أسعد بن سليمان عبده
أشكر المهرجان الوطني للتراث والثقافة، وأبارك لمعالي الأستاذ محمد بن ناصر العبودي هذا التكريم الذي هو أهل له. ويشرفني المشاركة في هذه الندوة بحديث عن الجانب «الجغرافي - البلدانيات» في إنتاجه. ومع أن إنتاجه في هذا المجال كثير كثير، فقد التزمت بأن يكون ما أكتبه في حدود عدد الصفحات المحدد من اللجنة المنظمة.
لهذا أدخل مباشرة إلى الموضوع، وأبدأ في تقسيم ما نشره العبودي عن البلدان إلى قسمين:
- ما كتبه عن المملكة العربية السعودية، خاصة كتابه المتميز «بلاد القصيم».
- كتبه عن رحلاته إلى بلدان غير المملكة العربية السعودية.
ثم أحاول أن ألقي بعض الضوء على كل من هذين القسمين، خاصة القسم الثاني، معتمداً على ما تمكنت من الاطلاع عليه، وما تسمح به هذه الصفحات القليلة.
أولاً: كتاب «بلاد القصيم»:
صدر هذا الكتاب عام 1399هـ في ستة أجزاء، ضمن كتب «المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية»، وهذا الكتاب معجم جغرافي اختص بمنطقة القصيم، يذكر اسم المكان ويبحث فيما كتب عنه في اللغة العربية، وفي أبيات من الشعر، ويعطي معلومات عن المكان، ويستند المؤلف في بعض ما يكتبه على زياراته الميدانية.
أشرت في مقال منشور إلى مميزات في كتاب «بلاد القصيم» مقارنة مع كتب أخرى في «المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية»، منها أن العبودي رتب مواد كتابه «حسب حروف المعجم لا بالنسبة للحرف الأول فقط بل بالنسبة أيضاً للحرف الثاني والثالث إلخ»، كما أنه جَعَلَ الاسم الحالي للمكان - وليس الاسم القديم - هو المدخل في كل مادة من مواد المعجم «لكنه يذكر الاسم القديم أثناء التعريف بالمكان، كما أنه يشير إلى الأسماء القديمة في الفهرس مبينا الصفحات التي ورد فيها ذكر الاسم القديم..» (عالم الكتب، رجب 1400هـ، ص4-21).
وكتاب «بلاد القصيم» معجم يرجع إليه جغرافيون وغير جغرافيين.
ثانياً: كتب رحلات العبودي:
هذه كتب كثيرة، فيها معلومات لا نجدها في غيرها، عن بلدان يعيش فيها مسلمون؛ كما أن في هذه الكتب آراء وانطباعات ومشاعر إنسانية، وهي كتبٌ أسلوبها سهل يصور المكان بأبعاده وألوانه، بمن فيه وما فيه، يأخذك مؤلفها معه في رحلته، يتحدث إليك بصدق، فتثق به وتأنس لما يقول.
بلغ عدد كتب الرحلات المنشورة «إلى عام 1424هـ» مئة وثلاثة كتب، إضافة إلى ستين كتابا لم تنشر بعد، وبذلك يكون مجموع كتب الرحلات مئة وثلاثة وستين كتابا؛ وهذا رقم قد يجعل العبودي أكثر مؤلف عربي معاصر ألّف في مجال الرحلات. لكن تميز كتب رحلات العبودي ليس بسبب كثرتها وحسب، وإنما أيضاً لكون هذه الكتب تعتمد على رحلات قام بها المؤلف لهدف خدمة الإسلام والمسلمين، خاصة في البلدان التي فيها أكثرية غير مسلمة، وبالأخص البلدان التي لا نعرف عن المسلمين فيها إلا القليل، أولئك المسلمون المنسيون من إخوانهم في الدول الإسلامية، من أجل هؤلاء رحل العبودي إلى كل القارات وكثير من جزر البحار والمحيطات.
وكتب عن المسلمين هناك وعن بلدانهم مذكرات يومية، تحولت إلى هذا العدد من الكتب. ولمعالي الأستاذ العبودي كتب أخرى - غير كتب الرحلات - منشورة وغير منشورة، تجعل عدد كتبه يصل إلى مئة وتسعة وثمانين كتابا. (إلى شمال الشمال: بلاد النرويج وفنلندا، ص3 -13 والغلاف الأخير).
رحلات عمل
قام العبودي برحلاته التي ألف عنها كتبا بناء على تكليف من جهات كان يعمل فيها: الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والهيئة العليا للدعوة الإسلامية، ورابطة العالم الإسلامي.
بدأت رحلة العمل الأولى في 26/3/1384هـ، واستغرقت ثلاثة أشهر وسبعة عشر يوما، وشملت زيارة تسع دول إفريقية (في إفريقية الخضراء، ص2،ص14).
وقام بعد تلك الرحلة برحلات كثيرة، يقول: «... فكان كاتب هذه السطور بتوفيق من الله، وحسن ظن أولياء الأمور أحد أولئك الرجال الذين ظلوا كثيري الترحال، بل صاروا من مدمني التسيار في الأقطار (إلى شمال الشمال: بلاد النرويج وفنلندا، ص3 - 13).
ولم يكن الهدف من رحلاته تأليف كتب، يقول في مقدمة أول كتب رحلاته: «سجلت خلال زياراتي في مذكرات يومية انطباعاتي ومشاهداتي في تلك الأقطار، وحين كنت أكتب تلك المذكرات لم أكتبها لتكون تأليفاً، وحتى بعد كتابتها لم أكن أظن أنها ستكون كذلك..» ( في إفريقية الخضراء، ص2، ص7-8).
وكانت له رحلات عديدة قبل رحلة العمل الأولى إلى إفريقيا، لكنه لم يكتب في تلك الرحلات مذكرات يومية، ولم يصدر عنها كتبا.
قد يسافر منفرداً وبدون حجز سكن ويركب دراجة نارية: سافر إلى نيروبي في 1398هـ، حيث لم يكن أحد في استقباله في المطار، ولم يكن لديه حجز في فندق، وغامر بركوب «تاكسي» من المطار في الساعة الثانية بعد منتصف الليل. يقول: «وليس معي مرافق، ولا يوجد إلا سيارات (التاكسي) التي هي نفسها خطر.. ولكن لا سبيل غير ذلك وتوكلت على الله.. حتى وقف (السائق) على باب الفندق.. فقلت له: إنني لم أحجز، لذا أخشى ألا أجد غرفة فيه فينبغي أن تدخل معي للفندق، قلت ذلك لئلا أتركه مع حقائبي» (جولة في جزائر البحر الزنجي، ص17-18).
وكان في إحدى المدن بشرقي الهند، وطلب من أحد المسلمين في تلك المدينة أن يريه المساجد، فرحب بذلك، وأخذه إلى دراجة نارية فركبها. يقول العبودي: «... ثم أمرني بالركوب خلفه، وترددت، فأنا لم أركب دراجة نارية في حياتي إلا مرة واحدة قبل سنتين في... كشمير. وأسرع بدراجته وأنا أتمايل عند الدوران، ويخيل إلي أنني سأسقط من الدراجة، ولكنه يمد يده من خلف ظهره يحاول أن يمسك بي دون أن يلتفت، ثم يقول لي: تمسك بكتفي. وأنا أقول له بكل رجاء وتوسل: من فضلك تمهل، إنني أخشى السقوط، فلا يستجيب لطلبي..» (في شرق الهند، ص33 - 34).
وقد يرأس وفدا ويُسْتقبَل رسمياً وتؤدى لموكبه التحية العسكرية: يقول عن وصوله إلى موسكو في 6 رجب 1406هـ أنه وجد عند باب الطائرة عدداً من المستقبلين المرحبين، صحبوه وأعضاء الوفد إلى قاعة كبار الزوار في المطار، وخصصوا له سيارة رسمية سوداء اللون طويلة تخصص عادة لرؤساء الجمهوريات عندهم، وتقدم للضيوف الكبار من الوزراء ومن في حكمهم، كما خصصوا لأعضاء الوفد سيارة معتادة لكل اثنين منهم، و«أنزلونا في فندق أشبه بالقصر العظيم.. وأنزلوني في جناح تألف من غرفة للنوم وغرفة للطعام تفصله عنها قاعة للجلوس وفيه حمامان وعدد من الخزائن.. كما أنزلوا الإخوة «أعضاء الوفد» كل واحد في غرفة واسعة» (في بلاد المسلمين المنسيين، ص27- 30). ويقول عن موكب الوفد في «طشقند»: «وكان موكب وفدنا حافلاً تتقدمه سيارة المرور العسكرية فتخلي السيارات الطريق ويؤدي له جنود المرور التحية العسكرية» (في بلاد المسلمين المنسيين، ص67).
لم يكن الهدف من رحلاته تأليف كتب
يقول: «سجلت خلال زياراتي في مذكرات يومية انطباعاتي ومشاهداتي في تلك الأقطار، وحين كنت أكتب تلك المذكرات لم أكتبها لتكون تأليفا، وحتى بعد كتابتها لم أكن أظن أنها ستكون كذلك..» (في إفريقيا الخضراء، ص2، ص7-8).
مؤلف متميز
يتميز معالي الأستاذ العبودي بأمور عديدة لا مجال لحصرها، منها: خلفيته العلمية الدينية، ونجاحه في مجال الدعوة الإسلامية وخدمة المسلمين، وحبه المعرفة الجغرافية والرحلات، ومعرفته اللغوية وقدراته الأدبية، ومعرفته اللغة الإنجليزية، واستفادته من السفر إلى بلدان أجنبية.
كتب مشاهدات وملحوظات
يقول في مقدمة أحد كتبه: «... أذكر القارئ الكريم.. بما حاولت أن أذكره به في كثير من كتبي في الرحلات، وهو أنه كتاب مشاهدات وملاحظات، وليس بكتاب دراسة عميقة، أو بحث مجمعي موثق بالإحصاءات والتفصيلات، فذلك له أماكن أخرى من كتب أخرى» (ذكريات من خلف الستار الحديدي.. ص13-16)، ومع ذلك فإنه في كتاب «بلاد العرب الضائعة: جورجيا» كتب فصلا عن «جورجيا عند مؤرخينا القدماء» (ص23-45).
محتوى هذه الكتب
يحتوي كل كتاب من كتب رحلات معالي الأستاذ العبودي - بشكل عام - معلومات يعتمد معظمها على ما يجمعه ميدانيا وما يشاهده ويلاحظه، وتشمل اسم البلد، وموقعه الجغرافي مع توضيحه بخارطة، وشيء من جغرافية البلد من الناحية الطبيعية والبشرية، ومعلومات عن المسلمين في ذلك البلد، وآراء وانطباعات ذات قيمة كبيرة.
وغالباً ما يبدأ الكتاب بمعلومات متنوعة مختصرة عن البلد، ثم معلومات عن المسلمين فيه، ثم تأتي المذكرات اليومية التي تكون معظم صفحات هذه الكتب، وتشتمل هذه المذكرات على تسجيل عن أحداث الرحلة حسب اليوم والتاريخ و الوقت، من بدء الرحلة إلى انتهائها (الاستعداد للرحلة والحجوزات، والمرافقون، ومطار المغادرة والخدمات فيه، والطائرة والخدمة فيها، وما يراه بعد نهوض الطائرة من سطح الأرض وسحاب وسماء وكذلك عند هبوط الطائرة، ومطار الوصول والخدمات فيه، والاستقبال والمستقبلون، والذهاب إلى الفندق، والفندق ومستوى الخدمة فيه، وغرفته في الفندق وملحقاتها، والجولات والزيارات والاجتماعات، والكلمات التي تلقى في المناسبات، والهدايا، والمساعدات، وكل ما يشاهده في البلدان التي يزورها). كما تحتوي الكتب على صور التقط المؤلف معظمها.
ويلحظ أن اهتمامه بالبلدان التي لا نعرف عنها وعن المسلمين فيها إلا قليلاً، أكثر من اهتمامه بغيرها من البلدان، خاصة من حيث التفصيل في المعلومات.
كما يلحظ أن كتب رحلات معالي الأستاذ العبودي تبين جانبا مما قامت به بلادنا، المملكة العربية السعودية، بهدف خدمة الإسلام والمسلمين في كل مكان، ومن ذلك: إرسال وفود للاتصال بالمسلمين في بلدانهم والتعرف على أحوالهم وأنسب السبل لمساعدتهم، وإنشاء مساجد ومراكز إسلامية ومدارس إسلامية في بلدان بعضها لم يكن فيها مسجد أو مركز إسلامي أو مدرسة إسلامية، وتقديم مساعدات مالية مباشرة وغير مباشرة للمسلمين في تلك البلدان، وتقديم منح دراسية لأبناء المسلمين، وتزويد المساجد والمراكز الإسلامية والمدارس بالمصاحف وبكتب ودعاة وأئمة ومدرسين..
وبناء علاقات مع قادة المسلمين في تلك الدول، وجمع معلومات حديثة عن المسلمين في كل البلدان. كما تبين هذه الكتب بعض النتائج الإيجابية لتلك الجهود الخيرة.
ينبه إلى الأسماء العربية لأماكن معروفة بأسماء غير عربية: من ذلك: نهر إيتل «الفولقا» «الفولجا»، وبلاد الشاش «طشقند»، وبلاد الكُرْج «جورجيا»، ونيل غانه «نهر السنغال»، وبر الزنج «زنجبار»، والبحر الزنجي «المحيط الهندي» المقابل لساحل إفريقيا الشرقي.. وغير ذلك.
يذكر معاني أسماء جغرافية أجنبية من ذلك: السويد تعني الجنوب، والنرويج تعني الشمال، وأستوكهولم تعني مستودع الجُزُر، وولاية «ماتو قروسو» في البرازيل تعني ولاية الحشائش الكثيفة.. وهكذا.
نصوص مختارة من مشاهداته وآرائه
جوازات وتفتيش
يقول عن سفره في ساعة مبكرة في الصباح من مطار نيروبي: «أما الجوازات فلم أجد في مكتبه (مكتب موظف الجوازات) أحدا، وكان (المكتب) مظلما، فطرقت المكتب بيدي فإذا به (موظف الجوازات) نائم..، ولما رأى جوازي سعودياً فرك عينيه مرة أخرى.. ثم وضعه جانبا وأخذ يسأل أسئلة لا معنى لها.. ولما نفدت الأسئلة قال: أريد شيئاً، ولما كان لا يستحق ذلك لم أعطه...، وهذا أمر لم أعهده في كينيا من قبل» (جولة في جزائر البحر الزنجي، ص34).
وصف طائرة
يقول عن طائرة الرحلة من دمشق إلى موسكو يوم الثلاثاء 2/11/1410هـ: «والطائرة للخطوط السورية، وهي نفاثة صغيرة من طراز تي يو 154 ومن صنع روسي.. ونظراً لأن تذاكرنا في الدرجة الأولى، فقد أجلسونا في مقدمة الطائرة.. ولكنني لاحظت وأنا في أول صف من الطائرة أنه أسوأ من مقاعد الدرجة السياحية في الطائرات العالمية، لأنني إذا وقفت مستقيما ضرب السقف رأسي، ... لم أستطع أن أمد رجلي كما أفعل إذا كنت راكبا في الدرجة السياحية، وقل مثل هذا أو قريبا منه في الطعام.. المائدة التي وضع عليها الطعام تكاد تدخل في صدرك..، احتجت الدخول إلى الحمام فوجدته ضيقاً خالياً من الورق الذي تنشف به الأيدي..» (الرحلة الروسية، ص28-29).
وصف طريق
يصف الطريق من مدينة «سق تونا» إلى مدينة «أستكهلم»: «... طريق واسع سريع اسمه «طريق أوروبا رقم 4».. ، اخترق الطريق جنات ملتفة، إلا أنها منسقة، ولا يشينها إن لم تقل يزينها إلا أوراق قد بدأت تحمارُّ أو تصفارّ حين مسها برد أكتوبر، الذي هو كبرد ديسمبر في نجد، فصارت كالمريض الذي اصفر لونه قبل أن يذبل ويموت، إلا أن موتها إلى نشور، لا يستمر إلا عدة شهور حتى يحل عليها الربيع، وهو كربيع الشباب قصير في هذه البلاد، ولكنه ربيع كالشتاء عندنا يتبعه صيف كربيعنا، وفي خلال هذه الفصول الثلاثة غير الشتاء.. تتنزل الأمطار الغزار حتى تستمر أحيانا طول الليل وأحيانا طول النهار، مما جعل البلاد بلاد الأنهار والبحيرات..» (إلى جنوب الشمال: بلاد السويد، ص60).
وصف مدينة
يقول عن «فيلونس» عاصمة لتوانيا: «.. عدد سكانها لا يزيد على 700 ألف... فيها وسائل متعددة من وسائل النقل العامة.. «الترللي باص».. في كل الشوارع.. إلى جانب الحافلات.. وعربات الترام.. إلى جانب سيارات الأجرة المعتادة.. شوارع القسم القديم من المدينة ضيقة إلا أنها ذوات أرصفة جيدة، يكثر فيها المشاة الذين هم من الأوروبيين الذين نعرفهم، إلا أنهم يتميزون بكثرة الشقرة فيهم، وبرشاقة ظاهرة في نسائهم بالنسبة إلى جيرانهم من الروس» (في بلاد البلطيق، ص42).
معلومات سكانية:
يقول: «الشعب السويدي ثابت العدد، بل إن الإحصاءات الأخيرة تدل على أن عدده ينقص بمعدل ما يقارب 200 ألف نسمة في العام، ولكن المهاجرين يزيدونهم قليلا..، وعلى هذا تكون المدن السويدية ثابتة العدد «عدد السكان»، وبعضها ينقص عدد سكانه، ولذلك يمكنها أن تبقى على حالتها أو ما يقارب حالتها القديمة، في عدد السكان وعدد المنازل، إلا ما كان من العاصمة التي قد تزيد بسبب مجيء المهاجرين إليها من الريف والمدن الصغيرة. وإن كان بعض أهلها «العاصمة» القادرين يغادرونها للعيش في مدن صغيرة أو في مناطق ريفية، طلبا للهدوء، وبعدا عن تكدير المدينة وتعقيداتها» (إلى جنوب الشمال: بلاد السويد، ص65 - 66).
معلومات سياسية
«خلعوا على بلادهم لها اسما عاما هو الاتحاد السوفييتي، الذي يعني بالترجمة الحرفية الاتحاد الشوري، فالسوفييت معناها الحرفي الاستشاريون، والجمهورية السوفيتية من هذه الجمهوريات هي جمهورية سوفيتية أي شورية، بمعنى أن الأمر فيها هو شورى بين أهلها وهو شورى فيما بينها وبين الجمهوريات الأخرى داخل الاتحاد السوفييتي. هذا هو المدلول اللفظي للكلمة وإن كان في الحقيقة من باب تسمية الشيء بنقيضه» (في بلاد المسلمين المنسيين، ص20).
«ومما يجدر ذكره هنا أن بلاد «السويد» كان يحكمها الحزب الاشتراكي منذ 40 سنة إلى ما قبل سنة واحدة، حيث انتخب الحزب المحافظ الذي حاول أن يعالج اقتصاد البلاد بالحد من النفقات التي كان الحزب الاشتراكي قد التزم بها، ومن ذلك بعض ما يتعلق بالضمان الاجتماعي، مما جعل بعض الناس الذين يمسهم هذا الأمر بصفة مباشرة يغضبون على سياسة هذا الحزب المحافظ» (إلى جنوب الشمال: بلاد السويد، ص168).
الصلاة
يقول في يومياته عن مدينة ريقا عاصمة لتوانيا: «... صلى بنا الإمام.. صلاة الظهر، فجهر في الركعة الأولى بقراءة الفاتحة وسورة الإخلاص بعدها، ثم جهر في الركعة الثانية بقراءة الفاتحة وسورة الكوثر.. الأغرب منه أنه جهر بالتشهد.. والأفظع من ذلك كله أنه سلم للظهر عندما صلى ركعتين فقط» ( في بلاد البلطيق، ص150). ويقول في يومياته عن مدينة في بولندا: «... صلينا الظهر خلف إمام المسجد.. فصلى الظهر أربعاً يجهر فيها كلها.. وكان قال لي: إن الظهر عشر ركعات، أربع قبلها، واثنتان بعدها، وهي أربع، والأغرب.. أنه يسألني في محضر من القوم عن عدد ركعات صلاة الجمعة، أهي اثنتان أم أربع؟ فأسرعت أقول له: إنها اثنتان، فالتفت إلى قومه وقال: ألم أقل لكم إنها اثنتان؟!» (في بلاد البلطيق، ص151).
إعجاب بالبرازيل
«... بلاد البرازيل - عمرها الله تعالى - التي يكون الإفطار فيها أكثر تنوعا من طعام العشاء، وقد ذكرت ذلك في الكتب التي ألفتها عن البرازيل وعددها سبعة» (في بلاد البلطيق، ص40).
«على غاية من الأدب في المرور والجلوس والتعامل مع الآخرين.. فهؤلاء البرازيليون يفعلون ذلك من قلوبهم بإخلاص غير متكلف» (في غرب البرازيل، ص13).
«سبحان الذي أعطى أهل البرازيل هذا العطاء الجزيل» (في غرب البرازيل، ص14).
وإعجاب بالسويد
«... الذي لا يكاد يصدقه المرء.. أنها (الحكومة السويدية) تساعد الجمعيات الإسلامية في السويد على قيامها بالدعوة إلى الدين الإسلامي، حتى إذا عرفَتْ أن جمعية إسلامية قد فترت همم أصحابها عن العمل في الدعوة الإسلامية، وأنها تركت ذلك لسبب من الأسباب، قطعت عنها المساعدة المالية، وصرفتها إلى غيرها من الجمعيات الإسلامية العاملة، أو احتفظت بها لمن يعملون عملا إسلامياً أكثر». (إلى جنوب الشمال: بلاد السويد، ص33).
«كثر من بني قومنا، وبخاصة من المتدينين.. يجعلون ديدنهم هجو السويديين، وتكرار نعتهم بالانحلال والفسوق..، إذ يتجاهلون الخطوات الإنسانية التي اتخذها السويديون في الميادين الاجتماعية وغيرها..، وفعلهم ذلك قد يجعل الشاب المسلم ممن لا يعرفون الأمر على حقيقته، وإنما يسمع ذلك سماعا من أولئك الغيورين، يظن بل ربما يرسخ في ذهنه، أن العدل والضمان الاجتماعي والأمور الإنسانية الجيدة التي عند السويديين، إنما مرجعه إلى كونهم فسقة منحلين، وإنه لا بد لبلوغ تلك المرتبة من العدل والضمان الاجتماعي من أن يكون الشعب الذي يريد أن يصل إلى ما وصلوا إليه مثلهم، بأن يعمل مثل عملهم، مع أن ذلك غير صحيح، بل ربما كانوا هم أنفسهم متذمرين من الانحلال الاجتماعي ومن الفسوق المستشري في بلادهم» (إلى جنوب الشمال: بلاد السويد، ص34-35).
وإعجاب بمسلمي الهند مما يدل على ذلك ألف عشرة كتب عن الهند (حتى 1419هـ)، يقول في واحد منها: «وهدفي من هذا الكتاب - بالدرجة الأولى - هو أن يطلع الإخوة المسلمون في العالم على حال إخوتهم المسلمين في الهند، وعلى ما بذلوه، بل ما أسسوه واستنوه من عادات حميدة في عمارة المساجد، وإقامة الجامعات والمدارس، وتخصيص دور الأيتام، ورعاية العجزة وذوي العاهات..» (في شرق الهند...، ص7-8).
رأيه في اللباس العربي والعالمي
يقول في رحلة إلى الاتحاد السوفييتي:« وأما نحن فإننا كنا نلبس الثياب العربية الكاملة، وذلك لكون زيارتنا رسمية» (في بلاد المسلمين المنسيين، ص37).
ويقول في رحلة إلى السويد: «من عادتي أن ألبس اللباس العالمي المسمى الإفرنجي في المطارات الدولية..»، هذا اللباس الذي يلبسه بنو قومنا في الوقت الحاضر، ليس بلباس العرب المسلمين الأوائل..، ولا نستطيع أن نقول: إنه اللباس الإسلامي»، اللباس العربي في أوروبا، يدل عند الأوروبيين» على أن لابسه أحد رجلين: إما ثري من العرب الذين يعتبرونهم من الأغنياء الأغبياء..، و إما رجل مغفل متأخر - في نظرهم - لا يقدر الأمور حق قدرها، ولا يعرف للظروف حكمها، لأنهم هكذا عرفوا أناسا من بني قومنا»، الزي العالمي، الذي كان يسمى بالزي الإفرنجي قد أصبح شاملاً للعالم كله، حتى أصبح لابسوه في العالم أكثر من لابسيه الإفرنج» (إلى جنوب الشمال: بلاد السويد، ص40-43).
مقارنة مسؤولين بمسؤولين
أعجب باهتمام المسؤولين في سيدني «أستراليا» بجميع الشوارع حتى التي ليست في قلب المدينة، ويقارنهم بمسؤولين في بلاد أخرى «.. يقصرون اهتمامهم بالأماكن التي يراها الناس، أو يمر بها الرؤساء أو الكبراء الذين بيدهم الحول والطول، ويدعون الأماكن العامة التي ينتفع بها الجمهور من الناس مهملة ذات أوضاع سيئة.. الشعب في البلاد المتعلمة المتقدمة، هو الذي يختار المسؤولين في البلديات والخدمات العامة، حتى إذا أساء أحدهم حاسبه وعاقبه على أفعاله في إهماله.. وأما في الشعوب المتخلفة، فإن المسؤولين يعينون من قبل الرؤساء والكبراء..» (إطلالة على أستراليا وحديث عن المسلمين، ص50-51).
سبب ثراء الدول الصناعية
يقول: «لولانا نحن المستهلكين..، لما أثرت هذه الدول الصناعية..، لأن المهارة الصناعية هي تحويل المواد الخام الرخيصة إلى مواد مصنعة غالية، فمثلاً لو نظرنا إلى الساعة.. وجدنا أن المواد الخام الموجودة فيها.. لا تساوي دولاراً واحدا، ولكن تلك الساعة تساوي مثلا مئة دولار.. (إلى جنوب الشمال: بلاد السويد، ص45).
وبعد
لو اقتصر إنتاج معالي الأستاذ محمد بن ناصر العبودي على كتاب «بلاد القصيم» وحسب، أو على كتب الرحلات وحسب، لكان جديراً بالتقدير والتكريم، وذلك لما تتصف به هذه الأعمال من ريادة وتميز، فكيف وإنتاجه يشمل الاثنين معا إضافة إلى كتب أخرى ومحاضرات وإسهامات متنوعة.
أكرر التهنئة لمعاليه. وأشكركم جميعاً.
*ورقة ألقيت في مهرجان الجنادرية بمناسبة اختيار الشيخ محمد العبودي شخصية العام الثقافية
|