أؤمن بأنَّ من يخلص في عمله يجد الجزاء موفوراً...
ذلك وعد اللَّه تعالى...
غير أنَّ جزاء الإنسان للآخر ممَّن يخلصون ويبذلون ويتفانون في أعمالهم؛ دون تردد يقولون بها، دون تعالٍ يبذلون من أجلها، يفتحون صدورهم للآخرين قبل أبواب مكاتبهم، ينظرون إلى قدرة القرار، بأمانة المسؤولين، لا يفرِّقون بين كبير ولا صغير، يصغون إلى حاجة المريد لموقف المسؤول فيما يُناط بهم من المسؤولية، لا يتسلَّطون بقدرتهم، ولا يتجافون بمناصبهم، هؤلاء كيف يقابلهم الآخر من الناس بالجزاء؟!..
من الجزاء الدنيوي الذي أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم إشاعة الحب لهم بين الناس، والرضاء عنهم، ذلك لأنَّهم ساعون لمصلحة الآخر، متفانون من أجله فهم إذن من خاصة اللَّه إذ سخَّرهم لخدمة خلقه...
وحبُّ الناس ورضاؤهم أمران نادران إلاَّ لمن قدَّر اللَّه تعالى له شخصية متوازنة، متعاونة، معطاءة، باذلة من جهة، كما قدَّر له تعالى رزقاً فائضاً من الأخلاق الحسنة. ذلك لأنَّ محبة الناس ورضاءهم يؤلفان حول هذه الشخصية القلوب ويبثان فيها الرضاء...
فكيف إن كانت هذه الشخصية ذات هذا الخلق ممَّن يتسنَّمون مقاعد العمادات الأكاديمية في الجامعات، إذ بما لهذا المنصب من بريق، ولما له من مهام، ولما يحققه من مكانة قد تغري الكثير فتضفي عليهم هالات من الغرور والتعالي والتشاغل عن الناس فلا يكونون قريبين منهم، ولا من التفاني من أجلهم، ويتحول عملهم إلى «تنظير» مكتبي، وإلى قرارات «ورقية»، تضيع معها الكثير من الإرادات الإنسانية التي تعصى على أنظمة الورق ومصطلحات اللَّوائح، تلك التي تتكسر وتتلاشى عند حدود الاستثناء وسدل الأسترة على التواقيع...
بينما الشخصية الفاعلة ذات الخلق قوامها التواضع، وشعارها البذل، وأسلوبها الوضوح، وعطاؤها الشمول، واحساسها إنساني لا يفرق بين مريد قاصد، عن مريد قاصد آخر... إذ تتساوى الحاجة والرغبة والعزيمة فيهما أمام هذه الشخصية لتتخذ القرار المتيح الفرص لكلِّ الناس من هؤلاء... بما لا يتجافى مع النِّظام
إن تعاطفت فمع الجميع... وإن بذلت فللجميع...
باب مكتبها مفتوح، وهاتفها مشاعٌ للجميع، وجماعة العمل معها متَّحدون يجمعهم الهمُّ الواحد، ويوحِّدهم السلوك المميَّز لها. إذ تكون هذه الشخصية هي القدوة.... مثل هذه الشخصية الرَّضية وجدتها تتمثَّل في أخي القدير الدكتور (حاتم أبو السمح) عميد كلية الحاسب الآلي بجامعة الملك سعود، الذي تسنَّم بكلِّ جدارة مقعد وكالتها لست سنوات، أعقبتها ست سنوات أخرى عميداً للكلية... فيها بذل وأعطى، منح وتفاعل، أنشأ وطوَّر، تعامل مع الطالب بحب وتقدير وتجاوب كما تعامل مع الزملاء بالحب ذاته والتقدير والتعاون، لم يكن في مكتبه مشغولا بذاته بقدر ما شُغل بالآخر، ولم يُغلق أبوابه وهاجس الحاجة إليه يقبع خلفه، كان مثالاً متميزاً وطرازاً نادراً في أداء العمل بنظامية ومرونة في آن.. عاصرته العمل في أثناء عملي وكيلة لمركز الدراسات الجامعية للشؤون الأكاديمية فترة ما، ثم عندما عملت عميدة للمركز لأكثر من ثماني سنوات وهو كما هو ثابت الموقف، كريم النفس، واعياً بعمله، حريصاً على مصلحة العمل كما هو حرصه على مصلحة المنتمين إليه... أتمنى أن يتكرر نموذجه وعلى وجه التحديد في مرحلة التغيرات التي نعيش في معمعتها وتحتاج إلى القدوة في الثبات والقدوة في العطاء... ويحق لجامعة الملك سعود أن توفيه الجزاء وأن تفخر به أحد رموزها....
وفقه الله في مسيرة حياته جزاء إخلاصه ووفق جميع الذين يعملون بصدق وإخلاص وأعان الأخ العزيز الدكتور سامي الوكيل لاتمام الرسالة من بعده حفظه الله.
|