توقفت كثيراً أمام مقال للأستاذة فاطمة البدر تحت عنوان «الوهابية.. المصطلح وأزمة الإعلام» والتي نعت فيه على الإعلام العربي ترويج مصطلح «الوهابية» ترديداً وراء الإعلام الغربي الذي ما فتىء منذ أحداث سبتمبر يصورها على أنها عقيدة قائمة على العدوان والإرهاب، وأصبحت الوهابية هي حبل المشنقة، والفرية التي تروج لها دوائر الإعلام الصهيونية والإدارة القابعة في البيت الأبيض الآن من نسيج هذه الحركة العنصرية حتى وصل بهم الأمر إلى حد تحميلها أوزار الإرهاب وتفجيراته في الشرق والغرب، وفي الوقت الذي كان يتحتم على الإعلام لدينا أن يتحاشى السقوط في شرك ترديد المصطلح، وأن يبادر إلى التصحيح بدلاً من الترويج، نجد البعض من أربابه يركبون موجة المصطلح ناسين أو متناسين أن الشيخ لم يبتدع ديناً جديداً بل جاء ليخلص أهل الجزيرة مما ابتدعوه وأقحموه ونسبوه إلى الدين الإسلامي وهو منه براء، هكذا كانت دعوة الرجل عودة بالجزيرة وأهلها إلى صحيح الدين الذي هو عند السلف وعند الخلف وإلى أن تقوم الساعة دين الوسط العدل والدلائل على ذلك كثيرة ولا مجال لذكرها، إذ هي معروفة لدى العامة والخاصة، فإلاسلام يراعي حاجات الإنسان المتكاملة الجسدية والنفسية والروحية، وهو دين السلام الذي هو- في الإسلام- اسم من أسماء الله الحسنى، وهو دين يدعو إلى السلام في موضعه والحرب في موضعها والدعوة للدخول فيه لا تكون إلا بالحكمة والموعظة الحسنة، والقرآن الكريم يخاطب الرسول المصطفى «صلى الله عليه وسلم» بقوله:{وّلّوً كٍنتّ فّظَْا غّلٌيظّ القّلًبٌ لانفّضٍَوا مٌنً حّوًلٌكّ}.
وهو الدين الذي أسس حقوق الإنسان وحرر المرأة من قيود الجاهلية ورتب لها وضعاً يلائم طبيعتها، هذه القواعد والأسس ثابتة، فما بال أناس كنا نراهم ونسمعهم إبان حرب الخليج الثانية يدعون للعودة لمذهب السلف وهم اليوم أنفسهم يغيرون العنوان داعين إلى الوسطية فيما يشبه التعريض بالسلفية والوهابية بالتبعية.
وإلى أي مدى تنسحب المصداقية عن أولئك الذين كانوا يدعون قبل قرابة عقد ونصف العقد بالعودة إلى السلفية وهم اليوم ينادون بالوسطية؟!
الوهابية.. السلفية.. الوسطية.. مفردات تستغل في غير مواقعها الطبيعية وللدلالة على معان تفوق كثيراً ما يمكن أن تعنيه مادتها الاصطلاحية أو حتى اللغوية، وهكذا يحلو للبعض أن يتقلب من جلد إلى جلد، ويقول اليوم غير ما كان يقوله بالأمس إرضاء لهذا التوجه أو ذاك.
|