Saturday 10th January,200411426العددالسبت 18 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المخيط وشق السماء.. الكوميديا والفرجة.. والفانتازيا المخيط وشق السماء.. الكوميديا والفرجة.. والفانتازيا

قدمت الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون - فرع حائل عرضا مسرحيا متقدما تمثل في المسرحية الخيالية الكوميدية: «المخيط وشق السماء» على خشبة مسرح الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز يوم الخميس الموافق 27/10/1424هـ، وقد قام باخراجها الأستاذ هشام ربيع معوض باشراف رئيس لجنة المسرح الأستاذ سعود سالم المحيفز. وقد قام بالتمثيل عدد من طلاب المدارس منهم: محمد مطني ومحمد عوصر وصالح عوض وشاهر فرج وجمال عواد وتركي المطيري وسلامة فرج وراني الزيتاتي ومحمد أمين وأسامة أمين وعبدالرحمن عوض، وقد حضر هذه المسرحية جمهور غفير من مختلف الفئات العمرية والثقافية، وهي مسرحية ذات رسالة تربوية أخلاقية قدمت في قالب كوميدي واقعي وخيالي.
وقد حاولت أن أقرأ هذه المسرحية نصاً أولاً ثم من خلال الأداء والعرض، وفيما يلي محاولة للولوج الى رحاب هذا العمل المسرحي:
ليس من شك في ان العرض المسرحي يختلف عن النص المسرحي، وذلك ان النص «على الورق» مقيد يقرؤه المتلقي الفرد فيستمتع به وحده في لحظة القراءة، أما العرض فهو حياة قيد الفعل والممارسة تفيض دينامية تدب في شرايين الحركة والقول والانفعال، لهذا فإن العرض يحفل بالتفاعل الحي بين الممثلين على خشبة المسرح وبينهم وبين جمهور المتلقين، وقد شبّه بعض النقاد النص بالتخطيط للمعركة على الورق والعرض بخوضها حقيقة في ميدان القتال، فالنص - كما يقول - سعد أردش أحد أهم المسرحيين المعاصرين تركيبة لغوية تكشف عن الابداع الدرامي للكاتب، ويظل في اطار نظري مفترض ما دام لم يفرض، أما إذا عرض فإنه يتحول الى حياة دافئة يشارك فيها جمهور المتلقين، ويكون للمخرج دور مهم لأنه يقدم النص من وجهة نظره ويبدأ مألوفاً في كثير من بلدان العالم تقديم عدد من العروض للنص الواحد لعدة مخرجين ولعدد من الممثلين للدور الواحد، ومن المعروف ان هناك نوعين من المخرجين: البعض يعرف بالمخرج المنفذ الذي يقتصر دوره على تنفيذ تعليمات المؤلف وذلك دون ان يستثمر طاقاته الابداعية، وهناك المخرج «المفسّر» وهو المخرج الذي ينفذ قراءته الخاصة للنص، وهنا لابد من الاشارة الى المخرج المؤلف والمخرج المُعِد، حيث يضع بعض المؤلفين خطة الاخراج مفصلة لنص مهم مثل بيبر براندللو وآرثر ملر، وعندما يخرج النص ينفذ خطته الخاصة؛ أما المخرج المعد فهو مخرج مؤلف أيضا، ولكن يستمد نصه من نص آخر لمؤلف آخر فيعيد صياغته وتشكيله، وربما يستوحيه من التاريخ أو الأسطورة أو مسرحية لمؤلف آخر، فالمخرج مبدع ثان بعد المؤلف لا يقدم أفكارا جديدة ولكنه يكتشفها في النص الذي يخرجه.
من هنا كان للمخرج في مسرحية المخيط وشق السما دور في تشكيل النص واستنطاقه، وعلى الرغم من ان المسرحية ذات أهداف تربوية واضحة غير أن أسلوب عرضها وتقديمها للجمهور خرج بها عن ذلك الاطار الوعظي التقريري الجاف الذي ألفناه في كثير من العروض التي تقدم للتلاميذ والأطفال.
وإذا كان من المعروف ان نقد المسرحية يبدأ بقراءة النص قراءة نقدية جمالية أولاً تتمثل في استكشاف أسلوب بنائها ومدى ترابط مشاهدها وفصولها وخط الصراع فيها، ومدى يقظة المؤلف في امساكه بخيوط النسيج الدرامي الذي يكفل شد انتباه المتلقين والتمركز حول ما يعرف ببؤرة الاستثارة القادرة على الاشعاع المستمر فإننا نتجاوز قليلا عن بعض هذه السمات الفنية لصالح النص ولأسباب تتعلق بالشريحة المستهدفة لهذا النص ممثلة في التلاميذ من طلاب المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، ولأنها تحمل رسالة تربوية واضحة، ولكن هذا لا يمنعنا من القول إن مركز الاستثارة - كما يسميه الناقد المسرحي والأدبي الشهير محمد مندور - اتضح في أكثر من مستوى في الدلالة، وإن كانت هذه المستويات متقاربة الى حد ما، أما البناء فيتشكل وفقاً لخط درامي بسيط يتمثل في الصراع بين الطفل «الكذّاب» حمود الذي يفجّر أكثر من مشكلة تؤدي الى أكثر من صدام يحمل طابعاً ميلو درامياً أحياناً إذ يؤدي الى اشتباك بين والده والشايب ثم بين والده وخاله في شجارات تصل الى حد الاعتداء بالضرب، فهو شخصية متمردة شقية غير متوافقة مع محيطها الاجتماعي عصية على الترويض أسيرة طبع مركوز يعاني منه كثير من الأسر، فهو يمثل اشكالية حقيقية جعل منها المؤلف القضية الأساسية في المسرحية، ووجود مثل هذه العقدة بعد ايجابي في هذا النص المسرحي البسيط ساعد المخرج على تجسيده على خشبة المسرح.
أما مرجعيات النص ومصادره فهي قريبة المتناول، وهذا أمر مألوف في مثل هذا النوع من المسرحيات، فليس من شك ان الحكاية الشعبية وقصص الحيوان والمشاهد اليومية هي الينابيع الرئيسية للنص، وكثير من المسرحيات العالمية المعروفة مستمدة من بضعة أسطر ذكرها بعض المؤرخين كما نلاحظ لدى شكسبير في «هاملت» على سبيل المثال، وفي مسرح الأطفال تبدو مسألة استلهام النصوص الشعبية أمراً مطلوبا، وفي هذه المسرحية فإن قصة الراعي الذي استنجد بالناس مستصرخاً إياهم مرتين من أجل انقاذه من الذئب وفي المرة الثالثة ازورّوا عنه تعتبر ركيزة أساسية في المسرحية، ولكن المؤلف طورها وسلكها في خط الصراع الرئيس، وعلى الرغم من الاطالة في بعض مقاطع الحوار وتكرار بعض المعاني فإن النزعة الساخرة التي تعتمد على المفارقة اللغوية في الدرجة الأولى ثم الخروج على النص في بعض الأحيان أضفت عنصر التشويق الذي جذب الجمهور من الناشئة والأطفال وحتى الكبار. وكان لاستخدام اللهجة العامية دور في تغذية التفاعل بين المتلقين والنص. ومعروف ان اللهجة المحلية تلائم المسرحيات الكوميدية، فالمهم هو الموقف ومناسبة اللغة التي تكشف جوهره لهذا الموقف، وربما أخذ على النص مساواته بين لغة الممثلين في الأدوار الآدمية ولغة زملائهم من الذين تقمصوا أدوار الحيوانات كالأغنام والذئب والأسد وما الى ذلك، إذ كان لابد من ايجاد مسافة ما تميز بين اللغتين ولو في الأداء وليس في التشكيل، وربما كان هذا دور المخرج وسأعرض لهذه المسألة في حينها، وهذا ما سيقودنا الى الحديث عن اخراج الرواية، ونقد الاخراج لابد أن يتكئ على ما سبق أن أشرنا اليه سابقاً عن النص والعرض، فمهمة المخرج تكوين رؤية خاصة به باعادة قراءة النص قراءة مفسرة ثم القدرة على اختيار الممثلين واسناد الأدوار المناسبة لهم ثم قدرة المخرج على استثمار المتاح من الوسائل المسرحية المختلفة من ضوء الى ملابس الى مناظر، وفي هذه المسرحية لاحظنا ان المخرج اعتمد على مشهد رئيس اصطنع له وسائل متعددة للايهام بواقعيته من ناحية ولاضفاء أجواء معينة، وقد أبدى براعة ملحوظة في ترتيبه المناهج للمعالم المكانية التي تبدو صعبة ا لتحقق مستخدما القماش كأداة رئيسة في رسم المشهد مع اختيار ألوان منسجمة، وكان للأضواء دور في تغيير أجواء اللوحة طبقا للايحاءات المطلوبة وكذلك الأصوات والمؤثرات الايقاعية الأخرى، وقد انفرج الستار عن مشهد جذاب وموح، ولكن المخرج أفرغ كل ما لديه في المشهد الأول بحيث ظلت اللوحة المكانية واحدة طيلة عملية العرض اللهم إلا قرب النهاية حيث غير بعض ملامح المكان عندما أتى بشجرة على شكل انسان يتحدث من جوفها الممثل، وكانت حيلة اخراجية بارعة، ولكن المكان في النص المكتوب متعدد، وكان يمكن الايحاء بهذا التعدد عبر تغيير الديكور المسرحي، ولكن يبدو ان المخرج صادف عقبات كبيرة في التغيير لأن تنفيذ المشهد الأول بديكوراته المختلفة كان الأصعب، ولذلك لم يكن من الممكن تقويض الجهد الكبير المبذول في تكوينه من أجل تغيير المشهد فجاء هذا المشهد يحمل مزيجا من ملامح الحارة الشعبية والخلاء بما يمتاز به من انفساح ومؤثرات طبيعية وكونية، وكان من الصعب على المشاهد ان يستوعب هذا التماثل بين الحارة الشعبية والخلاء والغابة والكهف، إذ بقي بيت «أبي حمود» هو ذاته الكهف في مشهد آخر، ولو ان المخرج قدم لوحة تمثل الحارة الشعبية بكل مشخصاتها المألوفة ثم أسدل الستار ليقوم المشهد الكوني الطبيعي الذي بدأ به المسرحية مستثمراً المساحة الزمنية المتاحة لاعادة ترتيب المنظر بما يناسب المكان في النص لكان أكثر اقناعاً، ولكنه نجح الى حد كبير في شد انتباه الجمهور للفعل المسرحي وعبر التشكيل الضوئي والصوتي صارفا النظر عن مسألة الديكور إلا بالقدر الذي يتيح امكانات الاستمرار في أداء الممثلين لأدوارهم.وقد استخدم أسلوب القصص المألوف في المسرحيات الكلاسيكية حيث يقوم الكورس بترديد بعض المقاطع التي يسردها الراوي والراوي - هنا - الممثل الذي نهض بعملية القص اختصاراً للمشاهد التمثيلية خصوصاً فيما دار من حوار بين «حمود» و«التيس» و«الذئب»، فهناك مجموعة من الحكايات التي رواها حمود، ولكن من خلال الحوار، وهذا ما خفف من رتابة السرد، وإن كان نقاد الاخراج المسرحي لا يرون هذه الظاهرة ضرورية، إذ لا يجوز في عُرف الكثير منهم الجمع بين المشاهدة والاستماع، وإلا كان هناك تناقض وبلبلة للمشاهدين الذين سيتأرجحون حينئذ بين الخيال اللفظي والخيال البصري، ولكنه يمكن التسامح في ذلك عندما تكون المسرحية موجهة للأطفال، والطفل بطبيعته قادر على تخيل ما يقصُّ عليه من وقائع.
إن المسرحية بينة شمولية تتوسل بكافة أدوات التعبير، لغة كلية تتداخل فيها اللغة مع غيرها من الوسائل المسرحية، وفضاؤها مركب كما تبدّى من العنوان المفارق للمسرحية «المخيط وشق السماء» ثمة عالم شعبي آدمي إنساني وآخر حيواني «فانتازي»، فالحيوانات شخصيات حية تنطق وتفكر وتحاور وتنفعل، ففضاؤها منعتق من قيود المألوف وهي - بلا ريب- تهدف الى الولوج الى رحاب عالم الطفل واسعاده وتكريس المبادئ والقيم في داخله، من هنا يشكل «الأطفال» نسبة لا بأس بها من شخصياتها، لذا فإن الجانب الاحتفالي مهم، وإن كان هذا الاحتفال مخيفاً مرعباً في بعض جوانبه لكنه يدخل في اطار ما يسمى بمسرح الفرجة، والفرجة احتفالية بطبيعتها، لقد استطاع المخرج أن يتخلص من مأزق الفضاء في المسرحية الذي يتمثل في عالم مزدوج «الانسان/ الحيوان» و«الانفتاح/ الانغلاق» و«الاتصال/ الانفصال» و«الكذب/ الصدق» و«الغدر/ الوفاء» وهذه الثنائيات تتشكل عبر فضاءات متمايزة، ولكن المخرج استطاع ان يسيطر عليها فدمج الفضاءات الداخلية المنغلقة كلها فبيت حمود هو الكهف الذي آوى إليه مع الذئب وما خلفه هو العالم غير المنظور «عالم الغابة»، كذلك فإن البئر يشكل احدى هذه الفضاءات المغلقة، والمساحات المفتوحة بين هذه الأماكن تشكل الفضاء المقابل المفتوح هكذا، ثم اختصار الحيز المكاني في المسرحية، أما الانفصال عن الأسرة والأم فقابله اتصال حمود بعالم الحيوان ورفقة الطاووس أو النسر الذي حماه من الذئب.
لقد لجأ المخرج الى توظيف الضوء بتسليطه على الشخصية في المواقف المؤثرة حين تتحدث حديثاً مهما لافتاً، أو تتصرف تصرفاً مثيراً، وهو ما نجح فيه نجاحاً واضحاً، ولم تبد الإضاءة مجانية زخرفية إلا في أحيان قليلة.
أما فيما يتعلق بالتمثيل فإن أهم شروطه، كما يوضحها نُقّاد المسرح اجادة الفهم والحركة والإلقاء، فمن خلال الفهم يستطيع الممثل ان يتقمص الشخصية ويضيف اليها ويجيب على سؤال مهم: لو كنت في مقامها على أرض الواقع ماذا أفعل؟ وهو السؤال الذي آعتد به المخرج المسرحي الواقعي الرائد «استانسلافسكي»، وأما في غير المسرح الواقعي، والمسرحية التي نحن بصددها ذات شقين واقعي وخيالي، وفيما يتعلق بالجزء الخيالي، فإن السؤال المطروح هو ما أشار اليه المخرج المسرحي الرائد النقيض للاخراج الواقعي «مايرهولد» ويتمثل في قوله الى أي مدى يمكن ان يرقى الممثل بأدائه الصوتي الى المستوى الذي يهُزّ المتلقي بحيث يكون وقعه كقطرات الماء على المعدن، إذ يريد له أن يتحول الى آلة موسيقية شديدة الصفاء والتجريد.
ففي الجزء الواقعي من المسرحية وجدنا الممثلين يرقون الى مستوى التقمص الناجح للشخصية. ففي دور حمود يتبدّى الولد الشقي بأحلى صفاته وإن كانت التهتهة التي تصدر عنه أقرب الى الافتعال، وهو الدور الذي أدّاه الطالب «محمد عوض» الذي ظل محافظا على زخم الدور طيلة المسرحية، أما دور الشايب فكان مفعماً بالحياة والصدق وبدا وكأنه ممثل كوميدي عريق في هذا النص، ويبدو أن الذي قام بهذا الدور الطالب محمد مطني الذي كان يخرج على النص أحياناً، وأما دور الخال الذي نهض به «جمال عواد» فكان موفقاً الى حد ما غير ان شيئاً من التعجّل بدا واضحاً على أدائه وفقاً لما جاء في النص وكان ينتظر أن يكون على جانب من التعقّل والتروي.
أما في الجزء الخيالي فإنه يذكرنا بما أشار اليه «مايرهولد» وربما كان المعيار الذي وضعه بصدق على أداء أصوات الذئب والأسد والغنم، وكان مشهد القطيع وهو يدخل الى ساحة المسرح جذّاباً، وكان الطالب محمد مطني والطفل عبدالرحمن عوض أثارا الاعجاب بحيويتهما وحركتهما وقدرتهما على الأداء الصوتي.
ومهما يكن من أمر فإن الجمعية العربية السعودية - فرع حائل - باشراف الأستاذ سعود سالم المحيفر، وإخراج الأستاذ هشام ربيع قد نجحت في تقديم عرض جيد لمسرحية تربوية هادفة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved