Monday 5th January,200411421العددالأثنين 13 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

وعلامات وعلامات
وقفة تأمل..! (2/3)
عبدالفتاح أبو مدين

بعد هذا التصوير والغناء والفرح، والسعادة بالشباب، مثل صباحات الغجر في أسمار أسبانيا مثلاً، والشاعر هناك، يتهادى نشوان.. فجأة يعوج الخيال إلى معانقة الحرف، لأنه يفضي بصاحبه إلى التأمل والحديث في الأدب وجماله وخياله، ذلك أنه عشق وهوى وسمر يطول كليل الشاعر، وقد يختلفان، لأن الشاعر مقروح، مهجور، فهو حزين، غير أن السابح في الأدب زاده الخيال والتأمل، فهو في عالمه الجمالي يبوح ويرسم أحاسيسه على صفحات الورد، ومداده رضاب الياسمين، ويراعه ياقوتة من بلاد فارس.. هذه بعض تهويمات الأحلام التي أطلق لها العنان، تسري في همس السارين، والطل يسكن الهوى في أفواف الورد والنَّور.!
وتعاقدت مع الحرف
تدججت به حتى الثماله
وعشقت الكلمة
عشت آلامي وآمالي قصيده
وأقاصيص جديدة وعديده
وتساءلت، تساءلت، سألتُ
ما الذي يوردني حتفي؟!
ويلقيني وحيدا في الزحام؟!
كعبارات بليدة
ناضلت عبر جريده
ثم ماتت في الزحام؟!
* نحن مع أحلام شاعر، يغفو ويصحو، غير أني موقن أن الشاعر في قرارة نفسه، وهو يطلق لخياله السبح والحلم إن صح التعبير، يعلم أن ما مضى فات، لكنه يسلي النفس بالآمال، وكما يقول القائل: «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل».. إلا أن شاعرنا الخطراوي، السابح في عالم الخيال والشعر يبوح، وهو لا يغالط نفسه، ولا يغالط مَن يتحدث إليه، وإنما السبح الطويل يجعله يدندن، ليعبر عن حاله، ذلك أنه غير قادر على تحقيق ما نسميه بالمستحيل، غير أننا نحفل بأحلامه ونشجعه عليها، ونسير معه فيها، كما نسير معه في صحوه، وهو يردد:
أين؟! هيهات شبابي!!
عبث الشيب برأسي
وغدا الحلم كوابيس وآهات حبيسه
ومواويل حزينات تعيسه
وأساريع مخيفه
وأراجيف سخيفه
ضُمرت فيها الأناشيد الوريقه
واستقر القحط فيها
وتوالت كبواتي
وتلاشت ذكرياتي
وتهاوت في دهاليز حياتي
لم أعد أذكر شيئا
غير ميلاد شقي
كان في يوم حزين
* لن أقول: إن شاعرنا حزين، أو يتكلف الحزن.! ربما هي حالة وألم نفس، لأن الإنسان المؤمن لا يركن إلى اليأس وإن غشيه الاكتئاب والآلام. وشاعرنا رجل مسلم مؤمن.. غير أنها خطرات تغزو النفس فتهزها وتزلزلها، فتصور ما يتراءى لها وما قد تحس به. الشكوى بوح ومتنفس. وصدق الحق القائل: {أّلا بٌذٌكًرٌ پلَّهٌ تّطًمّئٌنٍَ پًقٍلٍوبٍ}. ونواصل المقطع الذي يكمل الجزء السابق:
بائس الطلعة، قاتم
منذ «سبعين» سنه
يرقة.. أو علقه
ثم واصلت حياتي
كنت كالنحلة تقضي
يومها بين الزهور
تحتسي هذي وهذي
ثم تمضي في حبور
لم يكن يشغلني غير اللعب
* هكذا نحلّق مع شاعرنا، ونمضي معه في هذا الوصف الذي يصور فيه حاله، عبر أطوار عمره، ولعل ما قاله الشاعر ينسحب على شرائح من الناس، الذين يخوضون في حياتهم الدنيا، ويضطربون فيها صعوداً وهبوطاً، شأنهم شأن الكثيرين الذين تعج بهم الحياة، كل مخلوق ينال نصيبه فيها على ما قدر له أو عليه.
* إن الشاعر في تصوير حياته وسبحه الخيالي والوصفي، ينتقل من حال إلى أخرى عبر مراحل العمر، بين الشباب والشيخوخة تارة، وبين الشيخوخة والشباب تارة أخرى، فهو وقارئه أمام شريط من الذكريات، يتقلبان فيه معاً، ذهاباً وجيئة، وكأنهما يشاهدان شريطاً تسجيلياً، ويتأملان مراحل العمر والأيام في دوران الليل والنهار. ونقلب وريقات القصيدة، نستعرض ما سجل عليها مما تجيش به نفس شاعر في عقده السابع، يعرض علينا ما عاش وأدركه وخاض في الحياة.. ولست معنياً بالوقوف مع كل مقطع من هذه القصيدة الخطراوية، ولكن حسبي أن أقرأ منها أبياتا، فتدفعني إلى بث ما اعتمل في نفسي، ثم أقدم مقطعاً آخر منها، غير ملتزم بتسلسل تسجيلها على القرطاس.. وللقارئ أن يبدي ويعيد فيها كما يشاء.
لم يكن قد شاب رأسي
كنت أقوى
كنت أصغر
كان لوني مثل مشروبي أسمر
علسليا يتلألأ..!!
كعصير الثمر ذاب النور في عطفيه صحوا
تتشهاه الصبايا
وتعاطيه التحايا
وتمنّاه الخدور
وأحاديثي نجاوى
هامسات في خفر
مثل حباب المطر
* خيال خصيب، يسبح في التأمل، ثم تقدم الذاكرة الكلمات التي توائم الرؤى المجنحة، عبر موسيقا حالمة أحياناً، حين يكون الحديث عن الشباب وفورته وبذخه وتطلعاته البعيدة، لأن الشباب قوة، يحلو له أن يصارع وأن يتحدى، وفي الأمثال السائرة: «العافية ستّارة».. وحين يبلغ المرء المشيب يردد مقولة: ألا ليت الشباب يعود يوما
* أما في شرخ الشباب وعنفه واندفاعه، فإن شيئاً من التفكير فيما سيكون بعد انسلاخ مرحلة القوة إلى الضعف، عبر المراحل التي صورها الكتاب العزيز في قول الحق: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً) (الروم:54)
}.. شيء من ذلك بعيد عن الإدراك والتوقف عنده ولو لحظات، لأن حال الوثب والقفز والجمز، ليس يعترضها ضعف أو يتخللها شيء من ذلك إلا ما ندر.
وأنا بين أحاديثي ولوني
كصباحات الغجر
ومساءات الحضر
أتهادى في مرح
وأغني في فرح
هكذا كنت حفياً بشبابي
لم أشب بعد..!!
فكانت خطواتي.. وقفاتي
نظراتي.. همساتي
ذات معنى.. ذات طعم
ذات نكهة..
ثم أطلقت لأحلامي العنانا


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved