Monday 5th January,200411421العددالأثنين 13 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
الحوار وثوابت الدين
عبدالرحمن العشماوي

حينما يدور حوار حول بعض قضايا الدين الإسلامي وثوابته، فإنَّ الهدف من هذا الحوار لا يعدو البيان والتوضيح لمن لديه شبهةٌ، أوغَبَشٌ في الرؤية حتى يكون على بيِّنة من القضية الدينية التي يدور حولها الحوار، ومعنى ذلك أنَّ الحوار إذا تجاوز هذا الهدف إلى أهدافٍ أخرى مثل البحث في مدى صلاحية تلك القضية الدينية للحياة والإنسان، ومدى أحقّية الإنسان في تجاوزها وعدم الأخذ بها مع كونها ثابتة شرعاً، فإنَّه في هذه الحالة يصبح حواراً مخالفاً لمقتضى الشرع، ويصبح إقرارُه إثماً يجب على المسلم أن يتوب إلى الله منه.
هنالك حوارات تجري حول البناء الأسري، وهل نظام الأسرة المتماسكة ضروريٌ في عصر العولمة الغربية الغاشمة، وهل القيم الدينية والأخلاق الفاضلة، ومصطلحات العِرض، والتقوى، والستر مطلوبة حتى يستقيم كيان الأسرة، أم أن هذه الأخلاق وتلك القيم تصادران حرية الإنسان الشخصية التي تتيح له عمل ما يريد دون ضابط من حكم شرعي، أو حياءٍ، أو مراعاةِ عُرْفٍ اجتماعي سليم؟؟.
وهنالك حوارات تجري حول النظر في إباحة العلاقات الجنسيَّة المحرمة تحقيقاً للحرية الشخصية، وحوارات تجري حول حشمة المرأة، وسترها، وحيائها ومدى أهمية ذلك في عصر التجاوزات الأخلاقية التي قرَّرتها المذاهب الغربية، وسوَّغتها القوانين البشرية المنحرفة عن جادة الطريق.
حوارات، وحوارتٌ تَمَسُّ ما ثبت من أمور الدين الإسلامي وقضاياه تحت شعارات الحرية، والديمقراطية، والعولمة الغربية، وغيرها من الدَّعوات المحاربة لفطرة الإنسان السليمة في أوروبا وأمريكا ومن سار في طريقهما من دول العالم الذي يحلو لوسائل الإعلام أن تطلق عليه «العالم الثالث».
وهذه الحوارات باطلةٌ في ميزان الشرع الحكيم، والعقل السليم، مرفوضةٌ في مفهوم المصلحة العليا للإنسان الذي يعيش في هذه الحياة، لأنها حوارات خارجةٌ على قانون الفطرة البشرية السليمة، ومتجاوزة لحدود العقل البشري، والقدرة البشرية التي تظل ضعيفةً أمام عظمة هذا الكون قاصرةً أمام قدرة الله عز وجل الذي يعلم السرَّ وأخفى، ويعلم ما يصلح لعمارة هذا الكون من الأعمال والأقوال وما لا يصلح.
ومما يؤسف المسلم المتابع أنَّ شخصيات مسلمة على قَدْرٍ من المعرفة والعلم والثقافة تساهم في إذكاء جذوة تلك الحوارات الباطلة مع اختلاف كبيرٍ بينها في الأهداف، وأساليب الحوار وطرائقه.
الحوار- كغيره من مظاهر التعامل البشري- له حدودٌ وغاياتٌ وأساليب معقولة مقبولة، إذا تجاوزها أعطى نتيجة مصادمةً للمصالح الحقيقية التي يدَّعي كل نظام في هذا العالم أنه حريص عليها.
حينما وقفت أسماء بنت يزيد الأشهلية رضي الله عنها أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم تبلِّغه رسالةً موجَّهة من النساء، لم تكن تريد إلا الحقَّ لتلتزم هي ونساء المسلمين به، ولم تكن تسعى إلى إطلاق صرخةٍ تحرُّرية تجرُّ المرأة إلى سراديب مظلمة كما هو حال كثير من الأصوات النسائية الصارخة في هذا العصر، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أنْ سمعها حريصاً على استرضائها واستمالة من وراءَها من النساء على حساب شيء من أمور الدين الثابتة، رغبةً في كسب أصواتهن الانتخابية وتأييدهنَّ لمشروعه السياسي.
كلاَّ لقد كانت القضية، وما تزال قضية دين ثابت نحرص على بيانه لمن لديه تساؤلٌ يحتاج معه إلى بيان.
قالت أسماء: يا رسول الله إن الله قد بعثك للرجال والنساء، فآمنَّا بك وصدقناك، وإنَّا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم وإنكم معشرالرجال فضِّلتم علينا بالجمع والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك كلِّه الجهاد في سبيل الله، وإنا إذاغاب الرجل منكم حاجاً، أو معتمراً أو مجاهداً، حفظنا أموالكم، وغزلنا ثيابكم، وربينا أولادكم، فهل لنا من الأجر مثل ما للرجال؟
وعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من قولها البليغ، كما عجب أصحابه، ولكنَّه بيَّن لها مُراد الشرع الصحيح، بعد أن أشاد بمقالتها البليغة، فقال: افهمي أيتها المرأة، وأسمعي من خلفك من النساءأنَّ حسن تبعُّل المرأة لزوجها وقيامَها على مرضاته يعدل ذلك كلَّه. فانصرفتْ وهي تهلِّل.
هنا لا مجال للمجاملات، ولا لإرضاء الأشخاص، ولا لكسب الأصوات، لأن الأمرَ متعلِّق بتعاليم السماء الصحيحة التي تحدِّد لكل جنسٍ من البشر دوره الصحيح في عمارة هذا الكون، وبنائه بناءً سليماً بعيداً عن الاستبداد والظلم، وتجاوز حدود الشرع والعرف السليم.
هنا لا مجال لإعلان بيانات «تحرير المرأة» على غير الهدى والصلاح، ولا مجال للتفكير في أهمية صوت وافدة النساء ومن خلفها من النساء للتأييد وترجيح كفَّة أحد المتنافسين على الرئاسة والحكم.
ولهذا كان قول الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا المقام وغيره واضحاً لا غمغمة فيه ولا مكان فيه للتلبيس أو التدليس.
وكان البيان النبوي هنا واضحاً مباشراً محدَّداً بحدود السؤال المطروح من المرأة فلم يفصِّل الرسول صلى الله عليه وسلم هنا الحقوق الكثيرة التي منحها الإسلام للمرأة بعد أن سلبتها منها قوانين جاهلية المنحرفين عن منهج الله، لأنَّ تلك الحقوق معلومة واضحة في أذهان المسلمين والمسلمات الذين يخضعون لأمر ربهم وشرعه خضوعاً يزدادون به عزَّةً ومكانة.
أين هذا الصوت النسائي النقيّ الواضح من أصوات نسائية مسلمة تتخبَّط في دروب الأوهام والشبهات والشهوات في زماننا هذا؟؟
الحوار الرَّاقي النزيه لا يتعدَّى حدود ما شرع الله مهما كانت المسوِّغات.
إشارة


في ديننا الخير للدنيا وساكنها
ولم يزل لدعاة العدل ميزانا


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved