يعصرني الألم وأفجع بموقف اتحاد كتَّاب العرب من المثقفين العراقيين، بعد أن طرد وفد المثقفين العراقيين من قبل اتحاد كتَّاب وأدباء العرب.
لماذا كل هذه القسوة أيها الإخوة؟
ليسمح لي أبناء العراق، بأن أطلب من كل المثقفين العرب أن يوجهوا سلاماً وتحية حب لإخوانهم العراقيين على كل المعاناة التي امتدت 35 عاماً من السجون والحروب والقهر والغربة والتهجير والتعذيب والتجويع والدمار الشامل، الذي سببه حكم طاغية جبان مثل صدام، وكنت أريد أن أشكر من وقف معنا في محننا وألوم من وقف مع قاتل الشعب وصفق له سنينا. وكنت أريد أن أقول اسألوا أية عائلة عراقية في العراق - عدا العوائل المنتفعة من حكم الطاغية والذين كانوا يده المجرمة وسكينه القاتلة، لتنفيذ جرائمه وإطالة عمر حكمه والذين كان أغلبهم من حثالة المجتمع العراقي وساقطيه - اسألوا أية عائلة، ألم تفقد شهيدا أو أربعة شهداء أو سبعة أو حتى أكثر؟ لقد فقدنا جميعا أهلاً وأحبة إضافة لتخريب وطننا وحرماننا منه، فقدنا أحبتنا إما بالسجون أو بالمقابر الجماعية أو بالحروب المفتعلة أو سواها من المآسي التي تفتق عنها ذهن القائد المليء بالأمراض النفسية والعصبية والتي منها داء العظمة فكان القائد الفذ والرمز والضرورة والفلتة والذي يحصل على مئة بالمئة من أصوات الشعب المسكين والمغيّب لعقود طالت وطال سوادها، هذا القائد الذي حوّل العراق من بلد غني جداً الى أفقر بلدان العالم وأذلها.
أيها الإخوة
لطالما بكينا دمعاً ودماً، وها أنا واحدة من ملايين العراقيين المعذبين، مثال حي أمامكم فقدت أخي وأهلي من شهداء وضحايا نظام صدام، أعيش منذ ربع قرن في الغربة لا أملك مالا ولا شبر أرض بوطني ولا بسواه من أوطان العالم، لم يمض علي يوم واحد دونما أبكي الأحبة والوطن، لم يستطع أغلبنا التأقلم مع أوطان أخرى لا تشبه العراق أو ليست هي العراق، لقد أضاع صدام حسين حياة الملايين من الشعب العراقي فهل تظنون أن وجود أكثر من أربعة ملايين عراقي أغلبهم من حملة الشهادات والإختصاصيين والأدباء والفنانين والمفكرين والمناضلين الوطنيين والأبرياء المرتعبين من هول البطش الصدامي، هل تعتقدون أن وجودهم بدول العالم نزهة؟، خاصة أن الشعب العراقي شعب غير مهاجر ولم يهاجر في تاريخه قط، حتى في زمن الدولة العثمانية وصعوبة العيش آنذاك حيث هاجر الكثير من الناس من الدول العربية الى أمريكا وأوروبا ومنهم شعراء وأدباء عدا العراق، وأكبر مثال هو أدب المهجر الذي منه كبار الشعراء مثل إيليا أبو ماضي وميخائيل نعيمة ونسيب عريضة وجبران خليل جبران وسواهم، الذين أسسوا رابطة القلم بأمريكا زمن العثمانيين لم نجد من شعراء المهجر هؤلاء الذين نجلّهم ونحبهم ونعتز بهم أيما اعتزاز - شاعراً واحداً عراقياً، رغم كثرة شعراء العراق على مدى الأزمان، ربما لأن شعب العراق لا يحب الهجرة وهي لا تناسب سيكولوجيته، وقد تكون هذه الميزة ليست محمودة دائما، لكنه هكذا، يحتمل الكثير من البؤس ويبقى منغرسا بأرضه مكتفياً بما عنده من لقمة عيش حتى لو غمسها بالدمع والنحيب رغم كثرة خيرات العراق.
إن هذه الهجرة هي الهجرة الأولى لهذا التجمع البشري الذي بنى الحضارة الأولى وأهدى البشرية الكثير من أسس الحضارة والوجود، هجرته الأولى بزمن الطاغية الذي بزَّ بطغيانه وجبروته كل العتاة في التأريخ، صدقونا لو كنا نعلم أننا سنسجن عشرين عاما بالعراق، سجنا كسجون العالم لا سجون العراق الصدامي لما غادر بعضنا الوطن، لكنه صدام وزمرته لا يعرفون سوى ذبح الناس كالنعاج والتسلي بجثثهم بسكائرهم وممارساتهم اللا إنسانية المرعبة، كما أريد ان أقول:
أيها الإخوة العرب اتقوا الله فينا إن كنتم تؤمنون بالله وخافوا ضمائركم إن كنتم لا تؤمنون به، واسمعوا الشعب العراقي فهو المكتوي بنار الطغاة طويلا، ولطالما اشترى طغاة العراق بأموال شعبه زمامير إعلام لهم وها هو القائد الضرورة كما كانوا يسمونه يعترف بأنه اشترى إعلاميين مشهورين في بلدان عربية وأجنبية وقريبا لا بد للحقيقة أن تشرق ولا بد لدم الشهداء من انتصار وما هي إلا جولة أخيرة وللباطل يوم لا بد منه.
كما كنت أريد أن أقول إن المثقفين هم طليعة المجتمعات والذين لا بد أن ينادوا بالديمقراطية والحب للجميع والتكاتف ونجدة الملهوف والتسامح بين الشعوب والتعايش على أساس إنساني أكثر نبلاً لأن الأدب والفن والثقافة هي الصورة الواضحة للرقي الروحي الذي بلغه الإنسان، لقد صدمت من موقف اتحاد الكتَّاب العرب من المثقفين العراقيين، فهل تسمحون بإهدار حقوق زملاء لكم خرجوا من السجون والمقابر وقهر المنافي والتهجير، ليثبتوا للعالم جرائم الديكتاتور بعد أن أهدرت دماؤهم؟
أيها الإخوة
ما كنا يوما مع احتلال بلدنا ولن نكون، لكنهم هم الطغاة الذين يأتون بشكل مباشر أو غير مباشر لبلداننا بالاحتلال، أفيقوا أيها المثقفون العرب وما هذا الخلط وعليكم البحث عن الحقائق بعمق لأنكم الطليعة والمنقذون لمجتمعاتنا التي تنهار من استبداد بعض حكامها وأجهزتهم القمعية واحدة تلو الأخرى، فما نفع الثقافة والأدب إن لم يساند بقاء الشعوب وحياتها؟ وما نفع الثقافة والأدب إن لم تعلمنا الحب والعطاء؟ وما نفع الثقافة إن هي تحمي وتمد بعمر صنّاع الموت والحروب والدمار؟ وما نفع الأرض بلا شعب يسكنها ويعمرها؟ فهل هذا جزاء مثقفي العراق؟ وهل هذا موقفكم المتضامن معنا؟
وإن لم يكن واجب العربي الدفاع عن أخيه وإن لم يكن من واجب الإنسان الدفاع من أجل الإنسان ضد الظلم والاستبداد وأولهم المثقف فعلى الدنيا والثقافة السلام.
لاهاي/هولندا/30-12- 2003 |