لا تزال دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة، تعاني من مشكلات ومعضلات تتفاقم بين وقت وآخر، تحول دون ايجاد سبل ناجعة نحو تحقيق أعلى نسبة من
توظيف ابنائها داخل مؤسسات القطاعين العام والخاص، وبالذات من خلال التحركات الجادة بأن يلبي القطاع الخاص هذه المطالب بنسبة اكبر من القطاع العام، باعتباره المقدم الاكبر للعديد من الاحتياجات والخدمات المجتمعية، وبالتالي اعتبر الموظف الأكبر لمواطنيه، القضية هنا بعد ان كانت مشكلة في بداياتها، يمكن القول عنها، إن دول مجلس التعاون لم تبادر منذ بدايات توجهها نحو التوطين الوظيفي، إلى إيجاد خطط مدروسة ذات منهجية فاعلة بأنماط مرحلية ونوعية في الأداء، انطلاقاً من إيجاد أكثر من نواة تخطيطية تساعد على النيل من نهج سليم وقويم، وذلك ربطا بما هو متوافر من إمكانات وخبرات في الماضي والحاضر، تلكم الخبرات التي عند استغلالها سوف تثري في ايجاد حلول جادة، إضافة إلى ما هو مفترض أن يخطط له للمستقبل القريب بناء على الأخذ بتلك المعايير من منطلق علمي وواقعي، لتوظيف ذلك التوظيف الأمثل، استعداداً لتحقيق آمال ومعالجة آلام شعوبها.
ومن تلك الأمور المفترض مواجهتها وتفعيلها وطنياً يأتي في مقدمتها التعليم الذي يتطلب الأمر معه إيجاد نقلة سياسية تأخذ في طابعها التطوير وتوسيع رقعة انتشاره جغرافياً، وإحداث نقلات نوعية في مخرجاته، وصولا إلى السعي نحو تغيير فكري متنور لشخصية المواطن الخليجي من الناحية الاجتماعية، ذلت منهجية تربوية متجددة، تلك الشخصية التي شابها العديد من العوامل التي غيرت من سلوكياته خلال العقدين الماضيين، بسبب ما أحدثته الطفرة الاقتصادية آنذاك، وهذه الدول مجتمعة لم تصل في تركيبتها السكانية ما وصلت إليه دول عربية مثل سوريا مثلاً، والتي تقل فيها اعداد مؤسسات التعليم الأكاديمي قياساً بما هو متوافر في بعض دول الخليج العربي، ومع ذلك تقف هذه الدول صامدة ومهيئة القبول التعليمي العالي منه والموازي، لكل أو لغالبية أبنائها، وهنا يمكن القول إن للتخطيط المتخذ في السابق والذي كان يشكل الدور المحوري الكبير آنذاك، إنه لم يكن تخطيطاً يتسق مع الواقع الاجتماعي بالذات لدول الخليج آنذاك، وربما ايضا أن لعدم سرعة اتخاذ القرارات في امور عدة احدث الأمر معه قضية سلبية في هذا الاتجاه، حيث ان التباطؤ في مثل هذه الأمور يفاقم المشكلات، لتتحول بعد ذلك إلى قضايا ربما تكون أكثر تعقيداً، ويصعب الأمر معه حلها بصورة يتمناها الجميع، ففي ندوة اللقاء الثالث للتوظيف والسعودة الذي عقد أخيراً في رحاب الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، قدمت أوراق عمل أكثر من جيدة، حيث انها تحاكي تجارب فعلية حول قضايا التوظيف في بعض الأقطار العربية وعلى وجه الخصوص في دول مجلس التعاون الخليجي، فقدكان جل ما أثير في اللقاء كان منصباً بدرجة كبرى حول الاختلالات الهيكلية القائمة في دول المجلس، سواء في المجال الاقتصادي او التعليمي أو في سوق العمل، وكانت ورقة العمل المقدمة عن تجربة دولة الكويت في مجال التوظيف، تشير إلى حال الاختلالات هذه بشيء من التفصيل.
وهنا يأتي السؤال المطروح عما هي الدوافع الحقيقية التي أدت إلى نشوب ظاهرة عدم توافر فرص وظيفية لأبناء المجلس، هل التركيبة السكانية لها دور في ذلك؟ الجواب من وجهة نظري (لا)، بسبب أن التعداد السكاني لمنطقة الخليج لم يصل إلى رقم منافس لدول في القارة الهندية أو حتى دول آسيوية، أم هل العامل الاقتصادي يمثل دوراً سلبياً آخر؟ الجواب من وجهة نظري (لا)، لأن اقتصاديات دول الخليج العربية تظل افضل من اقتصاديات دول مجاورة لها، وكذا من دول تبعد عنها جغرافيا بكثير، ومع ذلك لم يسجل في تلك الاقطار نسب عن البطالة قياساً بما تحققه حالياً دول مجلس التعاون الخليجي من نسب متنامية من البطالة بأنواعها، إذاً فإن المشكلة القائمة من وجهة نظري وما تحتاج إليه من حلول، هو أن هناك احتياجاً ملحاً ومنتظراً من هذه الدول، نحو تطوير وإحداث أنظمة تتفق والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها منطقة الخليج، وهذه الدول قادرة على الإسراع في هذا التغيير، من خلال عوامل مواتية لها في الأصل، وربما لا تتوافر في دول عديدة، كان بالإمكان تفعيلها واستغلال ما يمكن استغلاله، قبل فوات الأوان، سواء من ناحية التنامي المستمر في ازدياد نمو التركيبة السكانية، أو وقوع إضعاف في اقتصاديات هذه البلدان لا قدر الله، مما يسهم معه الأمر في عجز مجتمعي لن يكون قادراً وقتئذ على التصدي أمام تحديات عالمية.
إنها مطالب قبل أن تكون أمنيات، فهل يسعى مجلس التعاون الخليجي إلى إحداث سبل داعمة ومحفزة تجاه العديد من المجالات التي يمكن أن تؤدي دوراً حيويا، لكي يكون ذلك سبيلاً لإحياء وتقويم أنظمة تتفاعل وتتواكب مع متطلبات العصر، مع السعي الدؤوب بتحويل بلدان المجلس إلى شعوب صانعة لا مستهلكة، وأمم عاملة لا باطلة.
* الباحث في شؤون الموارد البشرية
|