لم أقرأ الدراسة التي قدّمها الزميل الدكتور علي بن شويل القرني في الحوار الوطني كاملة لأنها لم تنشر كاملة حسب علمي ولكن ما نشر منها يشي بالجدية التي تليق بالحدث.
وفي الوقت نفسه قرأت الدراسة التي نشرتها دار أسبار حول موقف الكتَّاب السعوديين من حرب أمريكا على العراق والتي اتسمت بالدقة والموضوعية ومن خلال النتائج التي توصلت إليها الدراستان تظهر حاجة الوسط الثقافي السعودي إلى مزيد من هذه البحوث ذات الطابع العلمي لكشف حقائق الإعلام السعودي، فمعظم الآراء التي يتداولها المهتمون حول المواقف والتوجهات العامة إما قائمة على الإشاعات أو التخمينات المدفوعة بالرغبات والأماني وكثيراً ما تسود آراء لتتحول مع التداول والبث الموجه إلى حقائق.
إن شرط انتقال الحوار الوطني من الغرف المغلقة إلى المنتديات العامة يحتاج إلى معلومات قائمة على بحوث ميدانية دقيقة ومحايدة فليس من المصلحة دخول كافة فعاليات المجتمع في حوارات خطيرة فيما بينها بالاعتماد على المسلمات المتشكّلة في أذهان الناس في الوقت الحالي فالإعلام السعودي كما يعرف الكثير عاش على مجاملة ومراعاة تيار ثقافي واحد حتى اضطر كثير من الكتَّاب الجادين وموجهي الرأي إلى نسخ مفردات وتعابير هذا التيار لتمرير وجهات نظرهم عبرها.
وقد أدى هذا إلى إضعاف كثير من الحقائق والبديهيات أو تحطيمها في ذهن المواطن العادي وإقصاء كثير من وجهات النظر الأخرى، فقد أصبحت مفردات هذا الفكر الأحادي هي الأرضية اللغوية التي ينطلق منها أي حوار وكأنه هو الأصل، خذ مثلا طريقة إشراك المرأة والتعاطي مع مداخلاتها خلال فعاليات الحوار الوطني أو المفردات التي تستخدم عند التعامل مع قضاياها.
مثل هاتين الدراستين إذا توسعتا وشملتا لغة الصحافة عند تناولها قضايا حساسة مثل المرأة والتنوع الثقافي والمذهبي سوف تسهمان في إعادة بناء الخطاب الإعلامي السعودي ليميل إلى نقطة التوازن والحيادية بحيث يدخل في ثقافته لغة الأفكار والرؤى لكل أطياف الثقافة السعودية بالإضافة إلى لغة الفكر الأحادي.
في الطريق لأن تصبح الصحافة واحدة من أهم مراكز الحوار الوطني لا أظن أنها ستضطلع بدورها بكفاءة بالاعتماد على لغتها السائدة التي تشبّعت بها خلال سطوة ما سمي بفكر الصحوة لذا عليها أن توسع من دورها لتغطي أفكار ورؤى التوجهات الأخرى. لا يمكن أن تنجح في الإسهام بدور كبير في الحوار الوطني إذا بقيت تميل إلى استخدام لغة الفكر الأحادي في التعامل مع الأفكار والرؤى المختلفة.
ولكي ترتفع الصحافة إلى لغة الحياد يفترض أن تشجع البحوث العلمية في المجال الإعلامي سواء البحوث الفردية مثل بحث الدكتور علي شويل القرني أو المؤسسي الذي قامت به دار أسبار.. لا أظن أن أحداً يستطيع أن ينتظر أجيالاً حتى تتخلص الصحافة من الصبغة الأحادية التي عاشتها طوال السنوات الماضية لذا على الصحافة أن تعمل بشكل منظم ومقصود للوصول إلى الحياد الذي يسمح لكل طيف من أطياف المجتمع السعودي التحدث بلغته ومفرداته. تحييد اللغة خطوة ضرورية لنقل الحوار الوطني من الغرف المغلقة إلى المنزل السعودي.
فاكس 4702164 |