Saturday 10th January,200411426العددالسبت 18 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شفافية الشعور شفافية الشعور
علي بن شايع النفيسة/ مدير التوجيه والتوعية بوزارة الداخلية

المثالية والإيثار والتضحية عبارات ذات مضامين جميلة تنبئ عن دوافع ذاتية ذات تأثير إيجابي على سلوك الانسان دون انتظار المقابل أو المصلحة المتبادلة، لكن الدافع الحقيقي لها هو التربية الإيمانية الناتجة عن العقيدة الراسخة ذات الهمة العالية التي لا يدرك حقيقتها وقوة تأثيرها إلا من قذف الله في قلبه إيماناً صادقاً تذوق معه ما عبَّر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بعبارة (حلاوة الإيمان) التي يجدها ويتذوق طعمها من توفرت فيه ثلاثة شروط الأول: ان يكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما، والثاني: أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، والثالث: ان يكره أن يرجع الى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره ان يقذف في النار، كما جاء بذلك نص الحديث المتفق عليه.
هذه المعاني النبيلة توفرت في المجتمع النبوي متمثلة في مجموعة حوادث تعكس ما تكنه تلك النفوس الزكية من إيمان ومثالية، فمثلاً في حادثة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة وأثناء اختباء النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه في الغار كانت هناك فتحة في الغار خشي أبو بكر ان تكون سبباً لإيذاء النبي عبر ما قد يخرج منها من هوام فوضع رجله عليها مغلقاً لها وكان النبي صلى الله عليه وسلم نائماً على فخذه، فجاءت حشرة فلدغت رجل أبا بكر من الفتحة فتحمل الألم وكان شديداً الى درجة أن دمعت عينه من شدة الألم ولم يتحرك مخافة أن ينغص على النبي صلى الله عليه وسلم نومته الهنيئة إلا أن دمعته سقطت على الوجه الشريف فاستيقظ وعلم بما حدث من كمال التضحية والإيثار الدالين على المحبة المتبادلة.
وقصة الصحابي الجليل الذي نزلت فيه آية من القرآن تمتدح صنيعه بإيثار ضيفه على نفسه وعياله، دليل آخر على سمو تلك النفوس وقوة إيمانها.
وصورة أخرى لا تقل عن سابقتها في مدلولها الإيماني تتمثَّل في تدافع الصحابة الجرحى في إحدى الغزوات للماء ليشرب صاحبه قبله فيموتون جميعاً وهم لم يشربوا الماء نسأل الله ان يسقينا وإياهم من الكوثر.
ومن القصص الرائعة في هذا المجال تقاسم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع خادمه للركوب على الدابة وهما في طريقهما لتسلّم بيت المقدس حيث وصلا الى مستقبليهما من أعيان بيت المقدس والخادم راكب على الدابة وأمير المؤمنين يمشي على رجليه لأن الدور كان للخادم ورفض عمر رضي الله عنه أن يتنازل الخادم عن حقه في الركوب مما يدل على كمال التواضع والمثالية والانصاف التي هي نتاج لحقيقة أسرار هذا الدين العظيم.
وقصة صاحب ابن عمر الذي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وهي قصة مشهورة تبيَّن من خلالها أن سبب دخول الرجل الجنة ليس كثرة صلاة ولا صيام ولكن السبب أنه لا يبيت وفي قلبه على أحد ضغينة ولا حقد ولا حسد، بل يسامح الجميع قبل ان ينام وذلك يعجز عنه الكثير كما أعلن ذلك ابن عمر رضي الله عنهما.
والمعلم لهم الراسم منهجهم في التضحية والإيثار والمثالية هو محمد بن عبدالله رسول الله الذي كان خلقه القرآن، فقد رآه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والاعرابي يشده من بردته الغليظة حتى أثرت في عاتقه وجرحته وهو يقول له يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك ليس مالك ولا مال أبيك، فتكون ردة فعل النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الفظاظة والغلظة التي لا تتناسب مع مقام النبي الكريم ان يبتسم ويأمر له بشيء مما طلب، بل يكف الصحابة عن معاتبته أو محاولة معاقبته.
كما ان معلمهم صلى الله عليه وسلم قد رأوه وهو تكسر رباعيته.. إحدى أسنانه في معركة أحد ويسيل الدم من فيه، وهو يدعو لقومه بأن يغفر الله لهم لأنهم لا يعلمون رغم ما فعلوا به من إساءة. ولما طلب منه بعض الصحابة الدعاء على ثقيف وهم من فعلوا به ما فعلوا من تسليط سفهائهم وأطفالهم عليه فرموه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه صلى الله عليه وسلم فرفض الدعاء عليهم، بل دعا لهم بأن يهديهم الله ويأتي بهم مسلمين.
ان هذا القصص والمثاليات تكاد تكون في هذا المجتمع المادي المتسم بعض افراده بالأنانية المطلقة والنفعية المعلنة، نوعاً من نسج الخيال، ولا يلامون فكل إناء بما فيه ينضح.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved