Saturday 10th January,200411426العددالسبت 18 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا من أين أتينا
ثقافة التندُّر.. النيل من الآخر
د. عبدالله بن ناصر الحمود(*)

ثقافة التمايز والاختلاف بين الناس ثقافة مجيدة أصيلة. والتسليم بأن الناس أصناف مطلب حضاري مهم، تزداد أهميته كلما ازدادت المجتمعات الإنسانية تطوراً وتعقيداً في مفاهيمها وعلاقاتها المجتمعية والثقافية.
ومع التطور الهائل في وسائل الاتصال الإنساني الدولي تصبح ثقافة الاختلاف والتمايز أمراً واقعاً ينبغي التسليم به والعمل على أساسه. ثقافة القرية لم تعد صالحة للعيش في المجتمع الحديث. وبساطة القروي ومحدودية اهتماماته لم تعد ذات قيمة على خارطة المجتمع الإنساني المعاصر المليء بالمركبات التقنية فائقة القدرة والدقة.
ومن ويلات العصر الحاضر ونكباته على من يعيشون فيه، أن الإنسان يتغير ببطء شديد جداً، في حين يتغير الواقع من حوله بسرعة فائقة. وفي هذه البيئة المتضاربة، قلّ عدد الذين ينعمون بالفهم الحصيف لطبيعة التغير التقني وانعكاساته على ما استقر لدى الناس من مفاهيم في علاقاتهم الشخصية أو المؤسسية. ومن البديهي أن يؤدي ذلك إلى اختلال في طبيعة النظرة للناس، بعضهم لبعض.
والمراجعة المتأنية لواقع مجتمعنا السعودي خلال العقود القليلة المنتهية تشير إلى أن التحولات التنموية العملاقة التي حدثت قد ألقت بثقلها على واقع الناس فتشكلت ثقافة أرهقتها التقنية والتحولات المتسارعة، وزاد من إرهاقها مناخ فكري وحدوي يسير باتجاه منفرد غالباً. فمَن ليس مع فهو بالضرورة ضد. وفقد المجتمع نعمة الاختلاف، أو هو فقد نعمة التمتع بالاختلاف والانشراح الرأسي والأفقي في نظرته وتصوره وفهمه للأشياء من حوله. وبذلك ظهرت ثقافة مناوئة للتمايز والتغاير. وتشكلت تلك الثقافة من عدة مركبات لا تكتفي بنفي الآخر ورفضه بل تصير إلى التندُّر به والنيل منه بعدة صور أبلغها الغيبة والنميمة، وأدناها إعلان المخالفة وعدم الموافقة. واحتارت كيانات مجتمعية كثيرة في التعامل مع هذه الثقافة التي لا تتحاور ولا تتنازل ولا تقبل الاختلاف، وظهرت بذلك (شللية) تقاربت في وحدويتها، وراحت تتندّر بمَن خالفها وترفضه.
ووسط هذه البيئة اختلت موازين كثيرة للتفاعل الاجتماعي، وتكوّنت بيئة مواتية لاختراق المجتمع عبر بوابة الاختلاف المرفوض. وستبقى هذه البوابة مشرعة حتى يأنس الناس ببعضهم، وحتى يعلموا أن نعمة العقل البشري تقضي بأن يكون الناس مختلفين. شللية الاستراحات، والمخيمات، والمقاهي، والمجالس، مظهر اجتماعي يمكن قبوله ضرورة واقعة للتفاعل المجتمعي، لكنها تجمعات يجب أن تخلو من النيل من الآخر ومن التندُّر به، وأن تُعمر بالخير والقبول والانفتاح على ما لدى الآخرين من قول أو فعل.
قد نختلف مع بعضنا في أصول وفروع، ولكن يجب أن يؤسس اختلافنا هذا على سعي جاد للبحث عن الحقيقة، تلك الحقيقة المجردة التي ليس لأحد الحق في احتكارها أو الوصاية عليها.

(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved