* * بدءاً لا أعتقد أن شريعة آمنت بالحوار ودعت إليه ورأت أنه الوسيلة الأنجح لإيصال رسالتها مثل الشريعة الإسلامية، فالقرآن الكريم أقر الحوار حتى في أعظم شيء يؤمن به المسلم ألا وهو «وحدانية الله» فالله يقول: {أّإلّهِ مَّعّ اللهٌ قٍلً هّاتٍوا بٍرًهّانّكٍمً إن كٍنتٍمً صّادٌقٌينّ} [النمل: 64] .
ولم يكتف بإقرار الحوار مع أهل الكتاب بل دعا إلى التلاقي معهم فيما يمكن الاتفاق والتلاقي عليه
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64]
إن الحوار فضيلة جميلة ورائعة بين أصناف البشر على مختلف مللهم وأديانهم، وهو فضيلة بين المسلمين وأهل الكتاب، وفضيلة بين أهل المذاهب وبين مختلف الشرائح.!
فما بالك إذا كان هذا الحوار بين أهل دين واحد، وبلد واحد، وهموم واحدة، ومصير واحد.!
* * *
* * ومن هنا رحبت شرائح المجتمع «بالحوار الوطني» في بلادنا، وتابعت لقاءاته، وتطلعت إلى نتائجه، وقد وفق الحوار باختيار موضوع بالغ الأهمية للقائه الثاني «الغلو والاعتدال»، وقد كان اختيار معالي الشيخ صالح الحصين لإدارة الحوار أبلغ الأثر على نجاحه، وقد أجمع المتحاورون على مختلف أطيافهم وتوجهاتهم على قدرة ونجاح الشيخ صالح على هذه الادارة القيمة لمثل هذا اللقاء بكل ما عرف عنه من تفقه في الدين ورؤية منفتحة ورحابة صدر بالحوار وتقبل الرأي الآخر.
وقد جاء هذا الاحتفاء من عدة منطلقات أولها وأهمها أن بلادنا وأبناءها وقيادتها تواجه «تحديات» عنيفة داخلية وخارجية، ربما لم تمر عليها بتاريخها، وأهم عاصم لاستقرارها ونمائها تماسك جبهتها الداخلية، ووحدتها الوطنية على أسس وثوابت عقيدتها.
إن أعداء هذا الوطن على قناعة أن أيسر طريق لهم لتفتيت وحدته، وتشويه عقيدته، لن يتم إلا عن طريق اختراق الوطن بتوظيف الخلاف بين أبنائه في سبيل أهدافهم الشريرة، ومن هنا فالحوار هو الذي سوف يذيب أي اختلاف بين شريحة وأخرى، ليتجه الجميع إلى الحفاظ على الثوابت، والتمسك بوحدة الأمة، وهذا هو الذي سوف يكون سداً منيعاً أمام أي اختراق لوحدة وأمن وطننا سواء من بعض شذاذ أبنائه، أو من قوى أعدائه.
* * *
* * إنني وأنا أتحدث عن هذا الحوار أشير إلى «رؤيتين» مهمتين، أستشرف أن يؤخذ بهما في لقاءات الحوار الوطني القادمة، وذلك ليحقق الحوار الوطني أهدافه السامية الغالية.
* وأولى هذه الرؤى: إيجاد «محور للحوار مع الآخر»، فنحن لا نواجه تحديات من الداخل فقط، بل هناك تحديات عنيفة من الخارج بحيث تكون منطلقات محددة للحوار معه.
إن المطلوب من أبناء الوطن جميعاً «ونخبه الفكرية والعلمية» على وجه الخصوص مواجهة التهم التي يُرمى بها الوطن عقيدة وقيادة وإنسانا وهذا يتم عن طريق تحديدها وكتابة أوراق حولها ثم الاتفاق على منطلقات واضحة من جميع أبناء الوطن لمواجهتها، وجميل أن ينطلق الحوار حول هذه الإشكاليات والتهم من مركز الحوار الوطني ليشعر الآخر أن الوطن بكافة أطيافه وشرائحه يقف في وجه هذه التهم، وأن الفهم الخاطئ لها من قبله هو الذي أوقعه في التصورات الخاطئة عن عقيدتنا ووطننا.
إن مواجهة هذه التهم على مختلف أبناء الوطنُ على مختلف مواقعهم ومناطقهم وتوجهاتهم من منطلق سماحة إسلامنا، وانفتاح وطننا مطلب وطني من أجل مستقبل هذا الوطن، وصد كيد أعدائه.
* * *
* * الرؤية الثانية: «ضرورة إشراك الشباب في اللقاءات القادمة»، وإنني ـ هنا ـ أتفق مع الكاتب الاستاذ/ أحمد بن عبدالرحمن العرفج الذي دعا من «ثقب بابه» إلى هذه الفكرة المهمة جدا، ذلك أن الشباب والناشئة هم أهم من يجب أن يتم الحوار معهم والتوجه إليهم وترسيخ حبهم وولائهم لوطنهم، وفتحت باب الحوار معهم لطرح كل ما يدور في أذهانهم من «إشكاليات» حول عقيدتهم، وتهم توجه إلى وطنهم.
إن هؤلاء الشباب هم أساس الوحدة الوطنية، وأي تهميش لهم في أي حوار إنما هو أسهل طريقة للتأثير عليهم واختراق عقولهم وترسيخ كل مفهوم خاطئ فيها.
إن الحوار معهم سوف يجعلهم أدوات بناء، بدلا من اختطاف أعداء أمتهم لهم ليكونوا معاول منحرفة تهدم ـ لا سمح الله ـ وحدة وطنهم وتزعزع أمنه.
وما رأينا من أعمال إجرامية من بعضهم إنما جاء بسبب ذلك «الانحراف الفكري» الذي عشعش في أذهانهم، ولهذا لابد من الحوار معهم بكل صراحة، والطلب منهم أن يفصحوا عن كل مكنوناتهم، إن شفافية الحوار في النور معهم هو الذي يصحح مفاهيمهم، ويمحو أي إشكالية في نفوسهم، إن أي حوار وطني بدون إشراك الشباب سوف يظل مبتوراً وهامشياً بل غير مؤد لأهداف الحوار من تمسك بالعقيدة الصحيحة بتسامحها، وبوحدة هذا الوطن بل بانفتاحه.!
لقد كان عنوان اللقاء «الغلو والاعتدال رؤية شاملة» فلا يصح أن يتم تغييب الشباب عن المشاركة بهذا الحوار، لأنه عن طريق فئة شاذة منهم، ثم تعبئة عقولهم بفهم سقيم لتعاليم دينهم وسماحته وانفتاحه على الآخر.!
والآلية التي يمكن إشراك الشباب عن طريقها ليست صعبة وعسيرة، وقد نفذتها مؤسسة الفكر العربي في مؤتمرها الأخير ببيروت بنجاح وكان أحد الأسباب المهمة لنجاح المؤتمر.
لقد اختارت المؤسسة مجموعة محددة من مختلف الشباب والناشئة العرب حضرت المؤتمر وشاركت ندواته ومداولاته، وناقشت المحاورين في أوراقهم التي قدموها، وطرحت عليهم همومها وتطلعاتها وتطلعات الشباب العربي لاستشراف المستقبل العربي.
لهذا لابد من المبادرة بإشراك الشباب في أول لقاء وطني قادم إذ هم مستقبل هذا الوطن وأساس وحدته الوطنية وحاملوا راية سماحة دينه.
ورب اجعل هذا الوطن آمنا.
* * *
كلمة واعية
* * «الحوار فضيلة ليس من الآخرين البعيدين فقط، بل ومع الأقربين، إنه فضيلة آمن بها الإسلام ودعا إليها وحث عليها رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام.
والحوار المجدي هو الذي يكون بين «الفكر» و«الفكر» وليس هناك وسيلة تصحِّح الأخطاء وتقرّ الصواب مثل «الحوار» والمجادلة بالتي هي أحسن».
الأمير: نايف بن عبدالعزيز آل سعود
من مقدمة سموه لكتاب: «رؤية حول تصحيح صورة بلادنا وإسلامنا»
|