كان مشاهدو تلفزيون الرياض ليلة الاثنين 15/3/1391هـ على موعد مع معالي الشيخ محمد الحركان وزير العدل ليتحدث إليهم «حديث الأصدقاء» عن أبرز مهام وزارته و«وزارة العدل» كأحد أدق وأوثق أجهزة الدولة صلة بحياة المواطنين ومتطلبات العصر والمستقبل في رحلة التطور والنهضة التي تقطعها المملكة في مسيرتها البناءة وراء رائدها الملهم جلالة الفيصل المفدى.
والذين يعرفون فضيلة الشيخ الحركان القاضي المتزن والمحدث الطلق لم يستغربوا هذا التوفيق والنجاح الذي لقيه معاليه في حديثه المرئي على شاشة التلفزيون وهو يرد على أسئلة المذيع التي تناولت عددا من الأمور الأساسية التي تتعلق بهذه الوزارة رأينا حرصا على الفائدة إثبات أهمها فيما يلي:
الوزارة تماشي سنة التطور:
وبعد أن أورد معاليه طرفاً من مراحل حياته العلمية وبين شعوره الشخصي وانطباعه عندما وقع عليه اختيار صاحب الجلالة ليكون وزيراً للعدل تكلم معاليه عن وزارته والمخطط الذي وضعه لتقوم بالأعباء الملقاة على عاتقها فقال:
«.. قامت هذه الوزارة على الأجهزة التي كانت موجودة منذ عهد رئاسة القضاة ومن المعلوم أن تلك الأجهزة أصبحت بحاجة ماسة إلى التوسع والتطوير لتتمكن من القيام بالأعباء المنوطة بها بعد أن أصبحت وزارة لاسيما إذا علمنا أن دستور حكومتنا الرشيدة- أيدها الله -هو تحكيم الشريعة الإسلامية في جميع الأمور لا فرق بين الأحوال الشخصية والحقوق المدنية والحقوق الإدارية والحقوق الجزائية وتحقيقاً لهذا الغرض فقد تقدمت الوزارة بكثير من مقترحاتها سواء فيما يتعلق بإيجاد بعض الأقسام وإنشاء المجمعات للوزارة والمحاكم والدوائر الشرعية.
قاض في الجنة
وقاضيان في النار:
وفي معرض تفسير الحديث الشريف: «قاضيان في النار وقاض في الجنة» أوضح معاليه أن القضاء رتبة دينية ومنصب شرعي شريف فيه فضل عظيم لمن قوي على القيام به وأداء الحق فيه حتى قال بعض السلف: لأن أحكم يوماً بحق أحبّ إليّ من أن أغزو سنة في سبيل الله، ويجب على القاضي أن يضع نصب عينيه قول الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } ومتى كان القاضي عالماً بالحق الذي يحكم به ومتحريا للعدل والصواب بقدر الإمكان فهذا القاضي في الجنة إن شاء الله وإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد.
أما من عرف الحق وحاد عنه لأي سبب من الأسباب أو حكم بين الناس بالجهل وعلى غير هدى من الله فهذان القاضيان في النار. ولذلك كان واجباً على القاضي أن يحرص كل الحرص على تحقيق العدالة التامة بين الخصمين عملاً بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لفظه وإشارته ومقعده ولا يرفعن صوته على أحد الخصمين ولا يرفع أحدهما على الآخر».
وقال العلماء رحمهم الله: إن القاضي إذا ميز أحد الخصمين على الآخر بشيء مما ذكر انكسرت نفسه وضاعت حجته واعتبر القاضي ظالماً له. ومن هذا يتضح مدى ما حققته العدالة في الشريعة الإسلامية وأن هذه العدالة هي التي أعز بها الله المسلمين على أعدائهم ومكن لهم في الأرض حتى سادوا أهلها وبلغ سلطانهم وعزهم مشارق الأرض ومغاربها، ولكن مع الأسف لما تنكر المسلمون لهذه العدالة السماوية سلط الله عليهم ذلا لا ينزعه عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
المحاماة مهنة حرة
وعمل تعاوني:
وسأل المذيع معاليه قائلاً: ما يزال بعضهم ينتقد عمل المحامي كمحام.. فما هو تعليقكم على هذا النقد؟
فكان الجواب: أن المحاماة مهنة من جملة المهن وعمل حر كسائر الأعمال الحرة كما أنها عمل تعاوني يجب أن يراعى فيه ما أراد الله تعالى به في قوله: { وّتّعّاوّنٍوا عّلّى البرٌَ وّالتَّقًوّى" وّلا تّعّاوّنٍوا عّلّى الإثًمٌ والًعٍدًوّانٌ } وأن يراعى فيه ما ورد في الحديث الشريف: «من أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله».
فيتعين على المحامي أن يراقب الله في عمله وأن يكون نزيهاً في نفسه وشريفاً في مهنته وأن يحرص على حسن السيرة والسلوك وأن يكون رائده الخير والإصلاح بين الناس والتعاون مع الجمهور بتلقين العاجز منهم الحجة التي لا يستطيع الإدلاء بها والتعاون مع الحكام والهيئات القضائية لتسهيل مهمتهم في إيصال الحقوق إلى أربابها.
فمن كان من المحامين على هذا المستوى وبهذا الوصف فإنه جدير بكل تقدير واحترام ولا محل لتوجيه النقد إلى عمله لأنه عمل حر ومورد رزق حلال.
أما من جعل المحاماة وسيلة إلى العسف والكذب والخداع والالتواء وابتزاز أموال السذج موهماً إياهم أنه يستطيع أن يقلب الحق باطلاً والباطل حقاً فهؤلاء جديرون بالنقد بل ويجب منع أمثال هؤلاء من تعاطي هذه المهنة الشريفة لأنهم يفسدون ولا يصلحون.
الحصانة والمؤهل العلمي للقاضي ونسبة الجرائم
في المملكة:
وبعد أن تناول معاليه بإسهاب ما يجب توفره للقاضي في مرحلة تكوينه العلمي و مدى فعالية معهد القضاء العالي في تأهيل القضاة لسد حاجة جهاز الوزارة والمحاكم وما يطلب من المنتسب من شهادات التخصص تكلم معاليه عن الحصانة التي يتمتع بها القضاة ونسبة الجرائم في المملكة التي أصبحت مضرب الأمثال في الأمن والطمأنينة توجه معاليه بالدعاء لله تعالى أن يجنب بلادنا الشرور والآثام وأن يمن علينا بنعمة الأمن والإيمان إنه سميع مجيب.
وانتهى حديثه الفياض الذي نأسف كل الأسف لعدم إدراجه حرفياً ونأمل أن نكون قد أعطينا القارئ الذي فاتته مشاهدة تلك الفترة التلفزيونية موجزاً عن هذه المقابلة التي ألقى فيها معالي وزير العدل الكثير من الأضواء على الكثير من الأمور التي تهم الناس في معاملاتهم وصلاتهم الاجتماعية متمنين لوزارة العدل في عهد وزيرها الفاضل كل تقدم وازدهار.
|