استطاع الأستاذ عبدالله الكثيري أن يلفت الانتباه بمهارة إلى موضوع مهم في حياة المسلم، ألا وهو السفر إلى الآخرة، فكتب البعض حول هذا الموضوع وأثروا عزيزتي الجزيرة بلآلئ ودرر من حسن القول والفائدة، أرغب أن أشاركهم في هذا الموضوع الذي يستحق وقفات كثيرة لما له من أهمية، خصوصا أن الكثير من الناس قد أغفل هذا الموضوع، يتحاشى البعض ذكر الموت فإذا ذكر أحدهم الموت في مجلس فإنك قد ترى من الجالسين منهم من يزوي شفتيه بامتعاض ومنهم من يشيح برأسه والبعض الآخر قد يحاول إسكات المتحدث أو تغيير دفة الموضوع بطرح حديث آخر، يدعي البعض أن ذكر الموت يجلب الحزن ويكدر عليهم مجالسهم، يحسبون أن ذكر الموت يجعل الفرد سوداوي التفكير كاره الحياة، فاقد الأمل، منعزلاً عن الناس خائر القوى قليل العمل منعدم النشاط، هذه مزاعمهم فهل هي صحيحة؟؟إذا كان ذكر الموت يجعل المسلم سلبياً في حياته كما يزعمون فلماذا يطلب منا رسولنا صلى الله عليه وسلم الإكثار من ذكره وليس مجرد ذكره فقط في قوله: «أكثروا من ذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات»، الرسول الكريم أدرى بشؤون أمته وكلامه حق لا ينطق عن الهوى، لا ريب أن هذا الموضوع إذن له فوائد كثيرة في حياتنا يجب أن نفكر في هذه الفوائد، إن ذكر الموت يجعلنا أكثر إنتاجية في حياتنا على عكس ما يقال، سأوضح هذا:
1- ذكره يجعل المسلم أكثر إيماناً وتقى، يجعله يقلع عن المعاصي ويقبل على الطاعات من منا لا يتأثر مثلا من هذا التصوير الحي للحظة الموت {كّلاَّ إذّا بّلّغّتٌ التّرّاقٌيّ (26) وّقٌيلّ مّنً رّاقُ (27) وّظّنَّ أّنَّهٍ الفٌرّاقٍ (28) وّالًتّفَّتٌ السَّاقٍ بٌالسَّاقٌ (29) إلّى" رّبٌَكّ يّوًمّئٌذُ المّسّاقٍ} وقوله سبحانه: {وّجّاءّتً سّكًرّةٍ المّوًتٌ بٌالًحّقٌَ ذّلٌكّ مّا كّنتّ مٌنًهٍ تّحٌيدٍ}.
2- يطهر قلب ذاكره من الحسد والغل ناحية إخوانه المسلمين، فمن يذكر لحظة الزوال سيحس أن الدنيا لا تستحق كل هذه المشاحنات {وّمّا الحّيّاةٍ الدٍَنًيّا إلاَّ مّتّاعٍ الغٍرٍورٌ} هذا سينسيه خلافاته ومشاحناته مع الغير التي تثيره وتقلقه وتؤثر على عمله، وسيقبل على من اختلف معهم يصالحهم ويتسامح معهم {وّالًكّاظٌمٌينّ الغّيًظّ وّالًعّافٌينّ عّنٌ النَّاسٌ} مما سيؤثر إيجابياً على حياته ونفسيته وعلى إنتاجيته.
3- من يستحضر الموت في ذهنه سيخاف الله ويراعيه في كل صغيرة وكبيرة ويقوم بما عليه من واجبات وعمل بأمانة لقول رسوله: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» لذا سيكون أكثر حيوية ونشاطا وإتقاناً في عمله وكذلك أكثر نشاطا في القيام بواجباته نحو أسرته وأكثر اهتماما بهم.
3- من يذكر لحظةالفراق سيسعى في عمله وكذلك أكثر نشاطاً في القيام بواجباته نحو أسرته وأكثر اهتماماً بهم.
4- من يذكر لحظة الفراق سيسعى لمساعدة إخوانه المسلمين احتساباً للأجر واستعداداً لهذا اليوم «الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه» يصل أقاربه وجيرانه وإخوانه المسلمين ويساعدهم ويتودد إليهم مما يجعل منه إنسانا اجتماعياً وعضوا فاعلاً في المجتمع.
5- ذكر الموت يزيل الغموم من قلب المؤمن، فقد يقنط أحدنا بسبب ضيق الرزق وكثرة المصائب، يصاب باكتئاب حاد يجعله منعزلا عمن حوله ضعيف النفس غير قادر على الإنتاج والعمل، ولكن حين يتذكر قول الشاعر:
هب الدنيا تقاد إليك عفوا
أليس مصير ذلك للزوال
هذا سيجعله يستصغر المصائب يعطيه ثقة في النفس وقوة على التحمل وصلابة في الروح «المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف» فيقبل على شؤون الحياة بنفس راضية سعيدة {أّلا بٌذٌكًرٌ الله تّطًمّئٌنٍَ القٍلٍوبٍ}.هكذا رأينا أن تذكر يوم الفراق يجعل المسلم أكثر التزاما بالدين وأصفى قلبا وأهدأ نفسا وأكثر إنتاجية ونشاطا في حياته وعمله وأكثر تفاعلاً مع مجتمعه وجزى الله خيرا كل من أفادنا بهذا الموضوع.
سارة العبدالله |