Monday 5th January,200411421العددالأثنين 13 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الحاكم والمحكوم الحاكم والمحكوم
د. موسى بن عيسى العويس /الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة الرياض

قليل من رجال الحكم والقائمين عليه يحظى بثقة وثناء المحكومين، وينال منهم صادق ودهم، ولو صورت له بعض الأقلام والوجوه ذلك أروع تصوير وأعظم تمثيل، إذ ربما كان دافعهم المجاملة، أو الخوف، أو الطمع، وهي خصال في نظري مذمومة، الواحدة منها دون الأخرى، لأنها لا يمكن أن تبني شخصية متفردة بتكوينها، أو أمة مستقلة برأيها. وكم يصاب الإنسان بالامتعاض، وهو يقرأ في كتب التراث الأدبي نماذج من مبالغات المتنبي، رغم جودة سبك أسلوبها، حين يقول مادحاً أحد ولاة عصره: تحاربه الأعداء، وهي عبيده وتدّخر الأموال، وهي غنائمه ويستعظمون الموت، والموت دونه ويستكبرون الدهر، والدهر خادمه لكن في المقابل، قليل من الجماهير من ينظر للأمور بعين الإنصاف والعدل، والحكمة والحنكة، ومبدأ التجرد من الهوى والمنافع، وتقديم مصلحة الأمة على سواها، وهو يزن أعمال تلك الفئات التي استخلفت على الحكم، وأوكلت إليها شؤون الرعية. من هنا فقد آمنت برؤية الشاعر وصّدقت، وهو يصف التطرف الكامن في شخص الإنسان، حين يحيد عن الطريق، ويشط به التفكير يقول: نصف خلق الله أعداء لمن ولي الناس، هذا ( إن عدل) وأين هو ذلك الإنسان العادل المعصوم، الذي لم يحد في حياته، و يتبع هواه، ويستغل نفوذه، ويستعمل سلطته، ويستخدم جاهه، فيقرب هذا ويجفو ذاك، ويمالئ شخصاً ويجرِّم آخر، لأسباب متباينة، ودوافع مختلفة؟ كل هذا قد يقع، لكن من المتفق عليه، أو ما ذهب مذهب العرف، أن البرم والشكوى طبيعة في الشعوب قاطبة، وسُنَّة سابقة لدى الأمم عامة، لايغيرها تبدل الزمان، ولايخفف من حدتها اختلاف المكان، ولا تخضع في منطلقاتها لتركيبة اجتماعية. والناس سواء حاكمهم ومحكومهم، صغيرهم وكبيرهم، عالمهم وجاهلهم، شريفهم ووضيعهم، حكيمهم وسفيههم، جبلوا على حب النقد، والاستئثار بالرأي، والعمل في دائرة المطامع الشخصية، والمصالح الذاتية، وتصيد الهنات، صغائرها قبل كبائرها، حتى أصبحت هذه الظاهرة للأسف نغمة مستحبة، اتخذت مجالا للتباهي، وميداناً للخلط بين مسؤوليات الحاكم، أو من هو دونه، وأُخذ كل منهم بجريرة سواه. وكم أعجبتني في هذا السياق عبارات رائعة. وجملا فريدة، استللتها من كتاب ( هكذا علمتني الحياة)، تحتم علينا الأمانة سوقها، إذ ربما تجد من يعي دلالاتها ومعانيها في هذا الزمن، فيذهب بتوظيفها في مسيرة حياته، وبناء دولته، ومجد أمته، لتحتل مكانتها المنشودة.
يقول الدكتور (أحمد السباعي) رحمه الله!! في إحدى خواطره التي دوَّنها على سرير المرض، بعيداً عن اجواء الإثارة أو الخصومات، والتملق والرياء، والمداهنة والمحاباة. وكم كانت جميلة عندي لو جاءت منه هذه الأفكار، وهو في كامل قواه، بين الرجاء والخوف، والأمل واليأس، والقوة والضعف، ينشد الغنى، ويخشى سواه.
يقول: «الحكم الصالح هو الذي يقوم على دعائم، لا محاباة فيها ولا تلاعب.. يفرض هيبته باستقامة ولاته.. وينتزع الحب من قلوب الرعية، بالعدل الذي يساوي بين الناس، واليقظة التي تدفع الأخطار، والتفاني الذي يجهد النفس، ويمنع لذائذ الحياة.. هو الذي يرى ولاته أنهم خدَّام الأمة لا متكبروها.. هو الذي تصان فيه فضائل الأمة من الذوبان، وتحفظ أخلاقها من التدهور والانحطاط، وتمنع عقيدتها من التحلل والتلوث.. وتنمي عقولها بالعلوم والآداب والثقافات، حتى لتكون الأمة إيماناً يبعث على السمو، وكمالاً يدعو إلى الاحترام، وتقدماً بروية واتزان، وشخصية متميزة بين الأمم بحبها للخير ومحاربتها للفساد.. هو الحكم الذي يعمل قادته في وضح النهار.. تكون رجولتهم في أعمالهم أبين منها في خطبهم وأقوالهم.!! هذا هو الحكم الصالح الذي يكون رجاله في قلوب الأمة، والثقة به من رضاها وثنائها، وبقاؤه رهن بتأييدهم».
هذه مثل الحكم الصالح، وسمات الولاة المخلصين التي تعترف لهم الأمة بالفضل والوطنية والإخلاص، وتدين لهم بالولاء والطاعة، فتمتد الأيادي لتعانقهم، متعاونة معهم في البناء، متفاهمة على الخير، لأنهم بهذه الصورة يمثلون إرادة الأمة الصلبة، ووثبتها القوية، ونهضتها السريعة، ومطامحها غير المحدودة، ورقيها المنشود. وكم من الناس من يلتمس هذه المثل في عالم اليوم فلا يجد لها سبيلا، إلا ببلاد قليلة، ولو أنصف المؤرخون لكانت المملكة العربية السعودية بقيادتها الحكيمة، هي المهيأة والمرشحة بإذن الله، لأن تقود العالم بنظامها السياسي الفريد، ودستورها القضائي المكين.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved