تركني وحيداً وسط أمواج متلاطمة.. تركني الحب الكبير.. تركني ذلك الجبل الشاهق الذي لن تطاله سوى السحب..
تركني هذا الاسطورة الذي يتحدث عنه الجميع..
تركني وترك الدنيا بمن فيها ليرحل إلى دار القرار والخلود..
رحل والدي.. وكلنا راحلون..
أبتاه.. منذ نعومة اظافري وهم يحدثونني عنك، يقولون عنك ما لم يكن ادراكي آنذاك يستوعبه.. قالوا لي: إنك مدرسة فما كنت لأفهم..
قالوا لي: انك مثال للرجل العصامي الذي خرج من قريته ليبني مجداً تتحدث عنه الأجيال..
أبتاه..
تشتبك الذكريات في مخيلتي.. والأحداث.. ونصائحك لي.. ووصاياك التي كنت أسمعها منك حتى قبيل وفاتك..
أبتاه..
مازلتُ وسأظل أذكر نصائحك لي بالعطاء.. والصدق.. والأمانة ومسامحة الآخرين..
أبتاه..
كان يوم الاثنين «عاصفاً» منذ صباحه الباكر وحتى بعد صلاة العصر حين لقيت ربك..
أبتاه..
صعدت روحك الطاهرة إلى بارئها وأنا ممسك بيدك اليمنى وقبلها كنت أرى كل شيء يتساقط بتوقف نبضك عن الحياة وأنفاسك النقية..
أبتاه..
الآن عرفت أنني بك كل شيء وبدونك ريشة في مهب الريح وأنت من علمني أن أبقى صامداً والا تهزني النوائب..
أبتاه..
ابنك وحبيبك ضعيف الحيلة لا يملك شيئاً سوى استقبال التعازي وذرف دموع ساخنة لن تعيدك إلى حياته ولن يقبل يديك وينحني أمامك ويطمر وجهه على صدرك مرة أخرى..
أبتاه..
أتعلم أن ما زرعته في حياتك قد أثمر؟
وأن صنيعك في الآخرين قد بان للناس جميعاً؟
أتعلم يا فقيد ابنك أن ما قدمته «سراً» قد علمه الجميع؟
أبتاه..
ساعات الفرح تمر بسرعة وساعات الحزن تكتم الأنفاس بثقلها.. «هكذا قلت لي ذات يوم»..
أبتاه..
حملتني مسئولية الشرف والاسم الكبير.. حملتني مجدك الذي رصفته بأيام عمرك وسنينه..
حملتني الا ينقطع ذكرك من المجالس والمحافل حتى بعد أن الحق بك..
أبتاه..
ليتك تعلم هذا الحب لك من كل مكان.. وليتك رأيتهم يتزاحمون في عزائك ويتسابقون..
ليتك رأيت عيونهم وسمعت دعواتهم لك بالرحمة..
أبتاه..
كم أنا صغير أمام قامتك الباسقة.. بل ليتهم يروني حولك..
أبتاه..
كنت توصيني بالضعيف واليتيم والأجير.. وكنت دائماً تذكرني بما بيني وبين ربي وأن أعمل شيئاً يرضيه دون علم أحد لابتعد عن شبهة «الرياء»
أبتاه..
والله إنك لفقيد غالٍ لن أفقد بعدك أحداً..
سوداء هي الدنيا بعدك.. لا طعم لها ولا رائحة..
أبتاه..
رحمك الله برحمته.. وادخلك فسيح جناته.. وثبتك عند السؤال وأبدل خطاياك حسنات ونقاك من الذنوب كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس.. وباعد بينك وبين النار كما باعد بين المشرق والمغرب..
أبتاه..
ينعاك فلذة كبدك.. وقوة عينك.. ينعاك كل من مددت لهم يديك
وينعاك كل من عرفك.. ينعاك الحب يا أبتاه..
شكراً للقلوب البيضاء
يعجز قلمي عن الكتابة بعد أن عجز لساني عن الشكر لمن واساني في محنتي.. أصحاب القلوب النقية وأصحاب المشاعر الفياضة..
هؤلاء كلهم غمروني بوابل من حب صادق وهم يعزونني حضوراً أو اتصالاً أو ارسالاً، أشكرهم من كل «جنبات قلبي المليء بالحب المتجدد لهم..
أشكر أصحاب السمو الملكي الأمراء وعدد من الوزراء وأعضاء مجلس الشورى والمسئولين ومنسوبي الأمن العام من ضباط وأفراد والكتاب والزملاء الإعلاميين والشعراء والفنانين والأصدقاء والقراء الأعزاء.
واعتذر عن سرد الأسماء لكثرتها ولكن عزائي الوحيد أن تصل دعواتي لهم إن شاء الله بالصحة والعافية والا يريهم الله مكروها في عزيز لديهم إنه سميع مجيب.. وللجميع كل حبي «الصادق».
|