من أفضل أساليب الوعظ الأسلوب القصصي، القائم على القصة الصحيحة من الكتاب والسنة النبوية، وهذا الأسلوب طريقة قرآنية، ومسلك نبوي، والمتتبع لنصوص الوحيين يجد هذا ظاهراً.
النفس البشرية مجبولة على محبة القصص، والميل إليها، وربطها بالواقع المعايش، وهي أكثر تأثيراً من غيرها من الأساليب في الغالب، ولذلك تجد بمجرد سردها تقبل الأسماع إليها، وتنشط النفوس معها، وتتأثر بمضامينها تأثراً عظيماً، فالنفوس مولعة بمتابعة القصة، لاسيما جنس العامة، وقد يكون من السهل سرد القصة وحكايتها، ولكن شتان بين من يسوق القصة لايزيد طنينها عن أن يعبر الأسماع كسحابة صيف، ولا يمكن ان تحرك في المستمع شيئاً، وبين من يسوق القصة نفسها، ولكنه يجعلها نابضة بالروح، ضاربة بأعماق المستمع، محركة له قسراً بالتفاعل معها، يربط فيها القاص من يستمع إليها بحلقات الإبداع والتشويق، وذلك من جهة استعمال نغمات الصوت خفضاً ورفعاً، ومن جهة التركيز على سبكها وربطها، وجمع شتاتها، ولملمة أجزائها ومن جهة إخفاء ما يمكن اخفاؤه من أركان القصة لتشويق المستمع، وجذبه حتى نهايتها.
فمهمة الواعظ سلوك هذا الأسلوب حسب الحاجة، ويجب عليه أن يُحسن التعامل مع القصة، وذلك باعتماد الصحيح، وترك المكذوب ويلزمه أيضاً أشياء، من ذلك: معرفة الناسخ منها والمنسوخ، ومعرفة سبب ورود القصة، فقد تكون القصة سبقت في قضية عين (شخصية) لا ينسحب حكمها إلى الآخرين، وليبتعد عن الغرائب والأعاجيب من القصص، وأيضاً من الفقه معرفة مدارك السامعين، ومدى استيعابهم للقصة، وليحذر أشد الحذر من ان يجعل الناس يخرجون وقد استفادوا حكماً مغلوطاً من قصته، تترتب عليه مفاسد تربو على مصلحة التحدث بها، فإن أحدنا قد تعجبه قصة ما، ثم يقدم على الحديث بها، ثم يرى بعد التدبر أنه اسقط من حساباته أشياء كان الشرع والعقل يوجبان عليه فيها التأني والتروي، وذلك خشية أن تفهم القصة في غير سياقها الصحيح، والأمثلة على ذلك كثيرة {ومّا يّعًقٌلٍهّا إلاَّ العّالٌمٍونّ} .
( * ) دبي |