حوار - وهيب الوهيبي:
أثار حذف موضوع (الولاء والبراء) من منهج الصف الأول الثانوي لهذا العام جدلاً واسعاً في الأوساط الشرعية والتربوية وتواصلت ردود الفعل مابين مؤيد ومعارض لهذا القرار وفي هذا السياق يكشف ل«الجزيرة» الدكتور عبدالعزيز الثنيان وكيل وزارة المعارف سابقاً وعضو مجلس الشورى حاليا في معرض حديثه ل «الجزيرة» ان الأولى هو توضيح هذه المسألة بكل صراحة ومكاشفة وإعادة صياغته وتبسيطه للطلاب بصورة تناسبهم. وفيمايلي نص الحوار:
* حذف موضوع (الولاء والبراء) من المنهج الدراسي للصف الأول الثانوي.. ماهو تعليقكم عليه بعد أن أثار ضجة.. خاصة بعد إعلان الشيخ صالح الفوزان رده على وزير التربية والتعليم.. حول ذات الموضوع؟
- موضوع الولاء والبراء لم يحذف لوحده لقد اطلعت على الكتاب المدرسي الذي كان يحويه فوجدت ان الكتاب تم تغييره بالكامل واستبدل بآخر وبالتالي لم يحذف الولاء والبراء لوحده، وأنا لدي الكتابان كلاهما.
* ماذا يعني ذلك.. وهل تعتقد أن المرحلة الماضية التي كان يدرس فيها موضوع الولاء والبراء ليست مناسبة.. وما المرحلة التي تراها أكثر ملاءمة له؟
- أنا في تصوري -ولست في وزارة التربية والتعليم الآن.. ولست مع أي لجنة تعليمية ولكن من خلال رؤيتي للموضوع، وقد كثر الحديث عن هذا الأمر بعد ان قرأت موضوع الولاء والبراء لأن أحد أبنائي في (أولى ثانوي) الذي كان تدرس فيه هذه المسألة- وجدت ان المادة المقررة على الطلاب في (موضوع الولاء والبراء) تحتاج إلى مزيد من الشرح والبيان.. متى يكون الولاء ومتى يكون البراء، وماهي الضوابط الشرعية لهما.
وأنا أستبعدُ ان تكون اللجنة المكلفة بالنظر في الكتب المدرسية إنما أرادت حذف الولاء والبراء بشكل كامل من كل مناهجنا.. فالولاء والبراء جزء من ديننا وجزء من عقيدتنا، والطلاب في هذه المرحلة إدراكهم محدود، ولذا اعتقد ان كل ما يحتاجه الموضوع هو مزيد من الشرح والايضاح.
* ماهو تحليلك أنت، بشكل أكثر صراحة؟
- تحليلي للأمر.. ان اللجان المختصة وهي تراجع وتطور البرامج التعليمية... ومن ضمن ذلك (كتاب التوحيد لأولى ثانوي) رأت ان الكتاب المقرر يمكن تبديله بأنسب منه فاستبدلوه فعلا بآخر، وقد يأتي إقرار مسألة (الولاء والبراء) في (ثاني ثانوي) أو في (أولى ثانوي) مرة أخرى ويكون بأسلوب أكثر وضوحاً.
* هذا عن تحليلك.. ولكن ماذا لو أقصته الوزارة عن مراحل التعليم العام كافة وأصبحت خالية من شيء اسمه الولاء والبراء؟
- أنا شخصياً لا أرى ذلك صواباً.. فالولاء والبراء جزء من ديننا، ولكن الذي يجب علينا هو: إيضاح مقصد الإسلام من الولاء والبراء، فليس المقصود منه معاداة كل من اختلف معنا في ديانته أو مذهبه، فالقرآن والسنة أوضحا لنا متى نعادي ومتى لا نعادي.. يقول تعالى: { لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
نحن بحاجة إلى أن نوضح للطلاب هذه المسألة بصراحة ومكاشفة.. ولا نخجل من ذلك، فهذا شرع الله ودينه. والمصطفى صلى الله عليه وسلم كان يخدمه غلام يهودي، (كما في البخاري).. فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له: أسلم.. فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمدلله الذي أنقذه من النار. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخدمه غلام يهودي ويزوره عند والده اليهودي.. وفي ذلك دلالات كثيرة تجسد منهج الإسلام في التعامل مع الآخر.
وما أشير إليه لايمثل إلا نزراً يسيراً من أدلة كثيرة.. في الكتاب والسنة توضح التعامل مع غير المسلمين، ومنهج الولاء والبراء.
* هل تريد بذلك ان تقول: ليس علاج مسألة (الولاء والبراء) الهروب منها.. ولكن تقديمها بصورة يفهمها الناشئة؟
- نعم... وأنا أجزم أن وزارة التربية والتعليم تعمل على ذلك، وأن الموضوع سيأتي بصورة أوضح وبشكل أيسر، وأرجو ألا نستبق الأحداث.
* ذكر معالي الوزير ان حذف موضوع الولاء والبراء تم بمشورة العلماء هل نفهم من ذلك -بصفتك رجل تربية وتعليم- انه لا يستشير إلا أولئك العلماء الذين يوافقونه في آرائه وتوجهاته؟!
- أنا لا أعتقد أنه يجوز لنا ان نحمل وزير التربية والتعليم ما لا يحتمل أو نقوله ما لم يقل.. بتأويل كلامه.
أنا أفهم من كلام الوزير ان: مثل هذا الموضوع القول الفصل فيه للعلماء المختصين في الشريعة، ولهذا وزارة التربية والتعليم يوجد لديها وحدة في التطوير التربوي تسمى (وحدة المواد الإسلامية) والمختصون في تلك الوحدة بالإضافة إلى مجموعة من العلماء الأفاضل يشاركونهم دراسة مثل هذه المواضيع.
وأنا بصراحة شديدة.. لا أفهم من كلام وزير التربية والتعليم حذف الموضوع والغاءه، وإنما أفهم: ان الموضوع بالصياغة القائمة والموجودة في أولى ثانوي رأى الفريق المكلف من المختصين عرضه بصورة أكثر وضوحاً.
وأنا معهم ان في العرض القائم يحتاج إلى المزيد من الشرح والتبسيط.
* ولماذا الاقتصار في المشورة على (علماء) معينين منتقين؟!
- أي شخص في مركز وزير التربية والتعليم لابد ان يكون لديه مستشارون محدودون ولا يستطيع أن يستشير كل الناس.
وأنا أقول: ينبغي أن يسود بيننا الاحترام.. فمن يريد ان يكون لرأيه احترام عليه أن يحترم هو الآخر رأي سواه، دون استباق لسوء النية.
وأنا أذكر أننا -قبل عشر سنوات تقريبا- عندما أتينا إلى موضوع تعليم الصلاة في المرحلة الأولية الابتدائية، كان النص الموجود في ذلك الوقت.. نصاً إملائياً مملاً، نحن وضعنا عليه حرف (إكس) وقلنا يستبدل هذا النص بأسلوب حواري سلس (بم تبدأ الصلاة؟ ماذا تقول في الركوع؟..الخ) فخرجت أصوات حينذاك تزايد على وزارة التربية والتعليم، مدعية أن الوزارة حذفت موضوع الصلاة من تلك الصفوف.
* هل تريد بذلك ان تقول إن غالبية المجتمع غوغاء..؟!
- لا .. أنا لا أقول إنهم غوغاء.. ولكنهم -أحياناً- يتعجلون في إصدار الأحكام، لابد من التأني والتروي.
* هنالك إشكالية أخرى تثار بين المعلمين.. فهم يقولون: إن أكثر الموضوعات تطرح في المقرر على شكل استبيان يتيح للمعلم ان يدلي برأيه.. إلا موضوع الولاء والبراء رغم أهميته لم يطرح أي استبيان عنه.. هل ذلك معناه أن الوزارة أرادت حذفه (خلسة) في غفلة من المجتمع كما يتهمها البعض؟!
- هذا سؤال يوجه للوزارة فلست في موقع المسؤولية.. ولا أدري هل أُعِدَّ استبيانٌ أم لا.. هذا شيء.
الأمر الآخر ليس كل موضوع لابد من أخذ رأي المعلمين فيه.
ثم إنني بكل صراحة أقول لك: إنني قرأت موضوع الولاء والبراء كما هو موجود في الكتاب السابق.. فوجدته بحاجة إلى إعادة صياغة.. ولا يتناسب مع فهم إدراك الطلاب الدارسين له.
* الآن أفهم من كلامك أنك تؤيد وزارة التعليم في حذف موضوع الولاء والبراء.. وربما تكون أيضا أحد من أشاروا بذلك؟
- (ضاحكاً) أما المشورة فلم تكن.. ولكن معالي الأخ الدكتور محمد الرشيد.. احترمه كثيراً.. ولكني اختلف معه واتفق، والخلاف لايفسد للود قضية!
وليس لي أي علاقة بالوزارة، غير أن هم التعليم يسير في عروقي ودمي.
وإذا ما عدنا إلى موضوع الولاء والبراء فإنني أرفض بشدة حذف الموضوع بشكل كامل من غير رجعة، لكنني مع إعادة صياغته وتعديله.. وتوضيحه وتبسيطه.. وان يتلقى أبناؤنا تعليم القضايا الحساسة (كالولاء والبراء) في كتب محررة ومأمونة وعلى أيدٍ ناصحة أمينة خير لنا ولهم من أن نحدث فراغاً لديهم.. يدفعهم إلى تلقفها من أي مصدر آخر!
* وماذا لو قيل لك: ما دمت مقتنعاً بحاجة الموضوع إلى تبسيط وتوضيح.. فلماذا تركت الوزارة وأنت تصلح من شأنه؟!
- أولاً: المقررات المدرسية المسؤولة عنها وزارة التربية والتعليم تزيد على المئات، فكل مرحلة لها مجموعة من المقررات التي تختلف عن أختها، وكل صف في كل مرحلة أيضا له كتبه الخاصة به.. وبالتالي أمام المسؤول مئات الكتب ولا يستطيع الإحاطة بها جميعا، وإذا وردت من الميدان ملاحظة على هذا الكتاب أو ذاك درس المختصون في «التطوير التربوي» تلك الملاحظات وأجروا التعديل اللازم. والكتاب المتضمن لموضوع «الولاء والبراء» لم ترد عليه أي ملاحظة في ذلك الوقت.
* حتى من قبل الكتاب والصحفيين..؟
- لا أتذكر ان تساؤلاً أو أي انتقاد وجه إلى هذا الموضوع فترة عملي في الوزارة ولكني لا أستبعد ان يثار موضوع آخر في أي كتاب من مقررات التعليم العام بعد سنة من الآن فيقال: أين أنتم عنه في ذلك الوقت! المهم أن آلية التطوير موجودة وقائمة وتتمثل في وكالة التطوير التربوي بوزارة التربية والتعليم التي تضم نخبة كريمة مؤهلة من ذوي التخصصات العلمية المتنوعة، يقومون بالتطوير والتعديل بشكل دائم ومستمر شأنهم في ذلك شأن وزارات التربية والتعليم في كل دول العالم.. ولذلك فإن الوكالة المشار إليها تكفينا مؤونة الرصد والمطالبة بالتطوير والتعديل ولا يجوز ان نبعد عن ذاكرتنا الأحداث والتغيرات الدولية الراهنة.
|