عندما تقوم المؤسسات الخدمية في المجتمع بواجبها في مجال خدمة الناس، فإن ذلك يلقى قبولاً واستحساناً كبيرين ممن تسدى لهم خدمة الواجب المجتمعي. غير أن مؤسسات المجتمع كثيراً ما تنوء باشكالية الجمع بين ما استقر لديها من فكر مؤسسي ولوائحي ونمطية يومية في التعامل مع الناس من جانب، ومن جانب آخر ما تتطلع اليه الجماهير من تفاعل مستمر مع مصالحها وتقديم تلك المصالح على كل الأعراف المستقرة في المؤسسة، باعتبارها مؤسسة خدمية الأصل في عملها خدمة الناس. وتبدو الحاجة في مجتمعنا السعودي الى مراعاة أحوال الناس أشد وأكبر، انطلاقا من ان المجتمع لا يزال يعتمد على الأعراف التعاونية في علاقاته أكثر من الأعراف والتنظيمات الرسمية، وهذا الأمر يوقع العاملين في القطاعات الخدمية في حرج كبير، ويقسمهم الى أصناف عدة في ادارة شؤون الخدمة المجتمعية. ومن الملاحظ استناد عدد من تلك القطاعات الى أعراف مهنية وتنظيمات رسمية مستقرة منذ زمن. وقد لا تحقق تلك الأعراف والتنظيمات تلبية حقيقية لحاجات الناس المتغيرة والمتبدلة. والسبب في ذلك يعود - غالباً - الى سيادة النمطية التقليدية في عدد من المؤسسات الخدمية، والانهماك في انجاز الأعمال اليومية وفق هذه المنظومة، والرد بها على من ينطق «ببنت شفة» من المراجعين وأصحاب الحاجات الخدمية، حيث تسود ثقافة أن المؤسسة مقدمة على صاحب الحاجة، وتغيب قيمة ان هذه المنشأة إنما أوجدت لخدمة الناس الذين يجب أن تقدم مصالحهم وحاجاتهم على أعمال أخرى قد تكون المؤسسة منشغلة بها من غير حاجة. والمقصود هنا، هو ضرورة أن تعطي المؤسسات الخدمية في المجتمع أهمية كبرى لطبيعة رسالتها في خدمة الناس، وأن تؤمن تلك المؤسسات بأنها إنما تعمل للصالح العام. ومن مقتضيات تحقيق الصالح العام أن توضع جميع ملحوظات الناس من المراجعين والمستفيدين من خدمات المؤسسة موضع الجد، وأن يتم انزالها منزل الأولوية في الاستجابة لها من خلال التقويم المستمر لنشاط المؤسسة وتعديل وتطوير خدماتها وأسلوب تقديم تلك الخدمات، وفق أفضل رؤى التي تخدم - في نهاية المطاف - حاجة الناس. إن كان الأمر يتعلق بالأنظمة واللوائح، فمن البديهي أن تتجه المؤسسات الى تطوير لوائحها وأنظمتها باستمرار، وإن تطلب الأمر اجراءات أخرى علاقاتية مع المستفيدين من خدمات المؤسسة، وجب على المؤسسة أن تعمل على تحقيق الأفضل. إن غياب السعي الجاد لتحقيق منافع الناس وتلبية احتياجاتهم من أهم الأسباب المؤدية لتكوّن الآراء والتصورات السلبية عن المؤسسة الخدمية، وإذا تواترت تلك الاشكالات في مؤسسات متعددة، تواتر - تبعا لذلك - تكون الآراء السلبية عن مجموعة من المؤسسات، وبذلك يصبح الكيان المجتمعي - بشكل عام - مهددا بضعف الانتماء، ومن هنا يجد مريدو الاختراق بيئة مواتية لمحاولة النيل من المجتمع كيانات وأفراداً.
* عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام
|