Monday 5th January,200411421العددالأثنين 13 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مشاهدات من القمة الخليجية مشاهدات من القمة الخليجية
يوسف بن محمد الضبيعي/سكرتير أول بوزارة الخارجية

يلاحظ المتابعون لاجتماعات مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بدءاً من مستوى الخبراء والفنيين والوزراء ووصولاً إلى لقاءات الخير السنوية التي تضم القادة الخليجيين في اجتماعات القمة، إنها تتميز دائماً بروح الألفة والمحبة والتعاون التي طبعت بسمتها الطيبة كافة النشاطات الخيرة لهذه المؤسسة الخليجية التي استطاعت البقاء والصمود والنماء رغم الكثير من التحديات والصعوبات والأحداث الجسام التي عصفت بمحيطها الإقليمي والدولي.
والقمة الخليجية التي عقدت مؤخراً في دولة الكويت لم تخرج عن هذا السياق، بل هي تأكيد وتأصيل لذات المبادئ الحميدة التي حكمت مسيرة التعاون الخليجي واستمرت ديناميكيتها بروح الأسرة الخليجية الواحدة في تاريخها وأصولها وروابطها وتجذر قيمها الاجتماعية والثقافية المشتركة وفي تطلعاتها لبناء حاضرها ومستقبل أجيالها القادمة.
وإذا كانت اجتماعات الكواليس أو ما يعرف ب «ورش العمل» تشهد عادة في المنظمات الإقليمية والدولية كثيراً من الشد والجذب والتصارع والتشاحن بين مختلف الأطراف المشاركة حول الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال بحثاً عن مكاسب ذاتية أو تدمير مواقف خاصة أو اعتزازاً بالسيادة (ربما يكون في غير محله) وأقرب دليل على ذلك ما جرى مؤخراً في اجتماعات وزراء الخارجية في دول الاتحاد المغاربي التي فشلت في تهيئة اجتماع قادة دول الاتحاد لأسباب مختلفة ليس المجال مجالاً للخوض فيها، فإن المتابع والمشاهد في الاجتماعات الخليجية يرى سيادة روح التآخي والتراضي والتوافق الأخوي والقبول الجماعي بالنتائج التي يتوصل إليها الجميع بكل محبة وتسامح بعيداً عن الحدة والتشنج في طرح وجهات النظر أو في مناقشتها، وإذا ما ظهرت بعض الاختلافات الجزئية فهي لا تتجاوز دائماً إطارها الأخوي وحدود الاختلاف المنطقي المعقول حول بعض الوسائل والأساليب أي الإجراءات وليس الأهداف العامة المتفق حولها دائماً، وهذا ما أكدته باستمرار عقلانية ومرونة السياسات الخليجية التي اتصفت بالواقعية والاتزان في تعاملها مع المستجدات والمتغيرات الإقليمية والعالمية.
ولهذا فقد جاءت قرارات قمة الكويت محصلة لهذا النظرة الخليجية الثاقبة والتقييم الصحيح للأحداث وتطوراتها، فكانت اتفاقية مكافحة الإرهاب التي اتفق في شأنها القادة الخليجيون وفوضوا وزراء الداخلية بالتوقيع عليها تعبيراً عملياً عن الحاجة الماسة لتحصين مجتمعاتنا ضد «أصل البلاء» وأساس العلة المتمثلة في جرائم الإرهاب والتطرف المتسترة باسم الدين الحنيف وهو براء منها، خصوصاً بعد أن أصبح الإرهاب ظاهرة عالمية تستدعي مزيداً من العمل الدؤوب والجهود الميدانية والوقائية المنسقة لاجتثاثه من جذوره في إطار الحملة الدولية الشاملة لمكافحة الإرهاب والإرهابيين والتصدي لهم.
كما يأتي القرارالمتعلق بإصلاح التعليم وتطوير مناهجه ليؤكد وعي قادتنا بأهمية مراجعة المناهج والمواد التعليمية التي يتلقاها النشء الخليجي بغرض تدعيم العناصر الإيجابية فيها وتخليصها مما قد يكون علق بها من مفاهيم خاطئة تساعد على الغلو والتطرف والعنف أو تثير مشاعر الكراهية تجاه الآخرين، فإصلاح التعليم وتطوير مناهجه وزيادة الكفاءة العلمية والفنية للعاملين في مجاله، يشكل دائماً هدفاً خليجياً لمواكبة متغيرات العصر والاستفادة من منجزاته العلمية الحديثة بما ينسجم مع الاعتبارات الوطنية الراسخة.
كما أن ما توصل إليه المؤتمرون من توصيات وقرارات مهمة أخرى تتعلق بالجانب الاقتصادي كتوحيد العملة والتعرفة الجمركية والسوق الخليجية المشتركة وإنشاء هيئة التقييس والمواصفات وتنقل المواطنين في دول المجلس بالبطاقة الشخصية جاء في الحقيقة نتيجة إدراك القادة لضرورة التسريع وتفعيل العمل الاقتصادي والاجتماعي لشعوب المنطقة في ظل الظروف الراهنة لاسيما التكتلات الاقتصادية فالمهم ليس إصدار القرارات وأنما تفعيلها وتطبيقها وتحويلها إلى واقع ملموس.
من جانب آخر فإن الوحدة الخليجية تجلت في جانب مهم منها وهو الموقف الخليجي الموحد تجاه الهيئات العربية والدولية كالجامعة العربية والأمم المتحدة خصوصاً دعوة الأمين العام للجامعة العربية لحضور المؤتمر على الرغم من وجود بعض الخلافات معه من بعض الدول الخليجية إلا أن دولة الكويت آثرت دعوته تعزيزاً للعمل العربي المشترك، ولعل أبرز ما تم في هذا الخصوص هوالاتفاق على تقديم ورقة عمل خليجية موحدة لإصلاح البيت العربي وجامعة الدول العربية سوف تقدم بمشيئة الله إلى مؤتمرالقمة العربي القادم الذي سيعقد في تونس.
وإذا كانت منظومة المجلس تسعى لتحقيق طموحات الشعب الخليجي وفق المتاح لها ورغم أن طموح وأمل المواطن الخليجي أكبر بكثير مما تحقق له خلال مسيرة المجلس التي قاربت على الربع قرن وما ذلك إلا عشماً بقادتهم لمعرفة هؤلاء المواطنين بحنكتهم وإخلاصهم لأوطانهم وشعوبهم، إلا أن على المواطن الخليجي أن يقدر هذه الجهود وتلك القرارات الصادرة من القمة وأن يكون حليماً بعض الشيء حيث إن تلك القرارات لم تكن وليدة لحظة كما يتصور البعض وما البيان الختامي الذي يتلى عادة في الجلسة الختامية بورقات معدودة إنما تم تحضيره بعد جهد جهيد واجتماعات مكثفة على كافة المستويات تصل لعام وأكثر فتحية منا لهؤلاء ومطلوب المؤزارة والمباركة لهم.
ومع ذلك تظل آمال وطموحات المواطنين الخليجيين كبيرة، ويظل حلم الوحدة الخليجية أحد المحفزات الأساسية لعملنا الخليجي المشترك.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved