عهدتها امرأة واعية، ترعى زوجها وتطيعه، وتحرص على مصالحه، وتدير شؤون بيتها كما يحتم عليها الواجب ذلك، بيد أن خلة بها لا تعجب العقلاء والعاقلات وهي أنها تتذمر من بيتها المتواضع وفرشه البسيط لدرجة أنها تخجل من دعوة بعض زميلاتها - من طبقة معينة - لزيارتها في بيتها وتتحمل من جراء ذلك كثيرا من الحرج واختلاق المعاذير. هذا ما كان يكدر صفو حياتها وبالتالي حياة زوجها.
وأود هنا - أختي القارئة - أن أقول لها ولكل اللواتي يشاكلنها، بأن المرأة التي تزورك لشخصك أنت وحرصا منها على صداقتك واخلاصا للمودة التي تربطكما، فأهلا وسهلا بها، أما ان كانت زيارتها لبيتك وأثاثه وفرشه، فانها لا تستحق الصداقة، وحري بها أن تزور معارض المفروشات.
هذا وعلاقتك مع زميلاتك وصديقاتك لا تحددها ضخامة البيت وفخامة الأثاث، بل يحددها سلوكك السليم معهن، ومعاملتك الطيبة لهن.
فاسعى «أختي القارئة» جاهدة في اضفاء السعادة على بيتك، ودعي عنك المظاهر البراقة، وثقي بأن السعادة تكمن في غنى النفس وقناعتها، وكثيرا ما نجد السعادة في الخيمة والكوخ ونفتقدها في القصر، وأوضح مثال على هذا «ميسون» تلك المرأة البدوية - التي اعتادت أن تستيقظ في الصباح وتقف على باب «بيت الشعر» الذي تقطنه، فتسرح نظرها في الأفق تتأمل جمال الكون، مسبحة الخالق جل وعلا راضية قانعة بحياتها - لقد ضاقت ذرعا بقصر معاوية الخليفة الأموي الذي تزوجها وأسكنها قصره في الشام، فهجرت قصره وعادت الى حياتها البسيطة تتغنى بها قائلة:
لبيت تخفق الأرواح فيه
أحب الي من قصر منيف
ولبس عباءة وتقر عيني
أحب الي من لبس الشفوف
وكلب ينبح الطراق دوني
أحب الي من قط أليف |
إلى آخر القصيدة.
وأنا بهذا لا أدعو الى السكنى في الخيمة وبيت الشعر، لا، فالحال تغيرت والدنيا تطورت، ولكن أدعو الى القناعة بما قسم الله لنا، الى قناعة «ميسون» التي كانت موئلا ورفدا لسعادتها، فغنى النفس - كما أسلفت - هي مفتاح السعادة وليس هناك أروع وأحكم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد حيث يقول:«ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس».
ولو شاء ربنا - أختي القارئة - لجعل الناس سواء في الرزق، ولكن لحكمته في استمرار الحياة أوجد هذا التفاوت بين الناس، فالغنى في حاجة الفقير والفقير في حاجة الغني وهكذا، فالحياة أخذ وعطاء والسلام.
مروان عبدالفتاح الأيوبي |