بينما افتح عينيي ببطء شديد، أسمع همهمة اناس، ولغطا كثيرا، بعض الأصوات لأبي،وأعمامي، وأخوالي، وآخرين، لا أكاد أميز أصواتهم، ربما أبي يستقبل كعادته اخوته،وأصحابه، ضحى كل يوم في مجلسه الشعبي بفناء المنزل.
الظلام يلف ما حولي، اعتدت أن أضع ستارة سوداء على نوافذ غرفتي، لتبدو الغرفة مظلمة في النهار، فأنا كائن لا ينام إلا في النهار، ولكن هذه الظلمة التي تحيط بي، أكثر مما اعتدت عليه.
اشعر بخدر شديد في أجزاء جسمي، لا أستطيع أن أحرك حتى أطراف اصابعي، الغرفة تبدو ساخنة، أتذكر أن انقطاع الكهرباء في مدينتي حدث يومي، لا استغرب هذا الأمر، أظل مستلقيا دون حراك.
مساء البارحة مثير في أحداثه، أصبحت رسمياً شخصاً متزوجاً، حضر حفلة خطوبتي، أهلي، أصدقائي، مرتبكاً ظللت طوال الحفل، لم أعتد بعد على لبس «البشث»، ضحك صديقي عندما رآني ألبسه بطريقة مضحكة، استغللت فترة العشاء، فنهضت من مكاني مبكراً، أمام دهشة الحضور، ولم تفلح توسلات والد زوجتي في ابقائي على مائدة العشاء، فأنا لم آكل شيئاً انتظرت صديقي طويلاً، وعندما رأيته، ارتميت عليه، ألبسني «البشت» على عجل، فيما هو يضحك ببراءة.
لم توقظني والدتي صباحاً، لأشرب معها قهوة الصباح، فوالدي يفضل أن يشرب قهوته الصباحية مع اخوته، ربما ارادت متعمدة ان تبقيني نائماً أطول فترة ممكنة.
لا أشعر بعد باجزاء جسمي، سأذهب اليوم إلى الطبيب لأتأكد من وضعي الصحي، لا ازال اسمع همهمات تصل إلي، ولا استطيع ان أتحرك من مكاني.
هاتفت البارحة زوجتي، سألتني عن الحفل، ولم تكتم ضحكة خرجت من اعماقها، لحظة ان روت لي عن اخيها، كيف ان ارتباكي، ولبسي للبشت، محل تندر الاخرين بالحفل، تحدثنا طويلاً، واختلفنا بشأن تأثيث منزل الزوجية، اصرت ان تختار بنفسها، وفضلت ان اختتم المكالمة بهدوء: يصير خير ان شاء الله.
لم يحضر أخي التوأم حفلة خطوبتي، عيناي تسمرت امام مدخل المجلس، دعوت الله أن يحضر، التفت والدي، ضغط بقوة على يدي، سألني: لماذا لم يحضر اخوك؟ لم أشأ اخباره بأنه سافر مع «شلته»، وان عتابي لم يملأ قلبه إلا عناداً، تلعثمت امام ابي، لم يكن يستحق مثل هذا العقوق، قلت له بعد تردد: لا أدري! سمعته يقول: الله يستر ، الله يحفظه من كل مكروه، احسست بالحرج، وبالقهر، ونظرات ا لحاضرين تتربص بأبي: كيف لم يحضر ابنه؟!
تلفت، كل ما حولي ظلام، وبياض يحيط بجسدي النحيل، أحاول الحراك فلا استطيع، هل أنا أحلم؟.. اسمع الهمهمات تتباعد عن سمعي شيئاً فشيئاً، اصوات تحرك الاقدام تشكل رعباً، أشعر بها، اسمع بكاء أبي، ونشيج اخي التوأم، يقول بتعثر: لقد حلمت بفقدانه قبل يوم، عمي يصرخ باسمي. جارنا أبو محمد يصيح: ما يروح الا الطيب!أشاهد من آخر الظلام، نوراً يضيء المكان تدريجياً، يخرج من النور مخلوقان، ترتعد فرائصي، لم أر مثلهما ابدا، اتأمل مكاني مرة أخرى، لم تكن غرفتي، يقترب المخلوقان اكثر فأكثر، أصرخ: رحماك يا ربي.
|