تم صباح أمس بسلامة الله وصول حضرة صاحب الجلالة الملك فيصل إلى تايبيه عاصمة الصين الوطنية وكان في استقبال جلالته في المطار فخامة رئيس الجمهورية شان كاي شك على رأس عدد كبير من رجالات الدولة الرسميين والوزراء وأعضاء المجلس النيابي وكبار القادة وضباط القوات المسلحة وأعضاء السلك السياسي ورئيس وأعضاء الجمعية الإسلامية في تايبيه ووفود من الشباب المسلم وجمع غفير من أبناء الشعب الذي أخذ يهتف بحياة العاهلين العظيمين.
وبعد انتهاء مراسم الاستقبال الرسمي سار موكب الزعيمين عبر شوارع العاصمة الصينية وسط جماهير غفيرة من أبناء الشعب الصيني التي حملت أعلام المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الوطنية يلوحون بها تعبيرا عن مشاعر البهجة والفرحة بهذه الزيارة.
وفي الساعة الخامسة من بعد الظهر استقبل جلالة الملك في القصر الذي أعد لنزول جلالته كلا من دولة نائب رئيس الجمهورية ومعالي وزير الخارجية الصينية وعمدة بلدية تايبيه الذي قدم لجلالته مفتاحا من الذهب لمدينة تايبيه اعرابا عن مشاعر اعضاء المجلس البلدي والمواطنين الصينيين نحو جلالته.
وفي المساء أقام فخامة الرئيس كاي شك حفل عشاء على شرف جلالته تخلله القاء كلمة ترحيبية من قبل فخامة الرئيس شان كاي شك بالضيف الكبير وأشار فيها إلى الروابط الأخوية التي تربط البلدين الشقيقين ومما قاله فخامته: انني انتهز الفرصة لاعرب لجلالتكم عن احلى التهاني على الانتصارات والانجازات التي حققتموها لبلادكم ولشعبكم في حقبة قصيرة جدا وقال يجب على بلدينا أن يتعاونا تعاونا وثيقا باستمرار في سبيل منع توسع الشيوعية وتفشيها حرصا على حرية الإنسان وذودا عن السلام العالمي.
وعقب ذلك رد جلالة الفيصل بكلمة معبرة أوضح فيها موقف المملكة العربية السعودية من القضايا العالمية والعربية وشكر الرئيس كاي شك على حفاوته وتمنى للبلدين كل تقدم وازدهار.
هذا وقد قام الرئيس شان كاي شك بتقليد جلالة الملك وساما من الدرجة العليا وقدم جلالته سيفا ذهبيا إلى فخامة الرئيس.
وصرح مصدر مسؤول بأن المواضيع التي جرى بحثها بين جلالة الملك فيصل وفخامة الرئيس شان كاي شك قد اشتملت على عرض لوجهة النظر العربية حول الوضع في الشرق الأوسط وأوضح فخامة الرئيس شان كاي شك رأيه في المواضيع المتعلقة بجنوب شرق آسيا ومحاربة الشيوعية وامكانات زيادة التبادل الاقتصادي بين البلدين. وأضافت وكالة الانباء الصينية إلى ذلك قولها بأن زيارة جلالة الملك فيصل ستقوي العلاقات بين البلدين وخاصة في المجالات الزراعية والثقافية وان محادثات تجري بين البلدين لتوقيع اتفاقيتين للتعاون الزراعي والتبادل الثقافي حيث سيكون من نتائج اتفاقية التعاون الزراعي تحسين زراعة الارز في المملكة.
وقد أبرزت الصحف والمجلات الصادرة في تايبه صباح ومساء أمس أخبار الزيارة الكريمة واشادت بالدور البناء الذي يقوم به جلالة الملك فيصل في سبيل نصرة القضايا الإسلامية والعربية كما نوهت هذه الصحف بالنهضة القائمة في المملكة في جميع نواحيها العمرانية والاقتصادية والثقافية والزراعية.
ويسرنا ان نثبت فيما يلي نص الحديث الصحفي الذي أفضى به الرئيس كاي شك إلى الاستاذ أحمد عبدالغفور عطار أثناء زيارته للصين الوطنية قبل سبع سنوات لاهمية ما جاء فيه من لفتات حول الارهاب الشيوعي.
لاشك أن يقظة القارة الآسيوية يعود فضلها إلى الادباء والكتاب والمفكرين وبعض قادة الشعوب وزعمائها ومن أبرز هؤلاء القادة المارشال شيان كاي شيك، فهو ليس موقظ الصين وحدها، بل يعد من أبرز موقظي آسيا..
وهو رجل يجمع في خلائقه ومزاياه مزايا السيف والروح وأخلاقه أخلاق الفروسية، نبل وشمم وبطولة ونخوة واباء وعفة ونجدة وجلاد وصبر وكفاح.
وشيان كاي شيك عبقري ملهم، وزعيم تجتمع فيه الأخلاق والصفات المثلى الكبيرة، فهو متحدث بارع وخطيب يأسر الجماهير، ومع انه أربى على السبعين فانه يمتاز بصحو الذهن ويقظة الملكات وقوة النفس والروح.
وعندما قابلته بقصره في حفلة الشاي التي اقامها لي انتهزت الفرصة وطلبت إلى فخامته أن يجعل لقراء عكاظ نصيبا من هذه المقابلة ورجوته أن يتحدث إلى عكاظ، فوافق فخامته وحيا عكاظ تحية صادقة لأنها الصحيفة الوحيدة في الشرق الاوسط التي برزت إلى الوجود الحرب الشيوعية وكل مذهب هدام، واعلاء كلمة الحق والدفاع عن الكرامة الإنسانية عامة دون النظر إلى لون أو جنس أو لغة..
وقال فخامته:
«ان علاقة البلاد العربية بالصين قديمة، وكانت علاقة مودة، واستقبلت الصين الإسلام أحسن استقبال مما يدل على أن شعب الصين صادق الحب للعرب والمسلمين، واليوم تزداد الصلات وثوقا بين البلاد العربية المقدسة والصين».
ثم قال فخامته:
«أرجو أن ترفع لجلالة الملك فيصل وللشعب العربي السعودي تحياتي الصادقة، تحيات رجل يقدركم أعظم التقدير، وتحيات شعب الصين العظيم».
وقال فخامته:
«ان بلادنا ترحب بالاخوان السعوديين وجامعاتنا مفتوحة الأبواب للطلاب السعوديين».
ثم قال فخامته:
ولئن كان الشيوعيون الذين اغتصبوا الحكم في الصين الكبرى فتكوا بالمسلمين ومنعوهم من الحج ودمروا المساجد والمدارس الإسلامية فان الامل قوي في تحرير الصين من الشيوعية، وعندئذ تعود إلى المسلمين الذين يعدون بعشرات الملايين في الصين حرياتهم، وحقوقهم، وليس ذلك ببعيد».
وقلت لفخامته: ما رأي فخامتكم في الشيوعية التي استفحل شرها وانتشر أمرها عقب الحرب حتى الآن؟ وما السبيل الذي يفضي إلى القضاء عليها؟
فأجاب فخامته قائلاً:
«قوى الشر الهدامة اللئيمة انتشرت نتيجة لعدم استعداد العالم للقضاء عليها، بل اعطاؤه اياها فرص الحياة والقوة والنماء، وزحف الشيوعية لا يزال مستمراً واذا أراد العالم أن ينعم بسلام حقيقي وأمن شامل وطمأنينة حقة فليس أمامه غير سبيل واحد وهو العمل الجدي المثمر، وان كل هدنة مع الشيوعية هي في صلاحها، وكل صداقة مع الشيوعية لا تثمر إلا اعطاءها فرصة تقوي فيها نفسها وتستعد للسيطرة على العالم ولن يكون بين الشيوعية وأي مذهب أو دين وفاق، فواجب الإنسانية كلها مضافرة الجهود حتى يقضي على الشيوعية والا فانها ستعيش في قلق دائم».
وقلت لفخامته: ان الصين الكبرى تنتظركم بفارغ صبر لتحريرها من الشيوعية التي قضت على إنسانية شعبها وكرامته، فمتى تبدأون كفاحكم لتحريرها؟
«ان كفاحنا لتحرير الصين الكبرى لم ينقطع يوما، ونحن قد أعددنا كل شيء لغزو الشيوعية، وتحرير شعب الصين وسترى أنت نفسك ما أعددنا من قوى تطمئن وكل شيء قد أعد ورتب ولكن لكل شيء أو أنا ما يسبقه ولا يتأخر عنه، ومتى آن الأوان سيتم كل ما أعددناه، ويوم تحرير الصين الكبرى من الشيوعية ليس ببعيد».
وقلت لفخامته: أترون أن العالم سيتطهر من الشيوعية وما وسيلة هذا التطهر فقال: «نعم ولكن يقتضى ذلك بذل المزيد من التضحيات حتى تتخلص الإنسانية من هذا العدو الذي قام على أساس تحطيم كل المثل الإنسانية، يجب على العالم غير الشيوعي أن يتحد ويواجه الشيوعية حتى يستطيع أن يقضي عليها، وان انتشار الشيوعية دليل على اضطراب الموازين في هذا العالم وسيادة الشر، ولكني مطمئن إلى أن الباطن مدحور، والحق منصور».
واكتفيت بهذا القدر، فقد أخذت من وقت زعيم الصين الأكبر شيان كاي شيك حوالي ساعة، فودعته وأنا أشكر له ما أفضل به من اعطائي هذا الحديث العظيم.
|