Monday 5th January,200411421العددالأثنين 13 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نهاية صدام حسين نهاية صدام حسين
د. محمد بن علي آل خريف

كثيرة هي أحداث التاريخ التي يمكن للإنسان ان يستخلص منها العبر والدروس، ولكن لا أبلغ في العبرة والعظة من تلكم الأحداث التي تشهد حلقاتها وفصولها تتابعاً أمام ناظريك فهي في الحقيقة تمثل فرصة ذهبية لا تقدر بثمن للاستفادة من دروسها، ولكن هذه الدروس لا يمكن الاستفادة منها إلا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. لقد ضج الإعلام العالمي وتبعه الاعلام العربي من هول المفاجأة بعد أسر صدام حسين من قبل قوات الاحتلال الأمريكي، واخراجه في هذه الصورة المزرية والمخطط لها بعناية ولفترة زمن مضت بعد أسره. وقد غاب عن الكثير ان هذه النهاية لهذا الرجل وبعيدا عن منطق التشفي غير مستغربة. فمن تأمل في نصوص القرآن والسنة بوعي وبصيرة وجد أنها حافلة ببيان لا يقبل التأويل بأن مآل كل ظالم حائد عن منهج الله هو الى بوار وخسران. ومع ان هذه النهاية الدنيوية ليست هي منتهى الرحلة البشرية الطويلة في انتظار الحياة الأخروية والبعيدة أحداثها وغيبياتها عن وعي الانسان الحاضر لحكمة بالغة، فإن تقدير الله سبحانه لهذه النهايات في الدنيا ينطوي على حكم لا تغيب عن المتدبر لها وفق الاستهداء بالمنهج الشرعي في رصد الأحداث وتحليل دلالاتها الظاهرة دون تكلف أو تأويل باطني. وبناء عليه، فسأحاول إيراد بعض العبر والدلالات المستفادة من هذا الحدث الكبير الذي ينبغي على المؤرخين رصده ودراسته وفق منهج شرعي قويم يمكن الأمة من استخلاص الدروس والعبر نحو الوصول الى تدابير ومعالجات تجنب الأمة اجترار مثل هذه الأحداث والمواقف المؤلمة وتصحح المسار نحو إصلاح رشيد يهدي ويبني، وإليك أخي القارئ الكريم ما وصلت اليه في النقاط التالية:
1- إن ما آل اليه صدام من سقوط وانهزام مرير لم يكن مفاجأة لمن يدرك شيئا من سنن الله الكونية والقدرية. ولقد بدت ملامح هذه النهاية واضحة للعيان من خلال التمادي الذي أبداه صدام ونظامه في تكريس الاستبداد وهيمنة حكم الفرد المطلق والتعامي عن جميع المعطيات المتتابعة منذ الاجتياح المشؤوم من قواته للكويت ثم إصراره الأعمى على الدفع بقواته الى التهلكة تحت كماشة قوات التحالف آنذاك، وتماديه في غيه بتجاهل نداءات الناصحين بالعودة الى رشده وتحقيق المصالحة مع شعبه وجيرانه، إلا أن قضاء الله وقدره النافذ جعله يرتكس في حماقات أوردته المهالك مقابل عدو متلهف لاستغلال غير شريف لأي سبب للعدوان والسيطرة. ولقد كان في مقدوره لو أراد متسع للتدارك والخروج بأقل الخسائر من كثير من الأزمات التي مرت به بموقف مشرف ولكنه الغباء السياسي والتفرد بالرأي العقيم بعيداً عن الشورى والمداولة مما أفضى الى الردى والهلكة ليس له وأقطاب حكمه فحسب لهان الخطب، ولكن الأذى انسحب على الشعب والأمة أجمع، فلله المشتكى كم من فرد شقي جر على الأمة ويلات ومصائب لا قبل لها بها في حين كم من فرد صالح مخلص قاد الأمة الى العزة والسؤدد بفضل رأي راجح وقيادة حكيمة. وعند الله تجتمع الخصوم.
2- يتجلى في هذا الحدث ان ما بني على باطل فإن مآله الى مثل هذه النهاية فلقد بني هذا النظام على مبادئ فاسدة ومنحرفة رائدها السيطرة والقهر بعيداً عن السعي لتعبيد الناس لخالقهم، قد أمهل هذا النظام زهاء عشرين عاما، فما انفك عن الظلم والاستبداد والفساد والله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته (كما ورد في الحديث النبوي) وكما قال الأول: فإن الله يؤيد الدولة العادلة ولو كانت كافرة ويذل الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة، فدولة الظلم ساعة ودولة العدل الى قيام الساعة، وكل يختار لنفسه فمستقل ومستكثر!. والتاريخ الماضي والحاضر خير شاهد صادق على ما نقول.
3- لا يمكن عزل هذا الحدث مهما كانت مبرراته عما تعاني منه الأمة من ضعف وانكسار أغرى العدو في استباحة سيادتها والهيمنة عليها بشكل مباشر، فالأمة تعاني من ترد لم تمر في رأيي بمثله خلال تاريخها المديد، فهذا التردي من العموم والاتساع بما لا تنفع معه معالجات ومسكنات جزئية بل يحتاج الى وثبة جريئة وتصحيح جوهري يكرس مشاريع الإصلاح والمصالحة مع تمسك واثق بالثوابت والمبادئ التي تمثل سر قوتنا كعرب وتماسكنا ووحدت صفنا مهما شوش المشوشون وأرجف المرجفون الذين يعملون بوعي أو بدون وعي للمشاركة في تكريس الذل والهوان في وقت تئن الأمة العربية من آلام مطارق العدو التي لا ترحم. إن التلهي ببنيات الطريق لن يوصل العرب الى شاطئ النجاة بل سيبقينا ندور في حلقة مفرغة ليس من ورائها طائل. إنه يطول العجب من فئات عربية لا تزال تستهلك جهودها في ممارسات أقل ما توصف به أنها تزيد من تأجيج الفرقة والخلاف في صفوف الأمة إمعانا منها في زيادة الجراح وإهدار الطاقات في صراعات لا تخدم إلا العدو المشترك الذي يتهددنا صباح مساء فما أجهلها من عقول تزيد العدو سهاماً تنكأ جراح الأمة العربية المكلومة فليعد من هذا حاله الى رشده قبل أن تحل عليه لعنة الله ولعنة اللاعنين من المستضعفين والمظلومين من أبناء هذه الأمة.
3-{إنَّ خّيًرّ مّنٌ اسًتّأًجّرًتّ القّوٌيٍَ الأّمٌينٍ} قاعدة راسخة لا تضعف دلالاتها مع مرور الزمن. تتجلى معانيها في وقت الشدائد والمحن، لكن كما قيل الطيور على أشباهها تقع، فإن الأمين لابد أن أمانته ستهديه الى استئجار القوي الأمين والعكس صحيح. ولقد كان من الواضح أن منظومة الحكم التي كانت تحيط بصدام لا تجمعها روابط مبدئية راسخة أو أهداف عليا، بل لا أبالغ إن قلت: إنها لا تتعدى أن تكون فئات مصلحية أمعنت في ولاء كاذب للزعيم الفرد رغبة أو رهبة وطمعاً في مكاسب آنية ضيقة جعلت هذا الزعيم يسبح في خيال مظلم، ومع اشتداد المحن وتسارع الأحداث لم يصح إلا الصحيح فتبخر الولاء المصطنع المبني على جرف هارٍ وانكشفت الخيانات وتخلى الاخلاء عن الزعيم الأوحد وكل بدأ يسعى حثيثا للنجاة بجلده وليذهب البقية للهاوية. لو كانت منظومة الحكم المحيطة بصدام يجمعها هدف نبيل ومبدأ تخلص للدفاع عنه وتؤمن به لما هان عليها التخلي عنه ولفدته بالروح والدم حقيقة لا شعاراً ينادي به لحياة الزعيم أمامه فحسب وهاهو الآن يواجه مصيره بعدما خانه أقرب من كان يثق به.
5- لا مراء في التأكيد على القول: إن القائد برعيته، فهي مصدر قوته ووقود عزته المفضية الى عزة أمته إن صدق، وعليه فإن أول أمارات الضعف والتآكل للحكم هو أن يدب الخلاف والفرقة وفقدان الثقة بين القيادة والشعب، فهو نذير شؤم وشر ليس للحاكم فحسب بل للرعية كذلك لما يمثله من ذلك من خلخلة لاستقرار الكيان وتماسكه وتعريضه لاطماع العدو المتربص وهو ما حدث لصدام ونظامه وشعبه. ولن تتوثق عرى الترابط بين الحاكم وبين شعبه إلا عن طريق الالتفاف حول مبدأ يؤمن به الجميع ويعملون بإخلاص للتمكين له والتعاون المتوازن في سبيل تحقيق المصالح المتساوية بشكل عادل يتيح الفرص للجميع للاستفادة من مكتسبات الوطن حتى تترسخ لدى الجميع الوطنية الحقة التي تدفعهم الى القناعة بأن مصير الحاكم والمحكوم مصير واحد ومشترك في بوتقة منسجمة ومتناغمة ترسخ الاستقرار وتدعم الايمان بالدفاع عن النظام الحاكم الذي يعني لديها الدفاع عن الوطن. ولن يتم الوصول الى هذا المستوى المأمول إلا إذا ترسخ الرضا والثقة بين الحاكم والمحكوم بشكل مجمل وعلى الأغلب الأعم لأن رضا الكافة غاية لا تدرك والله خلق الخلق ولا يزالون مختلفين لكن نوع الخلاف ودرجته إذا ما توفر قدر من الرضا والثقة لدى الجميع فلن يؤثر هذا الاختلاف الأزلي على سير سفينة الأمة إذا ما حسنت النيات وصدقت المقاصد، وهذا ما لم يكن طابع نظام صدام حسين.
6- إن العدو لا يمكن أن يتحول الى محب وصديق مهما أبدى من معان ظاهرها الود فهاهو الغرب الصليبي مضى عليه ردح من الزمن يعد نظام صدام حليفا رئيسا يتعين عليهم دعمه وترسيخ كيانه من أجل خدمة مصالحهم وتكريس هيمنتهم وتدخلهم في المنطقة وبعدما استنفد دوره المرسوم طردوه من كرسيه شر طردة وما شفع له عندهم ما قدمه لهم من خدمات بوعيه وقصده أو بحماقته وغفلته. فلا نامت أعين الجبناء.
7- يتجلى من خلال إلقاء القبض على صدام حسين حقيقة ضعف الانسان وهوانه مهما ارتفع غيه وطغيانه، إذا ما تخلى عنه خالقه وأسلمه لحتفه وما جنت يداه، كما يتجلى منها تقلب الدنيا بأهلها وأنها لا تدوم على حال.
8- ومن العبر البارزة ما نراه من انخداع كثير من أبناء أمتنا بوسائل الاعلام وانقيادهم لها بغير وعي حتى أضحت تسير عقولهم، فتسحرهم أي صورة ينشرها المحتل وتبثها وسائل الإعلام على أنها الحقيقة المطلقة، دون إدراك مراميها وأهدافها الشريرة، وما درى هؤلاء أن الاعلام ما هو إلا جزء من الحرب الشاملة على الأمة يؤدي دوره المرسوم في تشكيل العقول وخلخلة القناعات والتأثير على النفوس المحبطة بمزيد من الذل والخنوع والهزيمة النفسية، والقضاء على أي نبتة تزرع لإعادة الثقة والكرامة. لذا فحري بنا ألا نستجيب لهذا الخداع الاعلامي الماكر الذي تروج له دوائر الشر الصهيوني ومن يسير في ركابها. بل ينبغي أن نرقى بتفكيرنا الى مستوى من التحصين والوعي الذي يميز الخبيث من الطيب ويقاوم كل خداع وغزو، وقد حذرنا الله من ذلك في قوله تعالى:{وّفٌيكٍمً سّمَّاعٍونّ لّهٍمً}. والله الموفق.

فاكس: 4272675 /ص ب: 31886 الرياض 11418


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved