تم التطرق في المقال السابق إلى أن المتسوقات يفقدن قدرتهن على التفكير السليم بمجرد دخولهن السوق! حيث قام مجموعة من الباحثين الألمان بقياس النشاط الكهربائي في جزء الدماغ المسؤول عن التعامل مع الحس السليم والتفكير المنطقي للنساء المتسوقات ووجدوا أن ذلك الجزء من العقل الذي يتحكم في العواطف والمشاعر يعمل بأكثر من طاقته القصوى،بل يبلغ حد الانفلات أثناء التسوق، وعلى إثر ذلك تم التساؤل: (هل التسوق حاجة أم رغبة أو أنه للمتعة والفرجة؟) وقد خرجنا بحقيقة مفادها أن التسوق تحوَّل من حاجة إلى تضييع للوقت فحسب، وفي نهاية المقال تم تشخيص هذا الهوس بانصراف تفكير المرأة عن الادخار أو تنمية مالها بما يعود عليها بالفائدة فتبدد أموالها في التسوق كما أن رغبتها بالتقليد واستقلالها المادي عن الرجل ووجود سيولة نقدية بيدها، من الأسباب التي أدت لهذه الظاهرة،فضلاً عن انشغال الرجل بأموره والتنصل عن مسؤولياته تجاه أسرته أفضى لتفرغ المرأة فهي لا تستطيع التخلص من مشاعر الكدر والتوتر ولا تكاد تجد راحتها النفسية إلا في السوق. والدعوة ملحة لوزارة التجارة والصناعة ممثلة بهيئة حماية المستهلك ومن يمثلها في وسائل الإعلام المختلفة لتثقيف المستهلكين وإسداء النصح والتوجيه لهم حتى لا يقعوا ضحية وفريسة للاستهلاك الفوضوي باعتبار أن بعضهم ينقصهم الرشد فيُخدع باحتفالية البائع بالزبون، وتنوع وسائل الجذب كالإبهار بأشكال الديكورات والإضاءة والتكييف. كما ينبغي ترشيد الاستهلاك عن طريق التخطيط لما سيتم شراؤه وتحديده قبل الشروع بالتسوق، وذلك بوضع قائمة بالطلبات وبالتالي أخذ ما يكفي من المال للتسوق لأن هذا يحد من الرغبة في الشراء مع ضرورة الحزم وإلغاء الأشياء الأقل أهمية، ولا بد من إدراك أن يأتي شراء الاحتياجات قبل الرغبات، ولاسيما حين اصطحاب الأطفال للسوق عندما يجد الوالدان أنفسهم تحت وطأة وإلحاح الأبناء لتحقيق رغبتهم في شراء كل ما يرونه مع أقرانهم، ويحبذ عند الشراء لهم اشتراكهم في نوع واحد خصوصاً الألعاب أو الهدايا وذلك حين يكونون متقاربي الأعمار أو متشابهي الرغبات.
كما أن مسؤولية الوزارة تكمن في وقف انتشار الأسواق بهذا الشكل الأخطبوطي والعشوائي، التي ساهمت في تدمير الوعي الاستهلاكي لدى المواطن،فأسواقنا تفيض بمنتجات العالم والإعلانات تتكالب عبر الشاشات العملاقة وتضيق الخناق على بعض المستهلكين وتحاصرهم، فتزداد رغبتهم في الشراء، ويحسن بالجهات المختصة الحد من التدفق الإعلاني للسلع الأجنبية الذي يسعى لتغيير ثقافتنا بأخرى وافدة تدعو للاستهلاك والتبعية الثقافية، وفقد الهوية الوطنية، هذه الثقافة التي تعزز الميل إلى الوجدانية ومن خلالها يرتبط الفرد بالسلعة عاطفياً فيقوم بشرائها رغم عدم حاجته لها، ويبدو أن التسوق ثقافة استوردناها ضمن ما استوردنا من مواد استهلاكية ومسلسلات تلفزيونية وأفلام أجنبية حتى تحولت من متعة المشاهدة إلى أداة لنقل ثقافة منتجي ومسوقي ومصدري تلك الدول لمجتمعات نامية ذات فكر تبعي وانبهار بكل ما هو أجنبي ونبذ المحلي، وهذا بحد ذاته يعد ضربة في خاصرة الإنتاج الوطني الذي يفتقد كفاءة التسويق،على الرغم من جودة الإنتاج!.
وواجب الوزارة والغرف التجارية يكمن في كبح جماح التجار نحو الربح الفاحش الذي يصل إلى أضعاف ثمن السلعة، فمن يقارن بين الأسعار في متاجر صغيرة وأخرى في مجمعات تجارية ضخمة يجد الفرق شاسعاً،حتى أصبح من المألوف أن من يشتري من متاجر في أحياء بعينها فعليه أن يضاعف السعر لدرجة تصل إلى خمسة أضعاف «دون مبالغة» ولست أعلم مدى مشروعيتها؟ وهل الوزارة تتابع مثل هذه الحالات؟ كما ينبغي التدخل الرسمي بحيث لا يكون للموقع أو الديكور دور في رفع قيمة السلعة ومن ثم الدخول في المباهاة بين الناس في الشراء من أسواق بعينها بهدف الحصول على مكانة اجتماعية،مما يخلق هوة سحيقة بين أفراد المجتمع الواحد حيث يتحول التسوق إلى وجاهة أكثر من حاجة كما هو ظاهر بالسعي لامتلاك السلعة ومن ثم سرعة تغييرها وأكبر مثال على ذلك الرغبة والتنافس للحصول على الجديد والمبتكر على الرغم من السعر المرتفع للسلع التي يحكمها التسوق غير الناضج، ويقع اللوم على المجتمع نفسه الذي يرفض الواقع ويعيش بإمكانيات أكبر من دخله الاقتصادي عندما يحاول تقليد الطبقات العليا، وهو ما ينذر بانهيار الطبقة المتوسطة! فتتحول العملية من تسوق واستهلاك للسلع إلى إهلاك للمال وقتل للوقت واغتيال للفكر وتدمير للقيم!!
ألا ترون أنه بات من الواضح أن الدول المتقدمة استطاعت أن تزيد الاستهلاك عن طريق تحويل السلعة إلى ثقافة حيث أصبحت رمزا وصورة للمجتمعات المتقدمة، فيحلم المجتمع الفقير والشباب بالذات بهذه السلعة والحصول عليها ومن ثم يقع فريسة للاستهلاك عن طريق تسويق ثقافتهم التي أصبحنا مستهلكين لها بعد أن كنا منتجين لثقافة تحمل خصوصيتنا. فهل نحن مدركون.. أم غافلون.. أو أننا سادرون ؟؟!
rogaia 143 @ hotmail . Com
ص. ب 260564 الرياض 11342
|