Saturday 10th January,200411426العددالسبت 18 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الإعلام وأحداث مايو.. عودة إلى مسألة الحوار الإعلام وأحداث مايو.. عودة إلى مسألة الحوار
المرأة وفلسطين والهيئة والبطالة.. جسدت موضوعات الخطاب
د. علي بن شويل القرني ( * )

أظهرت الدراسة التي أجريتها عن «الخطاب الإعلامي السعودي.. تعددية الرؤية الاجتماعية» ضمن فعاليات اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري الذي نظمه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في الأسبوع قبل الماضي بمكة المكرمة جدلاً واسعا في الوسط الإعلامي.. وربما أن اختيار صحيفتي «الرياض» و«الوطن» كان دافعاً لتحفز كثير من المداخلات من داخل جلسات الحوار والكتابات والأحاديث من خارج منطقة الحوار، وفي العموم فقد ذكرت أن كثيراً من الاستنتاجات التي توصلت إليها الدراسة تأسست على عدد من البحوث والدراسات التي سبق أن أجريتها خلال السنوات الماضية، واشتملت على تحليل صحف سعودية أخرى.. وربما تم تلخيص معظمها في كتابي الذي صدر مؤخرا ويحمل عنوان «الخطاب الإعلامي: العربي والسعودي نموذجاً».
ولأهمية الملاحظات التي وردت حول موضوع الدراسة، سيكون من المفيد أن أطرح بعض أهم الاستنتاجات العامة عن هذه الدراسة:
1- من الاستنتاجات الرئيسة في هذه الدراسة أن هناك توجها عاما بين وسائل الإعلام السعودية - وبشكل خاص في الصحافة - في دعم الخطاب التجديدي في المؤسسات الاجتماعية.
وقد عكست هذه الدراسة ما نسبته 95% من توجهات عامة نحو حركة التجديد في المؤسسات والفكر والممارسة والتطبيقات. وفي نفس الاتجاه فإن خطاب الوضع القائم لم يحظ بنسبة تُذكر في مساحة الرأي في الصحافة السعودية، مما يدل على أن وسائل الإعلام ترجح وبنسبة طاغية التوجه الاجتماعي نحو التجديد والتطوير والتقدم في كافة مجالات الحياة الاجتماعية في المملكة العربية السعودية.
2- أشارت الدراسة إلى أن الخطاب الذي يغلب على اتجاهات الصحافة في المملكة العربية السعودية هو خطاب ليبرالي يميل إلى الانطلاق نحو الحرية وعدم التقيد بظروف مكانية وزمانية. وفي نفس الوقت ينبغي التأكيد على أن نفس المساحة في الرأي قد تجسدت كذلك في خطاب آخر وصفته هذه الدراسة بالخطاب الوسطي، وهو خطاب مبني على فكرة التطور وفق معادلات وثوابت وتقاليد محلية. ويمكن وصف هذا التوجه بالخطاب المحافظ المعتدل. ويمكن إجمالاً التأكيد على أن وسائل الإعلام السعودية في العموم يتنازعها خطابان رئيسان، هما: الخطاب الليبرالي والخطاب المحافظ بدرجات متقاربة في المساحة والإبراز.
3- أوضحت الدراسة أن وسائل الإعلام المطبوع المتمثل في الصحافة لا تزال تعيش في كنف المؤسسات السياسية، وهذا ينعكس بشكل مباشر في كون المرجعيات التي تحيل هذه المضامين في الصحافة السعودية عادة ما تكون في اتجاه المؤسسة السياسية في الدولة. وهذا يمكن فهمه في سياق أن عمليات التغيير والتطور التي تنادي بها وسائل الإعلام تحال على شكل رؤى وتوصيات وأفكار واقتراحات موجهة إلى المؤسسة السياسية. حيث إن المجتمع السعودي الذي يمثل مجتمعاً تنموياً ناشئاً يعتمد كثيراً على وصاية المؤسسة السياسية على مختلف أوجه الحياة وأنماط التفكير الاجتماعي. ولهذا لم يكن غريباً أن تكون هذه الإحالات إلى هذه المؤسسة، رغم وجود مؤسسات مجتمعية أخرى يمكن أن تكون موئلاً لمثل هذه الإحالات المرجعية.
4- جسدت الصحافة السعودية نموذجاً جديداً في مفهوم الصحافة النقدية، حيث توصلت هذه الدراسة إلى نتيجة مؤداها أن معظم مساحات الرأي مثَّلت توجها نقدياً عاما في الصحافة، وبنسبة تقترب من الـ70%.
وهذه نتيجة مرضية جداً تأتي على عكس ما يراه البعض أن الصحافة السعودية هي صحافة دعائية بالدرجة الأولى. وإذا نظرنا بعين المقارنة بين وسائل الإعلام المطبوع الذي يعد إعلاما خاصا، ووسائل الإعلام المرئي والمسموع الذي يعد إعلاما رسميا، ستختلف النتيجة، حيث إن الاتجاه العام في الإعلام الرسمي هو الجانب الدعائي، أكثر منه في الجانب النقدي أو الحيادي.
5- فيما يتعلق بالمقارنات بين التغطيات المقالية قبل أحداث مايو «تفجيرات الرياض» وبعد أحداث مايو، لاحظت الدراسة نموا متزايداً في الإحالات المرجعية نحو المؤسسات الدينية بعد أحداث مايو مقارنة بما قبلها. وعلى الرغم من كون هذه الإحالات محدودة في مجملها، إلا أنها تعد مؤشرا مهما في هذا الخصوص.
6- لم تشر نتائج الدراسة إلى اختلاف يذكر بين الفترتين المشار إليهما بخصوص الخطاب التجديدي وخطاب الوضع القائم. فقد ظلت الأمور كما هي عليه خلال فترتي الدراسة التي امتدت خلال الثلاث سنوات الماضية، أي منذ شهر سبتمبر عام 2000م.
7- فيما يتعلق بأنواع الخطاب، أشارت الدراسة إلى أن الخطابين الليبرالي والوسطي ظلا مسيطرين على الخطاب الإعلامي قبل وبعد أحداث مايو، إلا أن هناك فروقات بسيطة، حيث شهد الخطاب الليبرالي زيادة بنسبة ثلاثة في المائة في فترة ما بعد الأحداث مقارنة بما كان عليه قبل هذه الأحداث. وأشارت النتائج إلى ظهور محدود للخطاب المتطرف ولكن لم تصل في أفضل الأحوال إلى اثنين في المائة من مجمل التكرار الخطابي في عينة الدراسة على الصحافة السعودية.
كما شهد الخطاب الوسطي انخفاضاً بنسبة خمسة في المائة بعد أحداث مايو. ولا تستطيع هذه الدراسة التأكيد من خلال هذه الأرقام البسيطة على أن الخطاب الوسطي في تراجع بينما الخطاب الليبرالي في ازدياد.
8- من الملاحظ أن الحالة النقدية التي يمكن استنتاجها من نتائج الدراسة الحالية بخصوص المقارنات الزمنية تشير إلى أن زيادة ملحوظة في إجمالي المقالات النقدية بعد أحداث مايو، ولكن الملفت للنظر في ضوء هذه النتيجة أن النقد الموجه إلى شخصيات قد تضاعف تقريباً بعد الأحداث وكذلك زادت تكرارات النقد المؤسسي، بينما انخفضت تكرارات النقد الموجه إلى الدول بعد أحداث مايو.
9- ومن أهم النتائج التي أشارت إليها تحليلات مضمون الرأي في الصحافة السعودية أن مجمل الرأي المحلي قد انخفض بنسبة حادة من أكثر من خمسين في المائة إلى حوالي 22% بعد أحداث مايو.
وشهدت الدراسة في المقابل زيادة في نسبة التغطيات المقالية في المجالات الخارجية سواء عربياً أو إسلامياً أو دوليا. وهذه نتيجة مهمة قد نستدل منها على أن أفضل طريقة للخروج من حساسية الوضع الداخلي قد يكون هو الهروب إلى الخارج. وقد يعكس هذا انحساراً في هامش حرية التعاطي مع الحدث المحلي، مما يؤدي إلى تناول الأحداث الخارجية.
10- ربما يعد تاريخ أحداث مايو حدثا فارقاً بين نوعين من التغطيات الإعلامية بخصوص القضايا الداخلية، فقد تضاعف الاهتمام بقضايا المرأة ثلاث مرات بعد أحداث مايو، وتضاعفت كذلك نسبة الاهتمام بموضوعات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك موضوع البطالة.. وفي المقابل انخفضت نسبة الاهتمام بالمشاكل الخدمية والتنموية إلى حوالي ثلث حجم الاهتمام بهذه الموضوعات قبل أحداث مايو.. أما بخصوص القضايا الخارجية، فقد انخفضت تكرارات الرأي في قضايا 11 سبتمبر وما تلاها من حرب أفغانستان من 25% إلى عشرة في المائة، وانخفضت التغطيات المقالية لحرب العراق من 18% إلى خمسة في المائة، بينما ارتفعت نسبة التناول المقالي لأحداث فلسطين من 57% إلى 85%، مما يعكس بكل تأكيد اهتماما ثابتا في الإعلام السعودي بالقضية الفلسطينية.

( * ) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال أستاذ الإعلام المساعد بجامعة الملك سعود


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved