تكملة لمقالي السابق فلم تكن الصورة المشوهة عن الاسلام والعرب في الذهنية الغربية وليدة 11 سبتمبر؛ فلقد بدأت الصورة المشوهة للعرب والمسلمين ترسم، مع بداية الحروب الصليبية، في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي وكما يقول الأستاذ قاسم عبده قاسم في كتابه «الحروب الصليبية في الأدبيات العربية والأوروبية واليهودية»: لم يكن الصراع بين الحروب الصليبية والعرب والمسلمين مجرد صراع عسكري، وانما كان صراعاً بين حضارتين بكل ما يحمل هذا الصراع من تيارات واتجاهات نتيجة تعارض هاتين الحضارتين وكشف مدى التعصب فلم يكن الأوروبي ليعترف أو يسمح بوجود «الآخر» نتيجة دعاية نزقة غذتها الكنيسة التي كانت تسيطر على الحياة الثقافية في أوروبا في تلك الحقبة «العصور الوسطى». وأجد سؤالاً يطرح نفسه: من أين نبدأ لتصحيح الصورة عن الاسلام والعرب؟
يقول الأستاذ هشام جعيط في كتابه «أوروبا والاسلام»: ان تشويه صورة الاسلام في العقل الغربي المسيحي في القرون الوسطى اعتمدت على إلصاق صفتين مشينتين بالاسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
- الصفة الأولى «ان الاسلام شهواني ومادي.. في فكره ومفهومه للجنة» فتعدد الزوجات أمر مدان ولذة مسممة تجعل من المرأة خادمة لا رفيقة.. وأن الموقف المسيحي هو على النقيض من ذلك..!!
- الصفة الثانية «ان العدوان والقوة والعنف من الخصائص العامة المكونة للدين الاسلامي ودلالات رعب بديهية» فربما وجدنا هنا الاجابة عن سؤال: من أين نبدأ، وربما نفسر أيضاً لماذا يدخل لنا دائماً الغرب من باب المرأة ولماذا يتهمنا بالعنف والارهاب؟
وفيما يتعلق بالصفة الأولى التي تلصق بالاسلام وقضية المرأة، فلا شك ان الغرب يجهل الكثير عن مكانة المرأة المسلمة وحقوقها في الاسلام؛ فالمرأة المسلمة لا بد أن تكون غير مكرهة على الزواج من الرجل لتتم شرعية الزواج والرجل المسلم مطالب شرعا بتقديم مهر للمرأة الراغب الزواج منها، وذلك غير موجود في المسيحية بل في بعض المذاهب المسيحية والأديان الأخرى المرأة هي من عليها تقديم المهر للرجل، كما ان الرجل المسلم ملزم شرعا بأن يوفر للزوجة منزل الزوجية وملزم بالقيام بالنفقة عليها وعلى أبنائه، والمرأة متى ما كرهت العيش مع زوج ولها أسبابها في ذلك فهناك المحاكم الشرعية التي قد تحكم لها بالخلع فتحصل على الطلاق ان كانت تلك رغبتها ضمن شروط شرعية حتى لا يظلم كلا الطرفين.. والمرأة المسلمة ترث زوجها وأباها وترث ولدها ان توفي في حياتها بينما يقتصر الارث في بعض المذاهب المسيحية والاديان الاخرى على الذكر.. وهذه الأمور التي تتمتع بها المرأة المسلمة تجعلها اكثر من رفيقة وتضعها في مكانة مميزة داخل أسرتها ومجتمعها لا يمكن ان تجعلها تشبه بخادمة لا من قريب ولا من بعيد كما ذهب البعض نتيجة لجهل كبير بالاسلام وتعاليمه وتشريعاته، اما قضية التعدد فهي انطلقت من منطق انساني لا شهواني كما يدعي الغرب، ففي الغرب يقيم الرجل العديد من العلاقات مع نساء خارج نطاق الزواج حتى ان كان متزوجاً، ويمكن ان يأتي بأبناء غير شرعيين، كما أن المرأة أيضاً في الغرب يمكنها ان تقيم العديد من العلاقات غير الشرعية وانجاب الأبناء غير الشرعيين. والمجتمعات الغربية تبيح ذلك ولا تجد فيه عيبا وتعتبر ذلك ضمن الحرية الشخصية ولا تتحدث عن هذا الأمر بالتحريم أو التجريم مع ان ذلك هو المنطق الشهواني بأم عينيه بينما تفعل ذلك مع تعدد الزواجات الشرعية في المجتمعات الاسلامية، وكون ان هناك من يسيء استغلال وتطبيق الاحكام الشرعية فهذا امر يعيب من يفعل ذلك ولا يعيب الأمرَ الشرعي في حد ذاته، ولو نظر المرء في الغرب كيف هناك من يسيء استغلال القانون ويجيد التحايل على القانون أيضاً من غسل الاموال والمتاجرة بالمخدرات ومن سرقة ومن رشوة ومن تزوير ومن متهربين من دفع الضرائب، وهناك من يجمع بين عدة زوجات في آن واحد بأن يسجل زواجاته في عدة ولايات مختلفة، ولقد انتشرت هذه القضايا في السنوات الاخيرة في امريكا وشاهدنا وقرأنا عبر وسائل الاعلام المختلفة تلك النماذج التي كان احدثها رجل جمع بين خمس شابات صغيرات وأنجب منهن عدداً من الأطفال ونشرت الصحف صورهن جميعا يلتففن حوله في إحدى المحاكم الأمريكية، وآخر الاحصائيات الموثقة لليونسكو تقول ان أكثر النساء تعرضا للعنف المبرح والاغتصاب في العالم في بريطانيا وأمريكا.
اما الصفة الثانية التي ألصقت بالاسلام وهي العدوان والقوة والعنف فهذا - كما ذكرت سابقا في الحلقة الأولى من مقالي - أمر غذته الصهيونية والتطرف الصليبي وعملتا عليه لقرون من الزمن حتى بات يشكل الصورة النمطية الحقيقية عن المسلمين والعرب في الذهنية الغربية، والذي ساعد على رسوخ ذلك لدى الغرب هو الغياب التام للاعلام العربي الفاعل والمؤثر من جهة وضمور الفاعلية الحضارية للأمة من جهة أخرى وكما يقول الدكتور عبدالقادر طاش في كتابه عن «الصورة النمطية»: ان ذلك الضمور غطى جوانب كثيرة في الحياة العربية والاسلامية، ففي الجانب الفكري تحللت عناصر القوة التي تميز بها الفكر الاسلامي بفعل الجمود وقفل باب الاجتهاد وغياب القيادات الفكرية الفاعلة في الساحة الاسلامية، وفي الجانب السياسي خضعت العديد من الدول العربية والاسلامية للاستعمار الغربي ووقعت في براثن التسلط السياسي ردحا من الزمن، كما عمدت القوى الاستعمارية إلى تفتيت وحدة العالم العربي الاسلامي وإضعاف الصلات بين شعوبه ودوله كما سعت بشكل دؤوب ومتواصل إلى زرع بذور التفكك والتناثر والخلاف بين المسلمين، حتى إذا خرجت جيوش الاستعمار اينعت هذه البذور واكتمل نموها، اما الجانب التعليمي فقد تضاءل الاهتمام بمناهج التربية والتعليم التي تمثل أصالة الأمة وذاتيتها واستعيرت المناهج المستوردة وصيغت مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية والتربوية وفق النمط الغربي لتخرج اجيالا مبتورة الصلة بأصالتها وبتراثها وبمكوناتها الحقيقية، ولذلك وقعت الكثير من بلداننا العربية والاسلامية في ظل هيمنة الافكار العلمانية وفي شرك الازدواجية مما ولد عنه شرائح من أبناء الامة متناقضي الفكر مزدوجي الولاء.. وهذا الضمور الحضاري كان له دور بارز في اشتداد حملات تشويه صورة الاسلام والعرب في وسائل الاعلام الغربي وقد هيأ هذا الضمور الواضح المناخ المناسب للحملات الاعلامية المعادية لتحقيق أهدافها بنجاح.
ومما زاد تلك الصورة النمطية السيئة عن العرب والمسلمين سوءاً في الغرب وأضفى عليها «مزيداً من التلميع» تلك الصورة السلبية لبعض المسافرين العرب إلى الغرب وخصوصا من الخليج لتصرفات وسلوكيات البعض كالبذخ والتبذير والتباهي بالانفاق المادي، ورافق ذلك بعض صور الفساد الخلقي التي مارسها حفنة من صغار السن والشباب الطائشين الذين توافرت لهم اسباب الانفلات والتسيب...
لم تكن تلك الصورة النمطية والمشوهة غائبة عن الكثيرين من النخب الفكرية العربية بل يدرك الكثيرون من المثقفين العرب والمسلمين جذور تلك الصورة المشوهة للعرب والمسلمين وأبعادها منذ وقت طويل واستطاعوا ان يقرنوها جيداً، وفي المقابل هم متهمون بالتقصير وبعدم بذل الجهد اللازم لتصحيحها ولم يقدموا حلولا علمية وعملية، وبالأحرى لم يتصدوا لها بما يتناسب وفهمهم لها، فمازلنا إلى الآن لم نوحد الخطاب الاسلامي للامة الذي لم يرق إلى الآن ولو للحد الأدنى من ما هو مطلوب منه والذي لابد أن يخوض بعمق وبشكل مباشر في جذور تلك الصورة ويخاطب الغرب على كافة المستويات الرسمية والشعبية فنحن نملك من الحقائق والحجج والبراهين ما لا يملكه غيرنا في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وان كان من سبقونا واجهوا الكثير من الصعوبات والمعوقات التي حالت دون تحقيق نجاح يذكر في تحسين الصورة، فالانفتاح الاعلامي والتطور في زمن الاتصالات الرقمية والفضائيات الآن لا بد ان نجعله في صالحنا ونحن من عليه ان يستغله الآن وبجدارة لنمحو كل اللبس والتشويه في الذهنية الغربية، ولكن لنكون واقعيين ومنصفين هل تلك النخب في عالمنا العربي والاسلامي تملك الصلاحيات اللازمة لتقوم بدورها وواجبها على أكمل وجه للتصدي لذلك؟
وهذا يطرح السؤال الكبير، ان كان هذا هو وضع النخب الفكرية والسياسية في عالمنا العربي والاسلامي من الاعاقة والتهميش وان كان واقعنا الحضاري والسياسي والاجتماعي على حاله ولم يتغير، من السلبية والضعف، ويسير نحو مزيد من التمزق والفرقة، فكيف لنا ان ننطلق في مسيرة جادة وفعالة للمواجهة من أجل تصحيح الصورة!!؟؟
( * ) عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
فاكس 6066701-02
|