌكّ لّهٍمً خٌزًيِ فٌي الدٍَنًيّا وّلّهٍمً فٌي الآخٌرّةٌ عّذّابِ عّظٌيمِ}، فقاطعه الإرهاب قائلا: إنك تدعي السلام ونشره في كل مكان وتريد أن تتبرأ مني ومن الصلة بي بادعائك المحافظة على أموال وأعراض وأرواح جميع الناس حتى غير المسلمين منهم وأنت تحاول أن تفرض نفسك بالقوة وإراقة الدماء وهذا ما يفعله أتباعك عند الدعوة إليك وهو نفس الشيء الذي يفعله المؤمنون بي وبمبادئي فكلانا نفرض أهدافنا ومبادئنا على الآخرين بنفس الطريقة ونحقق نتائج متقاربة وسمعتنا لدى العالم أصبحت واحدة فلا تذكر إلا وأذكر معك وعندما يتم التطرق إلي فلابد من الإشارة إليك.
لذا ومن هذا المنطلق فنحن قريبان من بعضنا من حيث المبدأ والطريقة والأهداف. فرد عليه الإسلام قائلاً: في البداية يجب ان يعلم الجميع أني لم انتشر بقوة السيف حيث كان اتباعي يعرضوني على من لايعرفني لاتباعي فإن وافقوا على ذلك وإلا فعليهم دفع الجزية والخضوع لمن يحكم بشرعي ومنهجي فمن أبى أجبرناه على ذلك بالقوة لأنه بطريقته يحاول منعي من الوصول إلى المستضعفين والمغلوبين على أمرهم من شعبه ويريد ان يستعبدهم ويذلهم ويحول بيني وبينهم ولو نظرت إلى بعض الشعوب التي دخلت بي وكيف تحولت حياتها وتحسنت أوضاعها وذاقت طعم الحرية الحقيقي بعد ان مكثت لقرون تحت سيطرة الطغاة والاستبداديين الذين عاثوا في تلك البلدان فسادا يقتلون أبناءها ويستحيون نساءها ويستعبدون رجالها، وان شئت فخذ الشعب المصري خير مثال على ذلك وكيف انتهى آخر عهودهم بالعبودية والذل بعد وصولي إلى ديارهم ودخولي في قلوبهم وتحكيمهم لشرعي وتطبيقهم مبادئي.
أما بالنسبة لمن يقومون بالقتل والتخريب وسفك دماء الأبرياء باسمي وفي سبيلي وابتغاء مرضاة ربي، فهؤلاء ليسوا مني وأنا منهم براء وقد تشددت معهم كما ذكرت لك سلفاً وأحكامي مفصلة في تجريمهم وإنزال أشد العقوبات بهم فمن يقوم بعمل تخريبي من تفجير أو تدمير ونحوه فيروح ضحيته مسلم بريء فالفاعل خالد مخلد في نار جهنم وعليه غضب الله ولعنته حيث يقول تعالى: {ومّن يّقًتٍلً مٍؤًمٌنْا مٍَتّعّمٌَدْا فّجّزّاؤٍهٍ جّهّنَّمٍ خّالٌدْا فٌيهّا وغّضٌبّ اللَّهٍ عّلّيًهٌ ولّعّنّهٍ وأّعّدَّ لّهٍ عّذّابْا عّظٌيمْا}. ومن يقوم بقتل غير المسلمين في دياري وهم مستأمنون، فإن كان غير قاصد فيندرج تحت قول الله تعالى: {وإن كّانّ مٌن قّوًمُ بّيًنّكٍمً وبّيًنّهٍم مٌَيثّاقِ فّدٌيّةِ مٍَسّلَّمّةِ إلّى" أّهًلٌهٌ وتّحًرٌيرٍ رّقّبّةُ مٍَؤًمٌنّةُ}، هذا بالنسبة لمن قتل عن طريق الخطأ فما بالك بمن يقتل الذمي متعمدا!! أتدري ما عقوبته؟ ارجع لقوله صلى الله عليه وسلم (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة) فجميع الذميين الذين يعملون في بلاد الإسلام هم مستأمنون لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين.
وحيث ان دم المسلم وعرضه وما له معصومة لايجوز الاعتداء عليها أو المساس بها فإن للمعاهد نفس الحقوق فلا يحل لأحد الاعتداء على أي حق من حقوقه فما بالك بقتله وترويعه.
فقال الإرهاب وقد بدأت حجته تضعف وقواه تخور: إن أتباعي يدينون بك ويطبقون اركانك ويدعون إليك. فرد عليه الإسلام: إني كلٌّ لا أتجزأ فمن اعتنقني وأخذ بي عليه ان يعمل بأركاني الخمسة وجميع ما أوجبته وأمرت به، ومن أراد ان يأخذ مني ما يحب ويترك ما يكره فأمره إلى الله وهو سبحانه من يقرر ان كان مني أم لا، علماً ان هناك فئة تعمل بي ولكنها تحاول ان تحكم عقلها في كل شيء دون الرجوع إلى شرعي فتقتل وتفسد وتسفك الدماء دون وجه حق فيبدو للبعض أن منطقهم سليم ومنهجهم قويم، مع أنهم في الحقيقة ممن قال الله فيهم: {ومٌنّ النَّاسٌ مّن يٍعًجٌبٍكّ قّوًلٍهٍ فٌي الحّيّاةٌ الدٍَنًيّا ويٍشًهٌدٍ اللَّهّ عّلّى" مّا فٌي قّلًبٌهٌ وهٍوّ أّلّدٍَ الخٌصّامٌ، وإذّا تّوّلَّى" سّعّى" فٌي الأّرًضٌ لٌيٍفًسٌدّ فٌيهّا ويٍهًلٌكّ الحّرًثّ والنَّسًلّ واللَّهٍ لا يٍحٌبٍَ الفّسّادّ، وإذّا قٌيلّ لّهٍ اتَّقٌ اللَّهّ أّخّذّتًهٍ العٌزَّةٍ بٌالإثًمٌ فّحّسًبٍهٍ جّهّنَّمٍ ولّبٌئًسّ المٌهّادٍ}. كما أني متشدد جداً مع من يقتل من باب الترهيب والترويع ولا أقبل في ذلك وساطة أو شفاعة ولا حتى عفو ولي. وقد حدث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ان قام يهودي برضِّ رأس جارية بين حجرين، فقيل لها: من فعل بك هذا أفلان أفلان؟ حتى سُمي اليهودي، فأومأت برأسها فجيء باليهودي فاعترف فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُرضَّ رأسه بين حجرين. وحيث لم يُرَدّ الأمر إلى أولياء الدم لأخذ موافقتهم على تنفيذ حكم القتل في اليهودي، فهو دليل على معاقبة من قتل بهذه الطريقة حداً لا قصاصا فهو حق من حقوق الله وليس من حقوق البشر فلا يؤخذ لذوي المقتول رأي ولا يقبل منهم مشورة في تنفيذ الحد. كما أن شريعتي وعلى الرغم من وصفها بالسمحاء لا تتسامح ولا تتهاون مطلقا مع من قتل غيلة، حيث ثبت ان عمر بن الخطاب قتل خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه غيلة وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً. ثم إن عمر رضي الله عنه لم يرجع الأمر لأولياء المقتول بل أقام عليهم الحد مباشرة نظراً لفداحة ما قاموا به وخطورته على المجتمع. وبعد ان ذكرت لك بعضا من أحكامي وتشريعاتي في محاربتك وتشددي في معاقبة من يدينون ويؤمنون بك، دعني أبين للعالم أجمع أن أهدافي ومبادئي سامية وان اختلفت طرق تنفيذها أو أساء البعض فهمها، أما أنت أيها الإرهاب فتقوم على مبدأ باطل غير مشروع لا يقره قانون أو دين سماوي ومبتغياتك بشعة تهدف إلى ترهيب وترويع الآمنين في شتى بقاع الأرض بحجج واهية ليس لها أصل ولا تستند على دليل، وطريقك في تحقيق مآربك تعتمد على سفك دماء الأبرياء وإزهاق أرواحهم وتدمير مساكنهم وتشريدهم. فأنت منبوذ من الجميع ولا تحتاج لمن يتعمق فيك ليعرفك، فظاهرك وباطنك سواء وكل واحدٍ أبشع من الآخر.
أما أنا وإن حاول البعض ربطك بي، فأنا منك براء ومن درسني وعرفني حتى دون ان يتعمق بي فسيعتنقني ويؤمن بمبادئي أو على أقل تقدير سوف يجلّني ويحترمني ويتعاطف مع اتباعي.
وشتّان بيني وبينك، فالتقاء المشرق والمغرب والتصاقهما ببعض على الرغم من البون والمسافة الشاسعة بينهما أقرب من التقائنا أو تشابهنا. ولكنهم أولئك الذين يحاولون صرف الناس، وإبعادهم عني بتلك الطرق والوسائل، فيصرفون الأموال الطائلة في سبيل ذلك، لكن الله سوف يذلهم ويخذلهم ويخزيهم وستكون أموالهم عليهم حسرة وسيغلبون والله غالب على أمره ومتم نوره ولو كره الكافرون. وقد قال سبحانه بشأن أولئك المضللين: {إنَّ الذٌينّ كّفّرٍوا يٍنفٌقٍونّ أّمًوّالّهٍمً لٌيّصٍدٍَوا عّن سّبٌيلٌ اللَّهٌ فّسّيٍنفٌقٍونّهّا ثٍمَّ تّكٍونٍ عّلّيًهٌمً حّسًرّةْ ثٍمَّ يٍغًلّبٍونّ والَّذٌينّ كّفّرٍوا إلّى" جّهّنَّمّ يٍحًشّرٍونّ}.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved