يقول الدكتور «جونغ ووك لي» المدير العام الحالي لمنظمة الصحة العالمية إن مشكلة الدول النامية فيما يتعلق بالشأن الصحي تتمثل تركيزها على الشق العلاجي، الذي أطلق عليه مسمى الجانب «الترميمي» في وقت يغيب فيه الاهتمام بالجانب المانع للوصول إلى الحاجة للترميم ممثلاً في معطيات التنوير الصحي.
وعندما أقرت منظمة الصحة العالمية في اجتماعها التاريخي الذي عقد في مدينة ألما آتا Alma Ata بالاتحاد السوفيتي السابق في عام 1978م الأخذ بمفاهيم الرعاية الصحية الأولية primary Health care لتحقيق هدف الصحة للجميع، حددت ثمانية عناصر أساسية للرعاية الصحية الأولية، ووضعت (التوعية الصحية) في مقدمة هذه العناصر تجسيداً لأهميتها الكبيرة في تحقيق أهداف توفير الصحة للجميع Health For All .
وفي ذات السياق عندما قال معالي وزير الصحة الدكتور حمد المانع إن: (الصحة ووزيرها فاشلون في حال تركيزها على الجانب العلاجي دون الوقائي)، فإنه يعكس بذلك إدراكاً واعياً لمفاهيم التنمية الصحية بمنطلقاتها المقررة دولياً والهامة واقعياً.
وليس من الغلو القول بأن وزارات الصحة في الدول النامية فيما لو خصصت 5% فقط من ميزانيتها على تحقيق أهداف مد مظلة الوعي الصحي في مجتمعاتها، لربما استطاعت تحقيق معدلات مرتفعة في وضعها الصحي.
بل لست أبالغ في القول بأن إنفاق نحو 5% من ميزانيات وزارات الصحة في الدول النامية على نشر الثقافة الصحية لربما من شأنه أن يؤدي إلى خفض الإنفاق الصحي بما يقارب 20% من حجم الإنفاق الصحي.
ولقد أكدت الدراسات أن العلاج يلتهم نحو 85% من ميزانية الخدمات الصحية في معظم الدول النامية، ولذلك فإن التوعية الصحية تعد وسيلة فعَّالة لترشيد الإنفاق واحتواء التكاليف، لا سيما في ظل اختلال التوازن بين إيرادات وتكاليف الخدمات الصحية، حيث تتزايد تكاليف إنتاج الخدمات الصحية وتتناقص الإيرادات اللازمة لتمويل تقديمها.
إن الأنماط الغذائية السائدة في مجتمعنا السعودي تعكس انحساراً في مستوى الوعي الصحي بما تقود إليه من تداعيات على صحة أفراد المجتمع، وتجسد الحاجة الملحة إلى تكثيف جهود التوعية الصحية ليس فقط من قبل وزارة الصحة، بل من قبل كافة القطاعات الصحية والمعنية غير الصحية في مجتمعنا.
فعندما تبلغ نسبة انتشار (السمنة) في المجتمع السعودي نحو 50% وتبلغ نسبة انتشار مرض السكر 20% ونسبة انتشار مرض ارتفاع ضغط الدم 12%، وعندما تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن الأمراض المزمنة تتسبب في ما يقارب 70% من الوفيات، فإن ذلك يدل على وجود خلل في مستوى الوعي الصحي بالمجتمع.
وفي الوقت الذي تتسع فيه دائرة الإدراك بأهمية التوعية والتثقيف الصحي باعتبارها حجر الزاوية في إحداث التغيير الإيجابي لسلوك الأفراد والمجتمعات، إلا أن انتقال هذا الإدراك إلى واقع ممارس بمفاهيم شمولية ظل محدوداً، ذلك أن التثقيف الصحي المنشود لا يقتصر على تقديم المعلومة، وإنما يمتد مستهدفاً تغيير السلوك Behavior والاتجاه Attitude، وهو أمر قد لا يكون يسيرا ولكن السعي لتحقيقه يظل أمراً حيوياً ومحورياً.
إن التثقيف الصحي الذي نحتاج له هو ذلك الذي يستهدف تطوير السلوك الاجتماعي وتصحيح المفاهيم الخاطئة السائدة.
فالوعي الصحي هو «السياج» الذي يقي الإنسان من مغبة الوقوع في غياهب المرض، حتى لا يضطر إلى «ترميم» الصحة من خلال العلاج.
وفي هذا الإطار لا بد من التنويه بالقرار الذي أصدره معالي وزير الصحة الدكتور حمد المانع مؤخراً والمتمثل في ضم التوعية الصحية إلى إدارة الإعلام الصحي بالوزارة، ذلك أن مهام نشر الوعي الصحي علمياً وعملياً ينبغي أن تكون مهام الإعلام الصحي، وبدون ذلك يبقى الإعلام مجرد إعلام دون أن يكون صحياً.
آملاً أن يسهم ذلك الإجراء التنظيمي المطلوب في تفعيل دور الوزارة في نشر مظلة الوعي الصحي في مجتمعنا العزيز، فهو خطوة جيدة على الطريق الصحيح.
وفي نفس الوقت أزعم أننا بحاجة ماسة إلى وضع وتنفيذ إستراتيجية وطنية للتثقيف الصحي مبنية على أسس علمية مدروسة تستنفر في سبيل تحقيقها كافة قطاعات المجتمع.
|