منذ صدر التشكيل الوزاري الحالي وضم الملف الثقافي إلى وزارة الإعلام امتلأت أعمدة الصحف المحلية بمقالات المنشغلين بالهم الثقافي.. تستعرض آمالها وتطلعاتها من هذه الوزارة.. وبعضها بلغ حد الشطط.. وتم تشكيل لجنة من بعض الرموز الثقافية لوضع برنامج عمل.. يساعد الوزارة على أداء المهمة الجديدة على اكمل وجه.. وشخصياً لا اعتقد ان تشكيل هذه اللجنة جاء من قصور في اجتهادات المسؤولين في الوزارة.. بقدر رغبتهم في إشباع ما يعتمل في نفوس المثقفين.. بما يساعدهم على التفرغ لأداء ما نذروا أنفسهم له.. ولكن هذه اللجنة شرّقت وغرَبت لتهتدي بما فعله الآخرون.. قبل أن تجتمع بأفراد الأسرة لسبر ما لديهم (؟).
وقد أشفقت على هذه الوزارة التي تعتبر وليدة.. بحكم المسؤوليات الجديدة التي أنطيت بها.. وعلى أي حال يجب أن لا ننسى أن مسؤوليات هذه الوزارة قد تضاعفت.. وهي تعتمد في مواردها المالية على ميزانية الدولة.. ولا يخفى علينا مقدار الضغوط التي تقع على عاتق الدولة في دعم مشاريع التنمية بجميع مجالاتها.. في ظل عدم استقرار أسعار النفط.. وأيضا عدم وجود موارد مالية للدولة غير البترول.
ومن يتابع القنوات الفضائية بجميع فئاتها وتوجهاتها يتعجب من التمويل السخي الذي تلقاه برامج المسابقات في هذه القنوات.. من رجال الأعمال السعوديين قبل غيرهم.. وكذلك حفلات الرقص والغناء المبتذل في هذه القنوات.. وكلها نشاطات تساعد على التسطيح باسم الثقافة والفن.. وهي أبعد ما تكون عنهما بعد المشرقين.. وأعذرهم في ذلك لعدم وجود قنوات ثقافية محددة.. يمكنهم المساهمة فيها.
وقد كتبت مؤخراً عدة مقالات أشرت فيها إلى أهمية الدعم المالي للنشاطات الثقافية الجادة.. إذا كنا نرغب في إنجاز يمكننا المفاخرة به.. وقد ساهمت الدولة أدام الله عزها طوال السنوات الماضية في تجهيز البنية التحتية الأساسية.. وتمثلت المخرجات في الكم الهائل من المثقفين الذين يحتاجون إلى الدعم لمواصلة المسيرة.. ومن الظلم تحميل الدولة جميع المسؤوليات.
ولذلك أتعشم من مجلس الغرف التجارية السعودية أخذ زمام المبادرة في الاتصال بالمسؤولين في وزارة الثقافة والإعلام.. والتنسيق معهم في المجالات التي يمكن لرجال الأعمال المساهمة فيها.. تحت مظلة المجلس.. على أن يتم تحديد الأطر والاستراتيجيات عن طريق مبادرة سمو سيدي الأمير/ عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه للحوار الوطني.
وبهذه المناسبة أود الإشارة إلى أن مفهوم الحوار الوطني ليس مجرد كلمات عشوائية منمقة.. تسطر على صفحات الصحف.. أو تلقى من المنابر.. فمفهوم الحوار هو فعل يؤدي إلى تطوير الأداء.. أو رأي (والرأي قبل شجاعة الشجعان) يساهم في اختيار الفعل المناسب.. أو توجيهه نحو المسارات المرغوبة.. ويصعب تحويل هذه الأفعال إلى واقع ملموس بدون تمويل مالي مناسب.. ورغبة مني في المساهمة بالرأي أقترح مبدئياً مشروعين:
المشروع الأول: يمكن تحقيقه من قبل رجال الأعمال.. وينحصر في تخصيص دكان واحد أو اثنين في كل مركز تجاري.. كمقهى ثقافي.. يتم تزويده ببعض الصحف والمؤلفات المحلية.. وأثاث بسيط.. وبراد ماء.. بحيث يمكن لأي شاب يرافق أسرته الى هذا المركز قضاء وقت ممتع بين مخرجات العمل الثقافي (المحلي فقط - فضلا).. وينتظر أسرته فيه بدلا من التسكع فيما لا نفع فيه.. ومضايقة الزبائن.. ويجب عدم معاملته كمشروع تجاري.. بل كمشروع خدمي مجاني.. ويمكن ان يشكل عامل جذب لهذا المركز أو ذلك بقدر ما يحويه المقهى من نفائس..
المشروع الثاني: ويجب ان يكون تحت مظلة مجلس الغرب التجارية السعودية.. وهو إنشاء المركز السعودي للإعلام والثقافية.. بحيث يتحمل المجلس 60% من ميزانية المركز السنوية.. والنسبة المتبقية تتحملها وزارة الثقافة والإعلام.. وتكون من ضمن مسؤوليات المركز:
1 التوثيق البيبلوغرافي للأعمال الإعلامية والثقافية التي صدرت خلال المائة عام المنصرمة (يمكن تنفيذها على مراحل.. بحد اقصى خمس سنوات).. مع متابعة الأعمال المستجدة.. وأصحابها.. لتكون مرجعا لكل باحث..
2 - توزيع جوائز شهرية لأفضل عشرة أعمال إعلامية أو ثقافية ( سعودية فقط فضلا) وكذلك توزيع جوائز سنوية لأفضل عشرة «مشاريع» إعلامية أو ثقافية (سعودية ايضا فقط فضلا).. والغرض من توزيع هذه الجوائز هو حفز مكامن الإبداع المحلي.. بحيث يمكننا مفاخرة الجيران به.. وبخاصة أن لدينا جائزة الملك فيصل العالمية.. وبقي أن نفكر في المستوى المحلي. ويجب على المسؤولين في هذا المركز متابعة ما يطرح في الساحة من أعمال ومشاريع ثقافية وإعلامية.. وليس من المفترض أن يتقدم صاحب العمل أو المشروع بمعروض يستجدي فيه إحدى هذه الجوائز.. وعلى الله قصد السبيل.
عبدالرحيم بخاري
|