* رام الله نائل نخلة
رضيعتا لميس، الأم الفلسطينية التي كانت في حالة مخاض، لم ولن يريا النور، بعد ان اضطرت والدتهما، ان تضعهما قرب البوابة الحديدية التي تغلق مدخل قريتهما الوحيد.ومعاناة جديدة ومتواصلة خلقها الاحتلال لعائلة الشاب رائد خالد مصطفى 36 عاما، بعد أن تسببوا في وفاة طفلتيه اللتين خرجتا إلى الحياة فجر الاثنين الثاني والعشرين من ديسمبر الماضي، لكنهما لم تريا النور في سيارة الإسعاف التي حضرت لنقل والدتهما إلى مستشفى رام الله بالقرب من البوابة الحديدية المقامة على مدخل قريتها دير بلوط.
يضيف مصطفى: كان الاحتلال بحواجزه وإغلاقه المنتشر في كل مكان، السبب في فقدي لعملي ومصدر رزقي في مدينة أريحا، حيث اضطررت لترك العمل بعد أن لم يعد بمقدوري الوصول إليه، وهو هو يفتقدنا بمأساة جديدة ولكن هذه المرة بطريقة مختلفة.الأم الثكلى لميس 26 عاما تحدثت بصوت خافت وبدا بداخله الحزن العميق ملخصة ما حدث معها بكلمات قليلة ل«الجزيرة»: «الاحتلال دمر حياتنا وأملنا»، الجنود المتواجدون عند مدخل قريتنا منعونا من المرور رغم علمهم أني في حالة مخاض، ونحن متوجهون إلى المستشفى للوالدة.
تضيف قائلة «إن قتل جنود الاحتلال للطفلتين يهدف إلى قتل أحلامنا وأحلام طفلتها الوحيدة سبأ التي لم تتجاوز العامان والتي تحلم دوما بإخوة يشاركونها في البيت عندما ترى الأطفال في بيوت جيرانها.
ويقول المواطن مصطفى كان واضحا تماما أمام الجنود المتمركزين في الأبراج المقامة عند البوابة الحديدية أن السيارة المدنية التي وصلت إلى الحاجز في الساعة الثانية من فجر الاثنين أنها ما حضرت إلا لأمر جلل، سمعوا صراخا وأنينا داخل السيارة.لكنهم رغم ذلك سلطوا أضواءهم الكاشفة تجاهنا، لم يعبؤوا بي حيث بقيت أصرخ دون مجيب، فقررت ونظرا لخطورة حالة زوجتي التوجه إلى البرج سيرا على الأقدام، الأمر الذي أثار حفيظة جنود الاحتلال وجعلهم يخرجون من مخبئهم مشهرين أسلحتهم تجاهي وأمروني بالتوقف، وعندها أخبروني انه سيفحصون الأمر مع ضباطهم ومسئوليهم، مرة ساعة دون مجيب وأنا أقف في البرد الشديد الذي كانت تعيشه القرية، بينما كنت أنظر إلى معاناة زوجتي لا أستطيع أن أفعل لها شيئا، في انتظار سمح جنود الاحتلال لنا بالمرور.بعدها قررت الاتصال بسيارة إسعاف لتحضر من قرية بيت ريما على الجانب الآخر من البوابة الحديدية، علها تستطيع إنقاذ زوجتي الثكلى، وبالفعل ما أن مرت عشر دقائق حتى حضرت السيارة.بعد جدال طويل سمح الجنود بدخول المسعفين بحمالتهم إلى الجانب الآخر من الحاجز لنقل المرأة الثكلى، شريطة أن تدخل وحدها دون زوجها الذي كان يشاركها آلامها ومعاناتها.
ورويدا رويدا تقول الزوجة الثكلى لميس وهي تستحضر تلك اللحظات العصيبة بمساعدة زوجي وشقيقتي انتقلت من سيارتنا إلى حمالة المسعفين، ورغم علامات المخاض التي وصلت ذروتها لم يتركنا الجنود وشأننا، بل طلبوا من المسعفين الوقوف لفحص من في الحمالة، وأجبروهم على رفع الغطاء الذي أحضروه معهم لتغطيتي من البرد بحجة الفحص والتدقيق.وبصوت منخفض مليء بالحسرة على طفلتيها اللتين توفيتا تضيف لميس ما إن سارت سيارة الإسعاف مسافة قليلة حتى توقفت من جديد لأكتشف عند تلك اللحظة أنني وضعت مولودتي الأولى داخلها، وبعد تقديم بعض من الإسعافات الأولية أكملنا طريقنا إلى المستشفى، وبعد مسير ربع ساعة وتحديداً بالقرب من قرية اللبن الغربية وضعت المولودة الثانية، وكانت الشمس عند وصولنا إلى المستشفى تشارف على الشروق، ليخبرنا الأطباء فيما بعد أن المولودة الأولى قد توفيت بفعل تأثير البرد والانتظار والتنقل بين السيارتين.أمضينا ذلك في اليوم المشئوم في مستشفى رام الله الحكومي الذي كان يعج بالمرضى ننتظر الأطباء علهم ينجحون في إنقاذ الطفلة الثانية من الموت الذي كان يتهددها، لكن لم يمض وقت طويل حيث توفيت الثانية مساءً.
عدنا في اليوم التالي إلى قريتنا دير بلوط من جديد بصحبة مولودتي الجديدتين لا إلى البيت بل إلى مقبرة القرية لدفنهما، ليس لسبب إلا لأن جنود الاحتلال منعونا من الوصول إلى المستشفى بحرية.
في طريق عودتنا شاهدنا ذلك الجندي المتمركز عند ذات البوابة الذي أصبح في نظري عبارة عن وحش قاتل يترصد بالفلسطيني حيث ثقفه لقتله أو للتنكيل به، أو يمنعه من العمل والمرور، خصوصا أن زوجها الذي كان يعمل في مدينة أريحا مطلع الانتفاضة الحالية ترك عمله بسبب صعوبة التنقل وعدم قدرته على الذهاب والعودة إلى مدينة أريحا.
|