Sunday 4th January,200411420العددالأحد 12 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الشنطي يقيّم «التجربة الشعرية الحديثة في المملكة»: الشنطي يقيّم «التجربة الشعرية الحديثة في المملكة»:
التجربة الشعرية في المملكة امتداد للتجارب العربية المماثلة في تنوعها وثرائها
المبالغة في الغموض أدت إلى انحسار جمهور الشعر
المرأة شاركت في بلورة القصيدة الحديثة

* الثقافية - علي سعد القحطاني:
التجربة الشعرية في المملكة ثرية ومتنوعة، وهي امتداد للحركة الشعرية العربية ترفدها وتثريها كما يقول الدكتور محمد صالح الشنطي في استضافتنا له حول كتابه «التجربة الشعرية الحديثة في المملكة العربة السعودية» حيث أشار إلى أن رموز القصيدة الحديثة كالصالح والحميد والدميني والمنصور والصيخان والثبيتي قد استحضروا في نصوصهم الإبداعية شخصيات ونماذج شعرية تراثية كما اغترف بعضهم من ينبوع القرآن الكريم وهذا ما نراه لدى الصالح والثبيتي وقد استدل الشنطي بإشارة الدكتور سعد البازعي إلى أن ما يميز القصيدة الحديثة هو الرموز الموظفة من حكايات وأساطير ورأى أن التجربة الشعرية تختزل بالمعاناة كما نجد ذلك في قصائد سعد الحميدي وعلى الدميني.
ويعتقد ضيفنا الكريم أن المبالغة في الغموض أدت إلى انحسار جمهور الشعر حيث بدأ الشاعر استعلائياً مما أدى إلى تقدم السرد ليستولي على مساحة أكبر من اهتمام المتلقي وحاول الشنطي أن تكون دراسته لتلك التجربة شاملة تهتم بالظواهر أكثر من اهتمامها بالأعلام، وكان للشعر النسائي نصيب من دراسته حيث قام بإماطة اللثام عن أهم مظاهر الخصوصية، وبين مدى دورهن في بلورة القصيدة الحديثة.
التجربة والتقييم
* ما هو تقييمك للتجربة الشعرية في المملكة؟
- التجربة الشعرية في المملكة ثرية ومتنوعة، وهي امتداد للحركة الشعرية العربية ترفدها وتثريها، ولها الكثير من مظاهر الخصوصية في الطرح والأسلوب التي تتضح في التفاصيل وليس في المنحى العام، والمقام - هنا - يضيق عن ذكر ذلك أو الخوض فيه، ولكننا يمكن أن نتلمسه على نحو شديد الوضوح - في التفاعلات النصية ومرجعياتها، وقد يتبدى ذلك في استثمار النصوص القرآنية لدى الشعراء المتقدمين زمنياً من الذين ارتادوا القصيدة الحديثة كالشاعر أحمد الصالح والحميدين وعلي الدميني ومحمد المنصور والذين تلوهم من أمثال الصيخان والثبيتي والحربي وغيرهم، فثمة استحضار لشخصيات ونماذج شعرية تراثية فضلاً عن السبق إلى الاغتراف من ينبوع القرآن الكريم خصوصا لدى الصالح والثبيتي فيما بعد.
وقد سبق أن أشار الدكتور البازعي إلى ما يميز القصيدة الحديثة حيث أشار إلى سياقين للحكايات والأساطير والرموز الموظفة، وهما سياق عربي سامي قديم وسياق محلي مستمد من البيئة المحلية القريبة زمنياً، وقد أشار إلى رموز الخصوبة والانبعاث التي تمثل جانباً مهماً في إبداع الثقافة الصحراوية، وهذا يتجلى في الشعر وأشار إلى السياق الثاني ممثلاً في توظيف شخصيات ذات هوية أسطورية مستمدة من البيئة المحلية ويتضح ذلك في القصة القصيرة، وقد درس بعض النماذج الشعرية في إطار السياق الأول، وقد حاولت أن أستفيد من ذلك، وركزت على إبراز ثراء التجربة الشعرية السعودية في سياقاتها الجمالية في إطار التجربة الشعرية العربية بعامة. إن التراث الشعري المعاصر في المملكة له امتداده التاريخي العميق في الزمان والمكان ومسألة الحكم عليه في إجابة قصيرة عابرة فيه ظلم شديد للتجربة برمتها، ولكن حسبي أن أقول اننا أمام تجربة تستحق العناء.
التجربة والنمطية
* هناك من يتهم شعراء التجربة الحديثة في المملكة بالنمطية؟
- ثمة ما يثير اللبس عند الحديث عن النمطية، فنحن ما زلنا في حقبة زمنية محدودة المساحة، ومسألة التميز والتنوع تحتاج إلى بعض الوقت، فإذا كنا نتلمس خصائص نموذجية في التجربة الشعرية العربية في العصر الجاهلي التي امتدت على مدى قرنين من الزمان تقريباً، ونحاول حصرها في بنود محددة تبدو واضحة في شعر معظم شعراء تلك المرحلة، وكذلك فيما يختص بالشعر الأموي والعباسي وعصر الدول المتتابعة وعصر النهضة فإن الأمر لم يخرج عن هذا الإطار، لذا يبدو من الظلم اتهام إنتاج شعراء التجربة الحديثة في المملكة بالنمطية، فالمناخ الشعري العام واحد، وجماليات القصيدة الحديثة في مجملها تكاد تنحصر في وسائل صوتية تتعلق بالوزن والإيقاع والسمات الزمنية والمقطعية، ومنها ما يتعلق بالتشكيل اللغوي، ومنها ما يتعلق بتناسب أجزاء البناء كالاطراد والمفارقة وتوازن السياق وتوازيه، وتوزيع الأداء بين صوت الشاعر وأصوات الآخرين، وبين مستوى من الضمائر ومستوى آخر فهي كما يشير «جاكوبسون» أعصاب العمل الشعري، كذلك فيما يتعلق بتنظيم البنية الداخلية للعمل الشعري، وخصوصا تلك الصور الناتجة عن طاقة التخيل بدءاً بالصور المجهرية أو العلاقات المجازية القائمة على مبدأ الانزياح كالتشبيه والاستعارة ونحوهما وكذلك الصور الكبرى كالرمز والأسطورة والموروث وانتهاء بنواة العمل ومحوره الفكري على نحو ما يشير الدكتور محمد فتوح أحمد.
من هنا كان التقارض بين الشعراء في إطار البنية الخارجية وما يسمى بالضفيرة الداخلية، فالبنية الخارجية لها مرجعيتها الواحدة واقعاً وشرائط تاريخية والبنية الداخلية لها آليتها التي تفرضها تلك الضفيرة الخارجية، من هنا كان لهذه الضفيرة بعض سماتها النمطية والأخرى المبتكرة.
المعاناة الحقيقية
* هل تختزل التجربة الشعرية في المملكة بالمعاناة الحقيقية؟
- من الطبيعي أن تنطوي تجربة شعرية بهذا الاتساع على بعض التجارب التي تبدو ثمرة للدرس الجمالي أكثر مما هي إفراز لمعاناة حقيقية، ولكن ذلك لا يشكل سمة عامة، ثم أن من مهام النقد الأساسية مقاربة التجارب الناضجة ذات البنية الجمالية التي يعتد بها، وإذا عالج النقد التجارب الأخرى الواعدة فإن ذلك ليس إلا من باب التوجيه والتشجيع، على الرغم من أن ثمة من يرى أن النقد فلسفة، وليس من وظيفته خدمة النصوص الإبداعية المبشرة، وإنما مهمته الأساسية التنظير باستقراء النماذج المتميزة واستخلاص القوانين العامة التي تحكم الحركة الإبداعية سواء في سياقها الأصغر أو سياقاتها الكبرى.
ومن المعروف أن ثمة اتجاه في الإبداع الشعري وغيره يقوم على التجريب في الدرجة الأولى، ويهتم بالصنعة الفنية اهتماماً كبيراً، إذ تحل المعاناة الجمالية محل المعاناة الإنسانية، أو تتحول إلى معاناة فكرية كما هو الحال في أعمال أحمد عبدالمعطي حجازي الذي أشار في العديد من شهاداته إلى أنه في أعماله الشعرية الأخرى توخى أن يكون فضاؤه الرؤيوي فضاء فكرياً عقلياً على جانب كبير من التعقيد والتركيب. من هنا لا تبدو مسألة المعاناة على أرض الواقع الأساس في الإبداع الشعري، وسنلاحظ - فيما يختص بالتجربة الشعرية السعودية - أن ثمة شعراء عنوا بهذه المعاناة التي أشرنا إليها واهتموا بمسألة الفن والتجريب اهتماماً كبيراً ووافراً، والأسماء عديدة ابتداء من سعد الحميدين وعلي الدميني ومحمد الدميني والحربي والثبيتي وغيرهم.
الغموض وانحسار الجمهور
* هل المبالغة في الغموض أدت إلى انحسار الجمهور عن سماع القصيدة الحديثة؟
- أما مسألة الغموض فهي ذات أبعاد كثيرة، ونحن باختصار ننطلق من فكرة طرحها النقد القديم، وتتمثل في مصطلح «التلطيف» وهذا المصطلح يعني أن الشاعر ينبغي أن يحتال في تعبيره فلا يكون مباشراً، بل يعمد إلى شيء من الغموض الشفيف الذي يجعل المتلقي قادراً على الشعور بلذة الاستكشاف، ولما كنا في عصر نمت فيه ثقافة الشاعر وتراكم المنجز الفني لديه وأثريت تجربته الإنسانية والجمالية وقارب مسائل بالغة التعقيد في شعره بدت أكثر تراكباً من جده الشاعر القديم الذي انفسحت الآفاق أمامه، وكانت أقرب إلى الفطرة الإنسانية ببكارتها وبساطتها كان لابد أن يتطور مفهوم التلطيف ويقترب أكثر من «الغموض» الذي أصبح من سمات القصيدة الحديثة التي اتسع فضاؤها وتعقد مسارها بتعقد الحياة وعمق تجاربها وتعدد أبعادها وأصبح الجهاز المفهومي النقدي أكثر تقدماً في أدواته وكذلك فإن المتلقي الذي استجاب للمزاج الإبداعي السائد طور ثقافية، كما أن متلقي الشعر الحديثة أصبح من النخبة، وبدأ جمهور قراء القصيدة الحديث من صفوة المثقفين يتمتعون بحاسة ذوقية خاصة، لذا أضحت القصيدة الحديثة بحاجة إلى قارئ من نوع خاص.
وفي اعتقادي أن المبالغة في الغموض أدت إلى انحسار جمهور الشعر، وبدأ الشاعر استعلائياً ضعيف التأثير وقنع بأقل القليل من المتلقين المثقفين بثقافة خاصة ولم يعد يعول على الجمهور العريض، وهذا أدى إلى تقدم السرد ليستولي على مساحة أكبر من اهتمام المتلقي.
الأعلام
* من هم الأعلام الذين ركزت عليهم في دراستك لتلك التجربة؟
- في الحقيقة أنا حاولت أن تكون الدراسة شاملة تهتم بالظواهر أكثر من اهتمامها بالأعلام، ولكن المسألة الجمالية التي تتجسد في إنتاج الشعراء تقتضي الوقوف عند نماذج متميزة من أشعارهم ولهذا فقد حاولت أن أبرز الاتجاهات والتيارات منذ أن بدأت حركة التجديد في الشعر العربي السعودي الحديث والتي بدت تتضح معالمها عند العديد من شعراء المدرسة الرومانسية، ثم مرت بمرحلة يمكن اعتبارها انتقالية على نحو ما لدى جملة من الشعراء الذين كتبوا القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة، وقد اهتممت على نحو خاص برواد القصيدة الحديثة وبمن عملوا على تأصيلها عبر إنتاجهم المتمثل في إصدارهم للعديد من دواوينهم.
وقد ركزت على السمات والملامح الجمالية في الدرجة الأولى ولم أتوقف عند الرؤى إلا بوصفها تجسيداً للتشكيل الجمالي، فأي رؤية فكرية أو وجدانية منفصلة عن البنية الفنية لا قيمة لها في نظري، فالأصل هو الهوية الجمالية التي تتضح عبر النسيج والتشكيل والصياغة والمعمار الذي يصنع الفضاء الدلالي للقصيدة.
إن الكتاب تناول العديد من الشعراء الجدد والأسماء التي لم يتم مقاربة أشعارها نقدياً من قبل، ولكنني لا أستطيع أن أزعم أنني استوعبت كافة الشعراء الذين يستحقون الدراسة، فهناك شعراء لم يكن الحصول على أعمالهم أمراً ميسوراً، لذا لم أتمكن من الاطلاع عليها، ولم أحظ بدراستها، وآمل أن أحصل مستقبلاً على ما يمكنني من قراءتها.
الشعر النسائي
* هل للأنثى دور في بلورة القصيدة الحديثة بالمملكة؟
- لقد احتل الشعر الخاص بالشاعرات السعوديات فصلاً كاملاً من الدراسة، حاولت فيه أن أقارب خطاب المرأة الشاعرة في المملكة، وأن أميط اللثام عن أهم مظاهر الخصوصية في هذا الخطاب، وقد اتضح لي - بالفعل - أن ثمة خصائص مميزة للشعر النسائي في المملكة، وأن خطاب المرأة الشاعرة يتميز بالعديد من الظواهر سواء ما كان منها موضوعياً أو ما كان جمالياً فنياً.
والحقيقة أنني لم أستطع الحصول على إنتاج جميع الشاعرات اللواتي برزن في هذا الميدان وقدمن ما يستحق الدراسة ولكنني اجتهدت في الحصول على بعض النماذج التي يمكن أن تعطي صورة أقرب إلى الحقيقة من غيرها، فالشاعرات اللواتي درست بعض قصائدهن يمثلن عدة اتجاهات: القصيدة العمودية التقليدية والقصيدة الحديثة وقصيدة النثر.
بعض الشاعرات أصدرن دواوين ومجموعات شعرية كاملة والبعض الآخر نشرن في الدوريات والصحف بعض أعمالهن لذا كان لابد من البحث للحصول على النماذج ومن ثم اختيار واصطفاء ما يمكن أن يقدم صورة حقيقية عن الشعر النسائي إذا جاز هذا التعبير، وبلا شك فإن الخطاب الشعري للمرأة وإن كان يأتي في سياق الحركة الشعرية ككل ويستفيد من المنجز الفني بشكل عام ينطوي على العديد من الظواهر الفنية والموضوعية التي يعتد بها كملامح مميزة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved