حظيت جلسات مجلس الحوار الوطني في دورته الثانية التي عقدت بمكة المكرمة مؤخراً بمتابعة وطنية شاملة كما حظيت آراء المشاركين والمشاركات فيه باستقطاب اهتمامات قطاع كبير من المجتمع السعودي بكل أطيافه خاصة بعد ان أصبح هذا المجتمع يعي خطورة المرحلة التي يعيشها في ظل المتغيرات الكبيرة التي اجتاحت العالم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر الكارثية على أمتنا العربية والاسلامية بعد أن تبناها تنظيم القاعدة واعتبرها غزوة اسلامية - الاسلام منها براء - ليمنح أعداء الأمة فرصة كبيرة للنيل من شعوب العالم الاسلامي والتمادي في ذلك لدرجة احتلال بلدين اسلاميين - العراق وأفغانستان - وأصبحنا ننتظر ما يقرره الآخرون في مصيرنا تحت شعار فضفاض رفعه الغرب وعنوانه «محاربة الارهاب» دون حول منا ولا قوة وبتنا في هذه البلاد المملكة العربية السعودية محل توجيه الاتهامات وتصفية الحسابات من عناصر تؤيد اسرائيل وتحتل مواقع هامة في الادارة الأمريكية وهي ترفض مواقفنا النبيلة ومطالبنا الواضحة لنصرة قضايانا التي لن تحيد عنها ولهذا تتبنى هذه العناصر مواقف ضد المملكة يدعمها الاعلام الأمريكي وأصبح من الضروري أن نواجه هذه الهجمات التي يبدو أنها تتجه نحو التصعيد مع اقتراب الانتخابات الأمريكية ولابد أن تكون مواجهتنا مدروسة وتعتمد على آليات عمل واضحة تأخذ بعين الاعتبار الكثير من الاستحقاقات التي فرضت علينا ومواكبة المتغيرات وإحداث التغيير بأيدينا بدلا من فرضه علينا وهو ما يعمل من أجله مجلس الحوار الوطني الذي يضم نخبة من أبرز المثقفين والعلماء.
وتشهد مجالسنا في شتى المناطق أنواعاً من الحوار والنقاش حول هذه الجلسات لمجلس الحوار الوطني ونتائجها وتتمحور أسس هذا الحوار حول ضرورة التغيير المدروس الذي هو مطلب الجميع لأن العالم اليوم يفرض علينا مواكبة روح العصر وعلينا العمل من أجل إحداث التغيير مع التزامنا بمبادئنا وقيمنا الثابتة الحقيقية التي شوهها البعض بسبب مفاهيم خاطئة وفتاوى باطلة فندها بعض مصدِّريها بعد أن عانينا منها الكثير خلال السنوات الماضية وأحدثت سلبيات كبيرة ونتج عنها إهدار دماء معصومة.
ومن خلال رصد لطرح رجل الشارع السعودي العادي يجد المتابع أن هناك إجماعا كبيراً على الالتفاف حول القيادة وتعزيز متانة الجبهة الداخلية للتصدي للأخطار المحدقة بنا خاصة وأن قيادتنا حريصة على المصلحة الوطنية كما طالب الجميع بضرورة اعتماد أسلوب الشفافية وتسمية الأشياء بمسمياتها وعدم المجاملة أو المداهنة لأيَّة عناصر وتحت أيَّة ظروف في تحقيق التغييرات المطلوبة والحد من الغلو الذي قادنا الى وجود عناصر متشددة وجاهلة في أمور الدين الواضحة أثرت في شبابنا وقادتهم الى هوة الانحرافات الفكرية التي جرت على المجتمع الكثير من السلبيات التي نعاني منها، كما طالب الجميع بعدم رفض الآخر مهما كان بسبب ما نعتقده أنه مخالف لما نراه وكأننا نصادر الرأي الآخر الذي يجب احترامه كما أن الجميع يرون أن خطابنا الديني السائد لازال يعاني من القصور في بعض جوانبه حيث لا زال يرفض الآخر بل أنه يعاديه ويسعى لحربه وتدميره مدعوما باعتقاد لدى بعض المتشددين أن الحياة لابد وأن تكون نكداً وقلقاً وشتائم لمن يخالفنا الرأي حتى تتحقق السعادة في الآخرة وهي نظرة غريبة اعتقد أنها تنافي مبادئ ديننا الحنيف الذي يدعو للحياة الكريمة لكسب الحسنات التي تؤهلنا لنيل رضى خالقنا جلت قدرته، كما أن هذا الخطاب يحرص على المحافظة على الموروثات السائدة مع رفض للأفكار الحضارية الحديثة التي تؤمن بها كل شعوب الأرض ومنها ثقافة المسلم السياسية والوحدة الوطنية ونبذ العنصرية بشتى أنواعها.
وأبدى الجميع تقديراً لتعزيز قدرات مجلس الحوار الوطني وأعضائه منوهين بتواجد عدد من المثقفات السعوديات ضمن المشاركين بالحوار وهو ما يعني اعطاء المرأة دورها الريادي الهام الذي يحاول البعض اهداره والتقليل من مساحة هذا الدور الذي كفله الدين والعرف بل ان الخطاب الديني في بعض جوانبه يطرح بعض العادات الاجتماعية التي تعزز النظرة الدونية للمرأة وقيمتها الاجتماعية ويهتم البعض بكل تفاصيل حياة المرأة معتبراً هذا المخلوق الطيب خطراً يهدد المجتمع وأنها مصدر للعديد من السلبيات وهو ما جعل النظرة للمرأة منحطَّة الى درجة الاحتقار وسحب بعض حقوقها ولكن تواجدها القوي في مجلس الحوار ودورها الريادي في العديد من المواقف كان الرد العملي على هذه الحملات الخاطئة على المرأة التي هي نصف المجتمع وأساس بارز في تشكيل فئات هذا المجتمع.
|