مضى أكثر من ثلث قرن من الزمن على إنشاء الرئاسة العامة لرعاية الشباب في المملكة العربية السعودية، ولاتزال هذه الرئاسة في أوج تألقها وعنفوان شبابها اللافت للنظر، والنابض بالحيوية والتوثب والثقافة والعطاء.
كان ميلادها متزامنا تقريبا مع بدء انطلاقة مسيرة التنمنية الشاملة في المملكة التي أخذت على عاتقها النهوض بهذا الوطن الغالي ومواطنيه الأوفياء في المجالات والميادين شتى.
ومع أن الرئاسة العامة لرعاية الشباب أنشئت أصلاً للاهتمام بالشباب السعودي في مجال الرياضة والتربية البدنية وإشباع الهوايات المعرفية وتنمية المواهب وإشغال أوقات الفراغ بكل ماهو مثمر ومفيد، والسعي لمواكبة الدول المتقدمة التي تولي عناية خاصة وشديدة بقطاع الشباب الرياضي فيها، إلا ان الرئاسة بعد ان حققت نجاحات باهرة ومتلاحقة على النطاق المحلي والإقليمي والدولي في حلبات المسابقات والمنافسات في مختلف الأنشطة الرياضية، اتسع طموحها ليشمل المسؤولية عن النشاط الأدبي والثقافي للشباب.
وقد حازت هذه الخطوة الجريئة على رضا القيادة الرشيدة فضاعفت البذل والدعم للرئاسة لتمكينها من تنفيذ مشروعاتها وتوجهاتها الرياضية والثقافية على أرقى المستويات.
وكان من حسن الحظ أن تولى آنذاك مسؤولية الرئاسة العامة لرعاية الشباب صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- حين انطلق بكل وعيه وبكل قوة وحماس الشباب إلى تنظيم أجهزة الرئاسة ومتابعة بناء التجهيزات الأساسية بدءاً من زيادة عدد الأندية الرياضية التي بلغت (152) ناديا رياضيا ثقافيا، ومروراً بتوفير الملاعب والاستادات الرياضية الحديثة وتجهيزها بكل ما تحتاجه من معدات وأجهزة وفرق تدريب، وانتهاء بالاشراف والتوجيه والتشجيع الذي كان من نتائجه إحراز الانتصارات الرياضية التي أذهلت المهتمين بالرياضة في جميع أنحاء العامل بصرف النظر عن بعض العثرات في هذا المجال!
وليس المجال متاحاً هنا للحديث عن منجزات القطاع الرياضي بشكل موسع، فهناك من المتخصصين في هذا الباب من هو أدرى مني به، لكنني أود الحديث عن منجزات القطاع الثقافي الذي اهتمت به الرئاسة بتوجيهات صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز وسمو نائبه صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد بن عبدالعزيز.
ان ما حققته الرئاسة العامة لرعاية الشباب في حقل الثقافة يستحق الإشادة والإعجاب، فمنذ ثلث قرن أو أكثر والرئاسة مجندة لخدمة الثقافة والمثقفين، حيث استطاعت أن تحقق الانجازات التالية:
1- إنشاء الأندية الأدبية في كثير من المدن السعودية حتى بلغت (14) نادياً أدبياً.
2- إنشاء جمعيات الثقافة والفنون حتى بلغت هذه (12) فرعا موزعة على أنحاء المملكة وكذلك نادي القصة المعني بالقصة والرواية.
3- إنشاء بيوت الشباب المزودة بمكتبات وقد بلغ عدد هذه البيوت مايزيد على عشرين بيتاً للشباب.
4- إنشاء جائزة الدولة التقديرية للأدب حيث تم تكريم كثير من الأدباء السعوديين.
5- إصدار مجلة الجيل والملاحق التي تصدر عنها.
6- اصدار مجلة التوباد.
7- وغيرهما من المطبوعات المعنية بالثقافة والتراث مع العناية بالانسان المثقف في بلادنا.
ونتيجة لهذه النشاطات والمنجزات وغيرها فقد حظيت المملكة بالتقدير فاختيرت الرياض عاصمة للثقافة في عام 2000م كما ان كثيرا من المنظمات الثقافية والمراكز الثقافية الدولية أشادت بالحركة الثقافية في المملكة، ومن هذه المنظمات التي تعبر عن الضمير الثقافي العالمي:
1- منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو).
2- المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسسكو).
3- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الأليسكو).
ولقد كان هناك سؤال أو تساؤل دائم وهو لماذا لم تتحول الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى جهة معنية بالثقافة والشباب بشكل واضح؟! علماً بأن ايجاد شيء مثل هذا بات أمراً ملحاً في ضوء ما توليه القيادة الرشيدة من عناية واهتمام بسائر القطاعات والمجالات الأدبية والثقافية والفنية وأكبر دليل على ذلك هي هذه العشرات من البرامج الثقافية والمهرجانات ولعل في مقدمتها مهرجان الجنادرية المتألق الذي أسهمت الرئاسة بأجهزتها المختلفة في تأسيسه وتنوعه واستمراره وكذلك تمثيل الرئاسة للمملكة في جميع المؤتمرات الثقافية العربية والدولية.
وفي سياق الحديث عن الثقافة والمثقفين والحركة الثقافية في المملكة ينبغي الإشارة إلى ان الجهود التي قامت بها الرئاسة العامة لرعاية الشباب، والمنجزات التي حققتها على مدى ثلث قرن ليست المحاولة الجادة الوحيدة أو التجربة الاستثنائية في دعم المسيرة الثقافية في المملكة، فقد كان الهاجس الأول لجلالة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بعد تأسيس المملكة وتوطيد الأمن والاستقرار في ربوعها هو تعليم وتثقيف أبناء شعبه، إذ سارع إلى تكوين المجمعات السكانية بما يسمى التوطين وفتح المدارس وأنشأ المعاهد العلمية، كما شرع في إرسال البعثات إلى حواضر الدول العربية لتنهل العلم في جامعاتها ومن ثم العودة إلى الوطن للمشاركة الفعالة في التنظيم والتعليم، وكان لهذه الخطوة الايجابية المبكرة أثرها البعيد في نشر العلم والثقافة والتقدم بالمجتمع إلى الأمام وحب الإمكانات المتاحة في ذلك الوقت.
ولكن النقلة الحقيقية في مجال التعليم الذي هو مقدمة ضرورية للثقافة، كانت بعد إنشاء وزارة المعارف التي كان صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبدالعزيز أول وزير لها، فعمل بجهد دائب لايعرف الملل أو الكلل في تسريع عجلة التعليم في مختلف مراحله، حيث عمت المدارس والمعاهد سائر المدن والقرى، وأصبح التعليم متاحاً ومجانياً لجميع أبناء الشعب السعودي كما الماء والهواء.
ثم كانت هناك نقلة نوعية وتاريخية في تحديث وتطوير المملكة وأبنائها حيث قررت القيادة السعودية الحكيمة البدء في تنفيذ الخطط الخمسية في المجالات العمرانية والتعليمية والصحية والاقتصادية والاجتماعية شتى، حتى أصبحت المملكة في وقت قياسي قصير في مصاف الدول الحضارية المتقدمة وأصبحت نهضتها الشاملة محل إعجاب ودهشة العالم.
وقد أسهمت الصحافة والمطابع ومراكز البحوث والأندية الأدبية والثقافية والجامعات السعودية في ايجاد حركة ثقافية نشطة، وكل ذلك كان من أهم العوامل التي ساعدت الرئاسة العامة لرعاية الشباب في تحقيق منجزاتها الثقافية والأدبية.
ومما هو جدير بالذكر ان الثقافة التراثية العربية والإسلامية ظلت القاسم المشترك الأعظم الذي استندت إليه الحركة الثقافية السعودية.
وما أكثر ما قيل أو يقال عن عملية الانتقاء الثقافي وعدم تشريع الأبواب لدخول الثقافات الوافدة والغربية منها بشكل خاص وتسربها إلى المجتمع السعودي، إلا ان تجارب الأيام أثبتت ان ذلك كان مفيداً لمجتمع محافظ كالمجتمع السعودي.
لقد كانت تلك الثقافات وبالاً على كثير من المجتمعات العربية، فقد كان الكثير من تلك الثقافات عوامل هدم وتخريب وتشويش للشخصية العربية والإسلامية لما تحتويه من تحريض على الإباحية، والقتل، والانحراف في عوالم الرذيلة والمخدرات، وقد حرصت المملكة أشد الحرص على إبقاء ثقافة المجتمع السعودي نظيفة وخالية من أخطار الثقافات والاتجاهات الهدامة التي انتشرت في النتاج الفكري والروائي والمسرحي والفني الذي يعاني منه الغرب أشد المعاناة حيث كان السبب المباشر في تفكك وسقوط كثير من المجتمعات الغربية.
إن ثقافاتنا ولله الحمد، ثقافة متزنة عاقلة تقوم على الأصالة والمعاصرة بكثير من التبصر والاعتدال، مما ساهم في خفض نسبة الجريمة والانحرافات الخطيرة في المملكة وساعد في تحقيق الأمن والاستقرار الذي تحسدنا عليه كثير من دول العالم.
وفي النهاية يأتي الحديث عن الثقافة في بلادنا كبيراً وواسعاً يطول الحديث فيه ويتشعب ولعل لنا عودة لاستكمال جميع جوانبه خاصة إذا عرفنا ان هناك أكثر من لاعب في ميدان الثقافة قد يكون من حسن حظ الثقافة الوطنية لدينا - مما يضيف لها حيوية دائمة.
|