تسعى الدول جاهدة في التكتل لحفظ أمنها أو تحسين اقتصادها، ومنها الدول الأوروبية، ودول شرق آسيا، وقد عملت تلك الدول على وضع آليات وأسس لبناء هذا التقارب واضعة نصب عينها الوصول إلى الهدف من خلال آليات محددة وقوانين ملزمة، دون مجاملات سياسية قد تؤدي إلى نتائج عكسية.
أما الدول العربية مشكورة فقد عملت الكثير من الاتفاقيات، كما وضعت العديد من الآليات، وكانت الكلمات الجميلة والجمل البليغة تتوسط عقدها لتضيف إليها شيئاً من الجمال والبهاء.
ومع هذا الكم الهائل من الاتفاقيات، وهذا العدد الذي لا يحصى من الأهداف السامية النبيلة إلا أن تطبيق أي منها لم يكن واقعاً سوى في أضيق الحدود وقد يتساءل المرء عن السر في ذلك.
الواقع أن بعضاً من تلك التواقيع قد تمت دون قناعة، وإنما من باب الإخاء والمجاملة ولهذا فالنقاش الدقيق قد لا يأخذ كافياً، للقناعة المسبقة بأنه يمكن التوقيع والنظر في التطبيق فيما بعد.
لا أحد يشك في النوايا أو يحملها أكثر مما تحتمل، لكن المشكلة الكأداء أن الأمور لا تؤخذ بجدية كافية، وتتم دراسة أصغر تفاصيلها، ومن ثم وهو الأهم الالتزام التام بكل ما فيها خطوة بخطوة مهما كانت التضحيات والنتائج، فمن السهل عند البعض أن يغير التزامه بسبب طارىء جديد أو حدث غير متوقع، أو نتائج آنية غير جيد، والأمر المؤلم والأكثر واقعية أن التملص من الالتزام يمكن أن يحدث بسبب تغير مزاج متخذ القرار، فقد يقوم مبكراً وتساور خياله فكرة معينة فيبدأ في تنفيذها متساهلاً ومتناسياً تلك الكومة من الأوراق التي وقع عليها، والشواهد في عالمنا العربي كثيرة، وما غزو الكويت إلا واحد منها.
هناك من يقول إن عقل الإنسان العربي قريب من قلبه، وأن المسافة بينهما لاتكاد تذكر فمن اليسير أن ينساق القلب خلف العقل إذا أومأ له، ولهذا فقد يكون صادقاً حال توقيعه للاتفاقية، لكنه قد يعود أدراجه إذا أومأ القلب إلى العقل فتغلب مرة أخرى، وهكذا يتم تنقله بين العقل والقلب حسب المعطيات العاطفية، والمغريات المادية والمعنوية، التي تغلب جانب القلب، او تلك الظروف الخارجية التي تدفعه إلى النخوة الآتية دون رؤية.
وهذا الوضع لا ينطبق على بعض المخولين بالتوقيع على تلك الاتفاقيات بل إن ذلك قد ينطبق على الكثير من أفراد المجتمع في حياتهم اليومية، وأذكر أننا أعتدنا ان تلعب كرة القدم في صالة مغلقة في الشتاء لشدة البرد في الصين وكان الالتزام الذي وقعناه مع صاحب الصالة أن ننتهي الساعة العاشرة مساءً، وعندما تقرب الساعة العاشرة ولرغبة بعض الزملاء في المزيد من اللعب يبدأون بالتوسل إلى صاحب الصالة أن يعطيهم المزيد من الوقت مع الاستعداد لدفع الكثير من المال مقابل ذلك، ومع هذا فإن صاحب الصالة يرفض، وهنا أنظر الى الأمر بعين المفكر وأقول هكذا نحن نحب أن نسير طبقاً لرغباتنا، ولا نريد أن نرد أنفسنا عما تشتهي حتى وإن كان ذلك التزاماً مكتوباً مع صاحب الشأن، وإلا ما هو الضرر من توقفنا في الوقت المحدد واحترام الالتزام الذي عقدناه مع مضيفنا، فهل هذا جزء من تربيتنا.
إن الالتزام أمر هام وبدونه لن يكون للاتفاقيات معنى، ولن يكون الحديث عنها مفيداً إلا لوسائل الإعلام التي ستتخذها مادة تتداولها بين الفينة والأخرى.
|