Wednesday 7th January,200411422العددالاربعاء 15 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الفحص الطبي قبل الزواج.. بين الإلزام والالتزام الفحص الطبي قبل الزواج.. بين الإلزام والالتزام
د. عبدالإله ساعاتي

وأخيراً أصدر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في السادس من شهر ذي القعدة 1424هـ قراره القاضي بتطبيق الفحص الطبي قبل الزواج على السعوديين والزام طرفي العقد باحضار شهادة الفحص الطبي قبل إجراء عقد النكاح، ويكون تطبيق ذلك ابتداء من اليوم الأول من شهر محرم للعام 1425هـ اي بعد اقل من شهرين من تاريخه - مع عدم الزام اي من طرفي العقد بنتائج الفحص الطبي متى ما شاء ذلك.
ويعد الزواج ميثاقاً انسانياً ورابطة مشتركة بين زوج وزوجة مقصدها إقامة اسرة اساسها المودة وحسن العشرة، يقول المولى عز وجل{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } ويقول جلت قدرته{وّعّاشٌرٍوهٍنَّ بٌالًمّعًرٍوفٌ} .
فالقصد من الزواج إقامة اسرة وتربية ابناء وبالتأكيد لا يريد الزوجان ان يخلفا ابناء مصابين باعاقات وامراض مزمنة يعانون منها نفسياً وبدنياً طيلة حياتهم، ويعاني معهم والداهم بل ومجتمعهم.
ومن هذا المنطلق جاءت الدعوة إلى تطبيق نظام الفحص الطبي قبل الزواج لاسيما في ظل ارتفاع معدل انتشار الامراض الوراثية في المملكة.
فلقد افادت دراسات علمية أن نسبة انتشار امراض الدم الوراثية في المملكة تبلغ ما بين 20- 25%.
ان انتشار هذه الأمراض والآلام والمعاناة الكبيرة التي تخلفها والاثر السلبي الناتج عنها ليس فقط اجتماعياً، بل حتى اقتصادياً من حيث التأثير على الانتاجية الوطنية الناتجة عن وجود اعداد كبيرة من المرضى المصابين بأمراض وراثية او بتشوهات خلقية او اعاقات بدنية او عقلية، ذلك ان ارتفاع نسبة المصابين بهذه الأمراض المزمنة من شأنه ان يشكل معوقات في مسيرة التنمية وعبئاً كبيراً على امكانيات المجتمع المالية والصحية.
كما أن الفحص الطبي قبل الزواج لا يكشف فقط عن الأمراض الوراثية، بل يكشف ايضاً عن الاصابة بالامراض المعدية ولا سيما الامراض المنقولة عن طريق الجنس ونقل الدم.
يقول الدكتور معين الدين السيد استشاري الأمراض الوراثية في مستشفى الملك فيصل التخصصي، وهو من الكفاءات المتميزة في هذا المجال:« ان الفحص الطبي قبل الزواج نوعان: الاول وراثي ويستهدف معرفة ما اذا كان الطرفان او احدهما حاملاً لصفة وراثية مرضية قد تنتقل منهما الى الذرية اذا كان احدهما او كلاهما مصابين بمرض وراثي معين.
اما الفحص غير الوراثي فيستهدف التأكد من خلوهما من بعض الأمور الصحية المعدية الوبائية التي قد تنتقل الى الآخر او الى الذرية وكذلك يستهدف التأكد من وجود توافق في بعض الامور الصحية ومن امثلته: فحص الأمراض التناسلية، فحص الفتاة للمناعة ضد الحصبة لان عدم وجود هذه المناعة يعرض الجنين لتشوهات خلقية، وفحص من عدم الانطباق بين الفصيلتين مما قد يعرض الجنين لمخاطر كبيرة».
** وفي هذا الصدد وبمناسبة صدور القرار قال معالي وزير الصحة الدكتور حمد المانع انه قد تم تجهيز «25» مركزاً صحياً لاجراءات الفحص الطبي قبل الزواج في مختلف مناطق المملكة مؤكداً ان الفحص سيكون مجاناً.
وفي الوقت الذي يشكر فيه معالي الوزير وتشكر فيه الوزارة على مبادرتها التي تجسدت في الاستعداد المبكر لتطبيق النظام الجديد، لعلنا نحتاج إلى المزيد من الايضاح حول انواع الفحوصات التي يمكن للمقدمين على الزواج اجراؤها في هذه المراكز وهل تشمل ما اشار إليه الدكتور معين السيد من فحوصات غير وراثية؟.
** اما عن مدى جواز الفحص الطبي قبل الزواج من الناحية الشرعية فان اصحاب الفضيلة علماءنا الكرام هم اصحاب القول الفصل في مثل هذا الأمر.
ولقد تسنى لي الاطلاع على فتوى للشيخ ابن جبرين حول الفحص الطبي قبل الزواج يقول فيها:« لا بأس بذلك إذا خيف من مرض داخلي مما يؤثر على الصحة ويمنع من راحة الزوجين واستقرار الحياة والطمأنينة فيها».
وعند صدور قرار مجلس الوزراء المشار إليه حرصت على التدقيق فيه، وتبين أن المعاملة مرفوعة لمجلس الوزراء من قبل معالي وزير العدل، الامر الذي يدخل الطمأنينة من حيث المشروعية الدينية لهذا الامر.
كما أن القرار اعفى الزوجين من الالتزام بنتائج الفحص الطبي قبل الزواج متى ما شاء ذلك. اي ان المقدمين على الزواج ملزمون باجراء الفحص الطبي قبل الزواج ولكنهما غير ملزمين بنتائجه اذا لم يريدا ذلك.
وفي تصوري ان هذه الفقرة ادخلت النظام الى رحاب الجواز شرعاً.
** لقد شاركت قبل سنوات مضت ضمن لجنة لدراسة موضوع الفحص الطبي قبل الزواج، كما شاركت في تنظيم أول مؤتمر متخصص في هذا المجال نظمته مستشفى الملك فيصل التخصصي، ولقد اتاح لي ذلك الاطلاع على حالات واقعية وضحايا فعليين لهذه الامراض، انقل هنا معاناة ثلاثة من هؤلاء:
- تقول «ام صبري» من محافظة الاحساء:« لي من الاولاد خمسة، ثلاثة منهم مصابون بالتكسر الثلاسيمي واحدهم حامل للمرض فقط واصغرهم ادعو الله سبحانه وتعالى أن يكون سليماً فهو حديث الولادة ولم يتضح وضعه إلى الآن، وأنا دائمة التفكير في اطفالي وفي غاية القلق على مستقبلهم، زوجي يعتقد انني السبب ويحملني المسؤولية، رغم ان الطبيب اوضح له الامر بان الوالدين معاً يكونان حاملين لنفس المرض، وانا دائماً الملومة وزوجي يفكر في الزواج بأخرى مع ان الاجدر به ان يكرس حياته لرعاية اطفالنا فأطفال الثلاسيميا يحتاجون لرعاية كبيرة.
لذا فإنني انصح جميع اخواتي المقدمات على الزواج ان يفكرن في اطفالهن القادمين قبل كل شيء وفي تعبهم ومعاناتهم ونقلهم الدم كل شهر طول العمر، فلا حياء في الدين ولا تنسوا اكبادكم».
وتقول مريم وهي طالبة جامعية من الاحساء:« انا مصابة بالثلاسيميا واطالب المسؤولين بالتدخل وعدم التفريط في حق الطفولة فمن حق الطفل الذي يولد في منطقة بها نسبة عالية من المصابين والحاملين لهذا المرض ان يجبر الاهل بالفحص قبل الارتباط، هذا هو واجب المجتمع، ونرجوكم الرحمة بأطفال اليوم وشباب المستقبل».
- ويقول المواطن السعودي منصور:« جهلنا جعلنا ندمر حياة ابنائنا، كنت حاملاً لمرض تكسر الدم الوراثي وزوجتي كانت حاملة للمرض ايضاً، ولم نعلم بذلك الا عندما انجبنا اولاداً مصابين بالمرض، لدي ثلاثة اطفال يعانون من هذا المرض الوراثي ويتعين عليهم نقل الدم شهرياً وانا متعب جداً معهم نفسياً حيث اتألم لألم اولادي فهم لا ينعمون بالحياة كباقي الاطفال».
هذه امثلة لحالات كثيرة تجسد الحاجة الماسة الى تطبيق نظام الفحص الطبي قبل الزواج الزامياً، وكما قال صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس مجلس أمناء مركز الأمير سلمان لابحاث الاعاقة ان تطبيق هذا القرار سيساعد باذن الله في التغلب على الكثير من الأمراض المسببة للاعاقة وسيقلل من نسبة الاصابة بالاعاقة في مجتمعنا.
اسأل الله السلامة للجميع،، والله ولي التوفيق


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved