* كتب - محمد الخضري:
حظيت ندوة «الجزيرة» التي نشرت في أعقاب صدور ميزانية العام الجديد 2004م في العدد رقم (11406) وتاريخ 27 شوال 1424ه باصداء واسعة لدى الاقتصاديين ورجال الأعمال. الأستاذ وهيب بن زقر رجل الأعمال والكاتب المعروف تحدث عن مرئياته واستنتاجاته حول الندوة، لكونه من المهتمين بالشأن الاقتصادي وصاحب رؤية قيمة في هذا المجال إضافة إلى خبراته المتراكمة على مدى سنوات طويلة في حقل التجارة والأعمال وإن ظل ينفي عن نفسه لقب رجل أعمال مشيراً إلى أنه تاجر ابن تاجر كما يردد دائماً، علاوة على تقلده العديد من المواقع الهامة كان آخرها رئاسته لمجلس إدارة بنك القاهرة السعودي لمدة سبع سنوات قبل دمجه مع البنك السعودي المتحد الذي دمج هوالآخر مع البنك السعودي الأمريكي ما يعرف حالياً ب (سامبا).
بن زقر تحدث عبر هذه المداخلة عن الحوار الذي دار في تلك الندوة مبديا وجهة نظره في حديث هاتفي مرتجل بيني وبينه، مؤكداً أنه لا يرمي من وراء إبداء هذه الملاحظات أو المرئيات أي تعد شخصي على المتحاورين في الندوة أو مبرر للمضايقة طالما أن الهدف هو حوار للبحث عن المخارج للارتقاء بأداء اقتصادنا الوطني نحو المأمول. وكان ما قاله التالي:
الذي أعتقده أن ما أشرت له في حديثك عن قول رجل أعمال أثناء ندوتكم عن الميزانية والذي تعني به شخصي المتواضع أود أن أوضح أن ما عنيته هو أن المواطن العادي لا يترقب ويتفاعل مع صدور ما يسمى بالميزانية لأنه لايشعر أن نتيجة صدورها يترتب عليه فائض في (دخله) فربما من المصلحة ايضاح هذه النقطة الهامة.
لأن الفترة التي ابدى فيها تفاعله اتصفت بفورة في الاقتصاد لم يعهدها نتيجة توجه قدر كبير من الإنفاق نحو توفير الخدمات الأساسية وتشييد البنيات المختلفة للاقتصاد والحياة الاجتماعية والتي ينتج عنها رفاهية كبيرة، إن هذا الوضع ليس ما هو عليه وضع المواطن صاحب الدخل المحدود أو الذي ينقص حياته توفير احتياجاته وإذا عدنا إلى ما ذكره أحد المتحاورين في أن الميزانية اهتمت بالمشاريع حيث تم تخصيص أكثر من 41 بليون ريال فهذا لايمثل سوى 18% من إجمالي الميزانية وباقيها مدخرات انفاقية لمواجهة مصروفات ونفقات يترتب عليها انتعاش للجانب الاستهلاكي للاقتصاد وهذه كما ذكرتم من صالح طبقة التجار وليس هنالك أي غبار في أن يستفيد منها قطاع من قطاعات المجتمع العاملة في الاقتصاد ولكن وجب التنبيه. علما أن التجار وما هم عليه من بحبوحة آنية في (التمتع بالميري) لابد وأن يصيبهم كثير من الوسوسة إذا تعرض الدخل الريعي لا سمح الله لعوامل خارجية تضر به، والضرر غير مستبعد طالما أننا نعتبر أن قوة اقتصادنا في أننا نسير على 25% من احتياجات الطاقة العالمية لأنه بالمقابل يجب أن لا ننسى الرؤية التي عليها العالم في أنه يشعر بخطر على اقتصادياته في أن اقتصادهم يرتكز على منطقة شابها تقلبات مقلقة لهم خلال الخمسين عاما الماضية وهم متناسون أن من أبرز العوامل لعدم الاستقرار هي الخطط والتطلعات التي يضعونها لهذه المنطقة إضافة إلى ذلك يجب علينا أن نكون محيطين وملمين بالمجهودات الكبيرة التي يبذلونها منذ حرب 1973م في البحث عن البدائل وتوفير مصادر جديدة للنفط تقلل من ارتكازهم على هذه المنطقة وربما إذا استطاعوا أن يشلوا حركتها.
في العام الماضي، وهو الماضي القريب، ظهرت روسيا التي لم تكتف بسعيها لزيادة صادراتها النفطية بل أعلنت أنها تستهدف أن تحل محل الشرق الأوسط بصفة عامة ومزاحم رئيسي للسعودية بصفة خاصة ولم يقف الغرب الصناعي متفرجا بل آزرها وساندها ودخلت شركة BP البريطانية في شراكة مع شركة يوكس الروسية باستثمار يفوق 10 بلايين دولار وتلتها شركة تشفرون ثم موبيل أضف إلى ذلك الجهود الجبارة التي تركز على نفط بحر قزوين ليصل إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ولم يعرقل هذه المساعي على الرغم من البلايين الكثيرة والاتفاقيات السياسية إلا حركة صيانة البيئة.
الخطر كل الخطر أن تتغلب السياسة على العقل وتتبخر مخاوف البيئة ويظهر على أرض الواقع ما يجب أن يدفعنا لأن نعمل ونحقق ما ارتأينا فيه الخيارات المضافة لسلامة اقتصادنا في تفعيل المجالات الاقتصادية المنوعة والمتنوعة للدخل، وهذا بالاستثمار بريادة الدولة ومساهمة الحكومة وبالدور الذي يستطيعه الأفراد في مجالات المعادن والثروة الطبيعية والزراعية والحيوانية والسمكية.
لقد أعجبني في هذا اللقاء وهذا الحوار النقاط التي رسمتها الجزيرة لندوتها لأنها نقاط يمكن أن تكون جزءا من خطة لتنمية اقتصادية لبلادنا وما أحزنني أكثر الحزن هو النقاش الذي دار وغطته صفحتي (ندوة الجزيرة) اقتصر على فكر اقتصادي سعودي أوجدناه لأنفسنا من علم اكتسبناه في أرقى الجامعات العالمية وحورناه ودورناه ليتناسب مع الحياة الرغدة التي نحن عليها لأننا نخشى أن التطوير الذي نرمي إليه هدفه التغيير الذي ربما يهز الأرضية التي نقف عليها والطريق الذي نسير فيه والنعمة التي وهبنا الله. ومن القلة القليلة في محتويات الندوة بكل صدق وتقدير التي أرى ضرورة الاهتمام بها القول الذي تفضل به أحد ضيوف الندوة فيما يتعلق بالتخصيص حيث إن من أخطر الأمور الاقتصادية أن نتكلم في واد ونسير نحوها في طريق قد يجعلنا نصل إلى واد آخر، أضف إلى ذلك فان هناك إشارة مهمة جاء بها أحد الأخوان قوله (فيما يتعلق بفقرة أساسية من نظام الحكم بان على الدولة أن تؤمن للمواطنين التعليم والصحة وهذه في نظري مسؤولية مباشرة وأعتبر أن مسؤولية التمويل يجب معالجته بشكل منفصل) إن أهمية هذا الأمر في نظري نابع من أن الشعور العام الذي ألمسه من السواد الأعظم من المواطنين غير مقبول وفي كثير من الأحوال مرفوض للعبء المالي الذي سيتحملونه في دخولهم فرضا وجسرا في ارتباطات مالية باهظة التكلفة من منظورهم في أمور تتعلق بالصحة والتعليم. أنه لمن المستغرب أن محتويات الصفحتين ليس فيهما إشارة واحدة عن الجوانب الاجتماعية والمعيشية للوطن والمواطن والاهتمام بالاقتصاد يبدو وكأنه هو من أجل الاقتصاد بحد ذاته لأن مع الاقتصاد تتحرك أسواق المال ويكثر الثراء بينما النعمة في المعيشة وكسبها وتناسب الدخول مع الالتزامات.
كلمة أخيرة أود إضافتها خاصة وأنه ذكر في مكان من الندوة الإشارة إلى ميزانية العام السنة المنتهية وميزانية السنة القادمة وأن المواطن يخلط بين الاثنتين، فكيف بالله عليك لا يخلط المواطن في شيئين مختلفين بينما يشير المثقف إلى الأمرين بنفس المسمى بينما حقيقة الأمر الوضع المالي للسنة المنتهية هو في حقيقة الأمر وفي المفهوم الاقتصادي بغض النظر عن الكلمة المستخدمة في المرسوم هي الميزانية لأنها تغطي الصورة الكاملة لما تم للدولة أن استلمته من إيرادات وأموال أنفقتها وما هو مقدر للسنة القادمة وفقا لما ذكره أعضاء الندوة هو (موازنة) وليس (ميزانية).
وجدير بالذكر سواء تكلمنا عن الميزانية أو الموازنة فإننا قد نحمل الأشياء أكثر من مسمياتها لأن أيا منها ليس في حد ذاته المحرك للاقتصاد لأن الأولى هي تلخيص تاريخي لأرقام نفقات وإيرادات والآخرتقدير لإيرادات متوقعة ومصروفات مقدرة تستهدف طموحات اقتصادية يوضحها بيان لنهج الصرف الذي افترضته السياسة الاقتصادية الموضوعة لاعتبارات محددة وواضحة.
إن هذا مجرد كلام عام ورأي شخصي لجانب موضوعي وأرجو أن يلاقي الاستحسان والتذكير.
أما بالنسبة لاقتصاد بلادي فإنه ليس لدينا سياسة نقدية تعتمدها الدولة وتطبقها مؤسسة النقدالعربي السعودي بما هو متعارف عليه في الاقتصاد الغربي الحديث، كما وأن الموازنة لا يمكن أن ينظر لها بوضعها التقليدي الحالي أداة للتنمية. أخشى ما أخشاه أننا واقعون بين تأثرنا بنهج تعليمنا الغربي وواقع مسيرة الاقتصاد التي مكنتنا أن نبني الصرح الاقتصادي المتين الذي نحن عليه ونشير إلى السلبيات الكثيرة التي نعيشها ونعرفها ونحياها ونتخذ منها نوافذ لبناء اقتصادنا بينما هي في الواقع سدود قائمة لا يزيلها ما تفضل به أحد المشاركين (بالنهج الترقيعي).
والتحدي كل التحدي ليس في الاستثمار والتشييد والبناء بقدر ما هو للتدرج في بناء هذا الاقتصاد ليصبح قوياً متيناً خلال فترة زمنية ربما لاتقل عن ربع قرن. وإذا جاز لي من باب المداعبة والفكاهة أن انقل عن النهج الذي تسير عليه الصين في برنامج تنميتها (إن المهم ليس إذا كان القط أبيض أو أسود اللون، بل المهم أن يكون متميزاً في اصطياد الفئران).
ولا يفوتني في هذه العجالة أن اثني على ما أثارته الندوة من أفكار وآراء فيما يتعلق بتطوير أسلوب قيام المشاريع في المناطق وما نوهت إليه من حتمية الاهتمام بالإصلاح الذي لا مفر في أن يتطرق إلى تطوير تنظيمات الإدارة المحلية، وأن هذا التوجه لا يمس من قريب أو بعيد ولا له علاقة بالحكم المحلي، وحتى أضيف لما تفضل به المتحاورون من شرح موجز ومقبول حول هذا الموضوع أشير إلى الدراسة التي أعدها مركز الخليج للأبحاث في 21 يوليو 2003م بعنوان (الإصلاح في المملكة العربية السعودية - التحديات الراهنة وسبل المواجهة) الصفحات من 40 إلى 44. والله الهادي لعباده.
|