ولست معلقاً على هذا المقطع وما قبله إلا على كلمات، وهذا لا يعني أن القصيدة ليس فيها ما يستحق الالتفات، غير أني أريد أن أترك للقارئ مساحة تأمل.. والدكتور الخطراوي لم يجمد عند الرؤى القديمة الصفة، سواء في الدراسات الأدبية أو نظم الشعر، لأنه أدرك بحسه، أن التوقف عند حد معين من الرؤى جمود، والحياة دائمة التغير بما يشبه الانبهار، ذلك، فالكاتب الناقد الشاعر المجيد، دائم السبح في عالم الفكر القديم والمتجدد، فهو يقرأ ويتأثر ويجدد مع المجددين، ويغوص في الأخيلة والبحث اللغوي، حتى يصبح حداثياً إلى حد كبير، وهو لا يميل إلى التردد في التوجه نحو الجديد، لأنه لو بقي فيما يشبه الجمود، لما تفاعل مع الحياة المتجددة من حوله.!
* حين نقرأ قوله في المقطع الأول أو الصفحة الأولى من القصيدة: كانت الضحكة فجراً لازوردي الضياء، نشهد صورة بريشة فنان ملهم ذي بصيرة، يقف في ساحة عريضة أو على مئذنة أو قمة جبل، يتأمل الفجر الضحوك كما يصوره شاعر تونس أبوالقاسم الشابي، لكن الشاعر الخطراوي، ينقل إلى قارئه تلك الألوان البهية التي تصاحب الفجر الجميل، جلّ الصانع.! وأرى في المقطع الثاني، من الصفحة الثانية، أن الشاعر يحلم في حالاته كلها: في النوم، الصحو، وفي الحلم يحلم، إنه حلم الصبا والقوة والإرادة والبهجة والحب، والشيخ يحلم، ويصبو ويتصابى بعضهم، غير أن الحالات تختلف في الحلم ونضارته، إن صح هذا التعبير.!
* وفي مبالغات الشعراء، وصديقي الخطراوي منهم، فيقول: يتحدى قبضة الموت، ذلك هو ديدن قوة الشباب، وشباب القوة في الخيال، بعيداً عما نسميه الواقع، الذي لا تستطيع قوة تحدي «قبضة الموت»، حتى ملك الموت، نراه بآخرة يقبض روحه بأمر من يقول للشيء: «كن فيكون»، ثم يردد سبحانه: لمن الملك اليوم؟ ولا من مجيب إلا الواحد القهار، لأن كل شيء هالك إلا وجهه سبحانه وتعالى.!
* ويختفي الحلم، وربما بقي الأمل مع الإنسان، الذي يتصنع الحلم أو يراوده، لأن له خيالاً، لا أقول جامحاً، ولكنه باق يرفرف حوله كطائر يُحلق أو يتنطط من لينة إلى أخرى، وهكذا الإنسان في آماله وأحلامه، وهو إذا فقد الأمل انتهت حياته ونبضه المتجدد، وإن ظل حياً، ذلك أن الأمل حياة، والحلم اللا زوردي سعادة على نحو ما.! ويضيع الحلم أو قل يتلاشى ويخفت، والشيب عندي لا يقضي على الحلم عند الإنسان المجنح.. والهم في الحياة باق مع الإنسان منذ الولادة، والتغلب عليه يحتاج إلى إرادة وطموح وتحد للمثبطات، وها هو الشاعر يقول في الورقة الثالثة: «واحتمي يومي بأمسي». إذاً تجدد الحلم ولاح من جديد.. وبقية المتغيرات في وجه الإنسان وملامحه، شيء طبعي.! قال الحق: {اللَّهٍ الذٌي خّلّقّكٍم مٌَن ضّعًفُ ثٍمَّ جّعّلّ مٌنً بّعًدٌ ضّعًفُ قٍوَّةْ ثٍمَّ جّعّلّ مٌنً بّعًدٌ قٍوَّةُ ضّعًفْا وّشّيًبّةْ}، سورة الروم آية «54».
* الناس يصحون في المشيب، حين يفقدون شيئاً من صلاحياتهم ، ويرددون مع الشاعر: ألا ليت الشباب يعود يوماً».! إنها أحلام أشبه بأحلام شهرزاد.! وأجد عند شاعرنا لغة خاصة، اختص بها الشعراء الملهمون الابتداعيون، منها: ايجاد علاقات بين أشياء كثيرة، وهذه حال يؤديها التخييل، لكسر السائد، كما نقرأ: «لا تسقني ماء الملام» كما قال أبوتمام، وهو توظيف صور ومعانٍ وتخييل، وهي استعارات يتسع فيها الكلام.! والأصالة في الأدب بعامة، نجدها في القديم، كما نجدها في الحديث، ومن معاني الأصالة القدم والإبداع.!
* ولن أستطيع أن أمد لنفسي أكثر مساحة، مع قصيدة أخي الخطراوي، رغم أنها تستحق المزيد من الوقوف مع نبضاتها ومعطياتها، لكن مساحة زاوية في جريدة سيارة، لا تحتمل طول الوقوف، لذلك فإني أتوقف عن الحديث، بعد الإشارة التي استوقفتني فيها كلمات في مقطع من هذه القصيدة المتجلية، بعد التجاوز عن كلمات، ربما رأيتها قلقة، لكن الشاعر ساقها، وقد يكون للعجلة والقلق دورهما، وأذكر ان الأستاذ العميد قال: إن أخطر شيء على الأدب السرعة»، قال شاعرنا الخطراوي:
وتساءلت، تساءلت، سألت
ما الذي يوردني حتفي..!؟
ويلقيني وحيدا في الزحام..!؟
كعبارات بليدة
ناضلت عبر جريدة
ثم ماتت في الزحام.. |
* ومادامت عبارات بليدة ، فلا قيمة لنضالها، لأنه مشلول قاصر ضعيف هيّن، فلا دور له في النضال ولا في الزحام، وإنما مكانه في الزوايا المهملة.! والشاعر يورد هذه المعاني، لا أقول إن مردها يأس، وإنما الضعف والمتغيرات الحياتية وهي أمور مسلم بها، غير أن حساسية الشاعر والأديب عالية.. ولكني أقول وأردد قول الحق: {أّلا بٌذٌكًرٌ اللَّهٌ تّطًمّئٌنٍَ القٍلٍوبٍ}.!
|