Saturday 3rd January,200411419العددالسبت 11 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

جدلية الإرهاب والسياسة الإسرائيلية جدلية الإرهاب والسياسة الإسرائيلية
حسين قبلاوي

الإرهاب العسكري والسياسي الذي تصرُّ اسرائيل على ممارسته ضد كل أشكال الحياة للشعب الفلسطيني غير قادر على طمس حقيقة أن للشعب الفلسطيني حقوقاً مشروعة في أرضه ووطنه، وما مقاومته إلا نضالا مشروعا لاسترداد تلك الحقوق المغتصبة.
في ظل الخداع السياسي الذي تُقدِم عليه مختلف الانساق الاسرائيلية والذي اتخذ أشكالاً ومظاهر مختلفة من المبادرات والحلول السلمية التي كان آخرها ما حملته كلمات شارون في مؤتمر «هرتسليا» من تهديد بفك الارتباط مع الفلسطينيين والإقدام على بعض الانسحابات الشكلية وإعادة جدولة المستوطنات على أسس أمنية يشكل جدار الفصل العنصري مركزها ومحورها الأساسي، يبقى التصعيد العسكري الذي تقدم عليه القوات الاسرائيلية هو العنوان الأبرز لتحركات حكومة شارون في الفضاء الفلسطيني حيث لاتزال المدن والقرى الفلسطينية واقعة تحت تهديد سياسة القبضة الحديدية والعصا الغليظة التي تصر عليها اسرائيل في سياق نهجها الإجرامي الذي تتم ترجمته عملياً من خلال الآلة العسكرية هائلة التسلح.
تلك الآلة التي يجري توظيفها على أكمل وجه في خدمة استراتيجية آرييل شارون وحكومته بتركيبتها التي تشكلت من خلاصة التطرف اليميني، وتريد تلك الحكومة من خلال تصعيدها المتواصل استثمار المناخ الدولي العام لصالحها لعلها تنجح فيما فشلت فيه سابقاً، إلا انها ترتكب نفس الأخطاء وتدأب على تكرارها فهي تفشل في استقراء الفعل الانتفاضي الفلسطيني المقاوم بمختلف فعالياته وقدرته على التكيف والصمود، كما تفشل في استقراء الوضع الاسرائيلي الداخلي المأزوم ولا تقوم باخضاع إحداثيات ذلك الوضع للتحليل الذي يستند إلى المنطق السليم، ذلك المنطق الذي من المفترض ان يبحث في أصل الأسباب وماهية المقدمات لا في تجليات النتائج والتداعيات التي أوصلت الداخل الاسرائيلي إلى ماهو عليه اليوم من حالة متقدمة من الاهتزاز الداخلي التي تجسدت ولا تزال عبر تدهور الوضع الأمني والاقتصادي الذي يعتبر الكثير من المراقبين الاسرائيليين أنه يحمل مؤشرات خطيرة للغاية لم تظهر على بنية كيانهم منذ قيامه.
إن الحكومة الاسرائيلية مازالت تصر على محاولات احتواء الفعل الانتفاضي الفلسطيني المقاوم بغية تدجينه وتطويعه وتليين عريكته لعلها تنجح في الحد من تأثيراته وتفاعلاته بعدما أصبح يشكل الكابوس والهاجس الأكبر لمختلف الانساق السياسية الاسرائيلية التي تجد نفسها في موقف العاجز عن ايجاد آلية تمكنها من وقف سلسلة الانهيارات المتلاحقة التي نجمت عن ذلك الفعل والتي أصابت مختلف المفاصل الاسرائيلية بحالة كبيرة من الشلل وفقدان الفاعلية تلك الحالة التي يتم تغليفها والتستر عليها من خلال مظاهر الاجرام التي تبديها الآلة العسكرية وتجلياتها الدموية التي تظهر بصور مختلفة من قتل ودمار وتشريد وهدم منازل وترويع سكان آمنين، إلا ان الايقاعات السريعة لتلك الآلة لا تستطيع اخفاء مضمون المأزق الحاد والمركب الذي تمر به اسرائيل اليوم بعدما تأكد بالدليل القاطع والملموس فشل المؤسستين العسكرية والأمنية في تحقيق جزء يسير من الأمن والأمان للشارع الاسرائيلي ووقف المقاومة التي يجري تسميتها بالإرهاب ذلك (الإرهاب) الذي كان في مقدمة أولويات الأجندة السياسية لحكومة شارون الحالية التي اصطدمت على الأرض بفعاليات نضالية حملت دلالات وترميزات واضحة قدمت الدليل الساطع على أن نظرية الأمن التي ثابر شارون على التشدق بها طويلاً غير قابلة للتحقق في ظل الظروف والمعطيات الحالية نتيجة افتقارها للعناصر والمكونات الأساسية لها، فلكي يتحقق الأمن للشارع الاسرائيلي لابد لذلك الشارع ان يتوصل إلى قناعة ثابتة وراسخة بأن حزب الليكود وزعامته التي انتخبها، والتي تعكس بدورها روح التطرف المتنامية في جزئيات ذلك الشارع ولدى أصغر مكوناته ومختلف تلويناته، لن تتمكن من تحقيق الأمن له بسبب فقدانها الاتجاه الصحيح وسلوكها الطريق الخاطئ ورفعها للشعارات الضالة والمضللة، ومن المؤكد ان تلك القناعة تتناقض تناقضاً جوهرياً مع روح التطرف التي تسود لدى الداخل الاسرائيلي إلا أنها حقيقة راسخة لا تقبل النقض ولا يمكن تجاوزها والقفز فوقها وهنا يكمن جوهرها وحجم المفارقة الذي تحمله، حيث إنها تتعارض أحياناً كثيرة مع رغبات وآمال من يرفض تصديقها والخضوع لحكمها إلا أنها تبقى عصية على أساليب التحايل والتطويع لصالح تلك الرغبات والآمال، تأبى إلا أن تعلن عن نفسها وتعمل على تأكيد جوهرها ومضمونها من خلال رفضها التعايش ومسايرة الواقع المصطنع الذي وجدت نفسها فيه. على الشارع الإسرائيلي إذا أراد الحصول على الأمن ان يشكل عامل ضغط وتحريض ضد حكومته لكي توقف الإرهاب الذي دأبت على ممارسته يومياً ضد كافة أشكال الحياة الفلسطينية، تلك الأشكال التي تتعرض لانتهاكات يومية على مدار الساعة من قِبل قوات الاحتلال الاسرائيلية التي يقع على عاتقها نقل الهمجية والعنصرية والإرهاب من الحيز النظري والفكري الذي أسس واستند إليه المشروع الصهيوني إلى الحيز العملي المعاش، في محاولة منها للي عنق الحقيقة والتطاول عليها من أجل وأدها أو على الأقل تشويهها، تلك الحقيقة التي تقول: إن للشعب الفلسطيني حقوقاً مشروعة في أرضه ووطنه وما أشكال نضاله ومقاومته إلا من أجل استرداد تلك الحقوق التي أُغتصبت منذ سنوات طويلة.وتؤكد الأحداث الدامية التي تشهد فصولها الأراضي الفلسطينية المحتلة يومياً وتحت سمع العالم وبصره أن الأنساق السياسية المختلفة التي تعبر عن طبيعة وتوجهات الداخل الاسرائيلي المتطرفة باتت خاضعة لسيطرة النزعة الدموية، وتلك اللوثة أصبحت الطابع الأبرز لاسرائيل وهي لوثة شكّلت الدستور والقانون الصهيوني الوحيد المتعارف عليه لدى الجميع، وقوات الاحتلال هي التي تقوم بخط بنوده الأساسية بتواصل مستمر وعبر أدواتها العسكرية الجبارة، ونزعة الإرهاب هذه ليست حالة حديثة العهد ووليدة الظروف الاستثنائية التي تمر بها اسرائيل كما قد يتوهم البعض، بل هي حالة متأصلة في الفكر الصهيوني منذ ان تشكل ذلك الفكر وتبلور فهي واحدة من أكثر جيناته الوراثية قدرة على البقاء والاستمرار، يتوارثها العقل الصهيوني ويُورّثها ويعمل على إعادة إنتاجها وصياغتها بأشكال مختلفة منذ سنوات طويلة هي عمر الاحتلال الصهيوني للأرض العربية والقاسم المشترك لتلك الأشكال هو العنف والإرهاب الدموي المنفلت من كل عقال حتى أصبح اللون الأحمر القاني الذي هو لون الدم وعنوانه هو اللون المحبب لدى المسؤولين الاسرائيليين سياسيين وعسكريين الذين لايعنيهم كثيراً وضع الرتوش التجميلية على اللوحة التي يتقاسمون رسمها طالما أن هناك مجتمعا دوليا عاجزا لايجيد إلا لغة الصمت كلاماً أمام الإرهاب الفعلي والحقيقي الذي تُقْدِم عليه إسرائيل وتعرفه المدن والقرى الفلسطينية خير معرفة فبالأمس القريب كانت نابلس بشهدائها وجرحاها شاهدة على جدلية الإرهاب والسياسة الاسرائيلية.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved