يعتبر الاستثمار المباشر أحد الظواهر الحديثة التي برزت على مسرح العلاقات الاقتصادية الدولية بُعيد الحرب العالمية الثانية. وقد أصبح معلوماً أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية تستند - إلى حد كبير - على تدفق الاستثمارات واستيعابها في المجالات الانتاجية المولدة للقيمة المضافة والمؤدية إلى تزايد وتيرة نمو الناتج الوطني. وكما أن الاقتصاد والسياسة وجهان متكاملان لعملة واحدة، فإن الاستثمار والاستقرار ينطبق عليهما الشيء عينه، فالاستثمار يمكن اعتباره محوراً لأية عملية تنموية باعتباره يمثل القاعدة الانتاجية لمختلف الأنشطة الاقتصادية، فهو انتقال لرؤوس الأموال والتكنولوجيا الانتاجية والمهارات الإدارية، كما أنه يساعد أيضاً على عملية البحث والتطوير وتشجيع الكفاءات العلمية وتنمية القدرات الاقتصادية، وزيادة استيعاب العمالة الوطنية، وتوفير احتياجات السوق المحلي، فضلاً عن دعمه المقدرة التصديرية للاقتصاد الوطني، إلا أن دولة ما لن تستطيع جذب هذا الاستثمار إلا بتحقيق الاستقرار بمختلف أشكاله، ومن أهم المؤثرات بهذا الاستقرار مستوى الاستقرار والمناخ الاستثماري في مختلف الدول تبعاً لعدد من المؤشرات، حيث تصدر تقريراً يصنف الدول بإعطاء تقدير لكل دولة وتمنحها ترتيباً من حيث درجة المخاطر فيها.
وفي تقرير أصدره أحد بيوت الخبرة المعروفة (PRS) نلحظ فيه أن الدول ذات المخاطر العالية جداً - وهي بالتالي ذات مناخ استثماري غير ملائم - هي: السودان والعراق وكوريا الشمالية وليبيريا والصومال وسيراليون. ولو أمعنَّا النظر في هذه القائمة لوجدنا أنها تشترك فيما بينها بصفات تتمثل بالحروب الأهلية والاضطرابات المصحوبة بالعنف. كما تشير الدراسات إلى ان المملكة حقل خصب للاستثمار لما تتمتع به من مقومات ايجابية تتمثل بارتفاع القوة الشرائية واتساع السوق وحالة الاستقرار التي تعيشها، إضافة إلى الاجراءات التي تتخذها الحكومة لتنقية المناخ الاستثماري، ولكن ما حدث مؤخراً من أعمال تخريبية ربما سَبّب زعزعة هذا الاستقرار وربما دفع بوطننا نحو ذيل قائمة الدول الجاذبة للاستثمار بجميع مزاياه، هذا إن لم يحدث - لا قدر الله - انتقال عكسي لرأس المال الوطني، وفي هذا خسارة هائلة مزدوجة تتطلب منا أن نحسن التفكير والتدبير وألا نهدم ما بنيناه وتوصلنا إليه، فالاستقرار المترافق مع سياسات اقتصادية واضحة وملائمة هو السبيل الأقرب إلى تحقيق الازدهار، وهو ما ننشده جميعاً دون استثناء، وهو الهدف الأمثل لكل مخلص غايته نمو وطنه وتقدمه.
(*) عضو جمعية الإدارة السعودية |