اعتمد معالي وزير الصحة اللائحة التنفيذية للنظام الصحي بالمملكة الصادر بالمرسوم الملكي رقم «م/11» وتاريخ 23/3/1423هـ وكان من ابرز ملامح النظام الصحي الجديد توفير وتنظيم الرعاية الصحية الشاملة بطريقة عادلة وميسرة، واجاز النظام بناءً على اقتراح معالي الوزير تحويل ملكية بعض مستشفيات الوزارة الى القطاع الخاص وذلك بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير، لكن بيانات وزارة الصحة عن التخطيط لإنشاء وبناء مزيد من المستشفيات والمراكز الصحية في أنحاء المملكة مازالت تتوالى، فالمتابع لمشاريع وزارة الصحة خلال السنة الماضية يدرك استمرار نهج البناء والتشييد للمستشفيات بأحدث التجهيزات، وصفحات الجرائد خلال السنة الماضية أكدت خطط إنشاء مستشفيات في 10مدن و58 مركزاً صحياً بالشرقية، وسبعة مستشفيات جديدة جار إنشاؤها في عسير، وغيرها من مشاريع الإنشاء للمستشفيات أو تحديث المباني في مختلف مناطق المملكة، كما أكدت الوزارة في خططها الجديدة بعد صدور الميزانية للعام الجديد على بناء مستشفيات جديدة ومراكز صحية للرعاية الصحية، وهي بكل تأكيد خطوات رائدة من أجل إتمام بناء البنية التحتية في مناطق المملكة،ودليل على اهتمام الوزارة بتأمين الرعاية الصحية المجانية للمواطنين وجهد تشكر عليه وزارة الصحة خلال العقود الماضية، وإن كانت خطوات قد لا تتفق ضمنياً مع القانون الذي اقترحه معالي الوزير، والذي يجيز إنتقال ملكية بعض المستشفيات إلى القطاع الخاص ...
يتم تشغيل تلك المستشفيات غالباً عبر التعاقد مع شركات تشغيل خاصة، تستورد كوادرها الطبية من العالم الثالث،و نظراً لعدم وجود فحص جودة وتأهيل للعمل في المستشفيات الحكومية، يتفاجأ البعض بعد قدومهم أن هناك من لم يحصل في بلاده على تدريب مهني جيد، ويفتقر لأدنى المهارات المهنية في مجال تخصصه، هذا بالإضافة إلى أنهم لا يتحدثون العربية، ولا يستطيعون التواصل مع المجتمع ، وقد يتخذ بعض آخر من الخبرة التي يكتسبها في المستشفى المحلي عاملاً مساعداً في هجرته للغرب، وبرغم من ذلك لم أر بعد في خطط الوزارة مشاريع تنموية بشرية لتأهيل الشباب السعودي مهارياً لتشغيل تلك المراكز الطبية، ولتأمين المستقبل الوطني في الرعاية الصحية للجميع، ولم أجد في تصريحات المسئولين ما يؤكد أن في خطط الوزارة الجديدة قرارات تتجاوز مرحلة البناء العمراني إلى البناء البشري، ولإنشاء كليات صحية تطبيقية متخصصة، تتوازى مع تصاعد كمية بناء المباني والمستشفيات في أنحاء المملكة، بينما نجد في قطاعات الصحة في الحرس الوطني و وزارة الدفاع و مستشفى الملك فيصل التخصصي خطوات رائدة في إعداد و تأهيل الكوادر الطبية المدربة، و إن كانت لا تزال تفتقر إلى التعاون المشترك فيما بينها، نظرا ًلسيطرة أنظمة بيروقراطية شديدة التعقيد في أنظمتها الإدارية، قد تكون أحد وجوه التنافس السلبي، وهو ما قد ينطبق أيضاً على طبقات الهيكلة الإدارية في وزارة الصحة، مما يقلل من إمكانية تعاونها مع القطاعات الاخرى ويظهر انعدام التعاون مع القطاعات الأخرى جلياً في غياب مشاريع تأسيس كليات صحية مهنية في خطوة الاستثمار العملاقة في المؤسسة العامة للتعليم المهني..
الموارد البشرية تمثل أهم عناصر النظام الصحي، و الإستراتيجية الأهم في سبيل بلوغ المرامي الصحية الوطنية في أي بلد من البلدان. ويعتبر تطويرها والاهتمام بنوعيتها وتوفير الموارد البشرية اللازمة للتنمية الصحية، وتركيز إستراتيجية العمل في المجالات الصحية في تنمية مصادرها هو الشريان الذي يوفر المادة الحيوية القادرة على إضفاء استمرار علامات الحياة الصحية في المباني المشيدة، كما أن العمل على مواكبة مختلف مراحل تطوُّر النّظُم الصحية والموارد البشرية، و تعليم المهنيين الصحيين، ووضع البرامج التعليمية الجامعية الأساسية لجميع المهنيين الصحيين في مجال الطب والصيدلة وطب الأسنان والتمريض وسائر العلوم الصحية هو الاستثمار الحقيقي في توفير العناية الصحية الوطنية.
كما تدل توقُّعات الباحثين في مجال تعليم المهن الصحية وتطوير النُّظُم الصحية، على مدى ربع القرن القادم، على اختلاف الصورة في المستقبل اختلافاً شديداً عما هي عليه الآن. ويُتوقَّع أن تحتل الرعاية الصحية مكاناً بارزاً في جدول أعمال الشأن العام، حيث سيصبح لها موقع هام في برامج السياسين، كما ستزداد ممارسة المهن الصحية تعقُّداً عاماً بعد عام. وسيؤدي التقدُّم التكنولوجي ونتائج البحوث التي تفضي إلى تحسين طُرُق الوقاية من الأمراض، وتشخيصها ومعالجتها، إلى تغيُّر مستمر في تعريف الكفاءة التي يتعيَّن على طلاب المهن الصحية اكتسابها. ولا تقلّ عن ذلك أهمية البيئة التي سوف يعمل فيها الخريج. وستختلف المعارف والمواقف والمهارات اللازمة لتلبية احتياجات الخدمات الصحية، وحتماً ستبقى تلك الأبنية الشاهقة والجميلة بلا جدوى إذا ما خلت من الكوادر الطبية المدربة، وستواجه المؤسسات الحكومية المسؤولة عن تعليم المهنيين الصحيين معضلة كبيرة، فالمتطلّبات المتوقعة في العصر الحديث أن يجيد الخريجون دوماً أحدث طرائق حفظ الصحة وتعزيزها.
ولنا أن نتساءل عن أيهما أجدى في خطط الوزارة وإستراتيجيتها المستقبلية.. بناء الإنسان، وتأهيله مهارياُ أم الاستمرار في إنشاء أكبرعدد من المستشفيات المجهزة بأحدث الآلات و الأثاث المكتبي، لكنهاعديمة الجدوى، لانعدام كوادر التشغيل الوطنية،مما يجعلها عرضة للبيع في ظل القرار «الجديد» للقطاع الخاص... لقد علمتنا تجربة مدينة الملك فهم الطبية أن «البناء» وحده لا يفيد إذا لم نهيئ له مسبقاً القدرات الفنية القادرة على تشغيله.. وأن التركيز على تطوير مستشفيات رئيسية في المدن الكبرى في مناطق المملكة ومحافظاتها، والعمل على إصلاح النظام الصحي، وتقوية الوظيفة الإشرافية، بما في ذلك: إعداد الآليات التنظيمية لتقديم الخدمات الصحية، والتخطيط الإستراتيجي للموارد البشرية الصحية؛ وضمان جودتها ووضع البرامج و الحوافز لتطويرها، هو البناء الأمثل للمرحلة القادمة.
ولا يمكن الوصول إلى المكانة المثالية في تحقيق إنتاج متطور من الموارد البشرية في مجالات الصحة بدون توفر قادة و خبراء متفانين في هذا المجال، وإذا غاب إدراك أهمية تلك الخطوة عن إستراتيجية الوزارة، فسنعاني الأمرّين في سبيل تحقيق أدنى قدر من التشغيل الوطني الذاتي لتلك المباني «الضخمة»، ويتبين من دراسات المكاتب الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية، أنه من الممكن الوصول إلى تلك الاهداف، وأن التعليم والخدمات سيستجيبان إذا آمن «القرار» بأولوية تلك الخطوات، وأنهما بالتأكيد سيتشكلان على نحو يكفل مواجهة التحِّديات وتلبية احتياجات المجتمع المتطوِّرة، وحسب توصيات اللجنة الإقليمية لشرق المتوسط في أحد اجتماعاتها الدورية من اجل مواجهة تحديات الرعاية الصحية في دول المنطقة في المستقبل: يجب دعم المؤسسات المسؤولة عن تدريب المهنيين الصحيين وتعليمهم، من أجل تبنِّي إصلاحات شاملة لا تغييرات تدريجية جزئية،و تعزيز ممارسة طب الأسرة في جميع المستويات، بما في ذلك، التعليم والخدمات والبحوث، وتأمين الدعم المشترك بين «القطاعات» لإصلاح تعليم المهنيين الصحيين،و تعزيز الشراكة بين النظام الصحي، ومؤسسات المهن الصحية «إذا وجدت»، والمجتمع، وإقامة «التحالفات الإستراتيجية» لتنفيذ إصلاح تعليم المهنيين الصحيين، و إنشاء «نظام وطني» لضمان جودة معاهد تعليم المهنيين الصحيين وكفاءة خريجيها، والتشجيع على استخدام اللغة الوطنية في تعليم المهنيين الصحيين، وإنشاء مركز أو وحدة لتطوير التعليم في كل معهد من معاهد تعليم المهنيين الصحيين، لتطوير عملية الإصلاح ورصدها، وإعداد معاهد تعليم المهنيين الصحيين، بما فيها المعاهد المنشأة حديثاً، إعداداً مناسباً، لتمكينها من اعتماد البرامج، وإدراج إصلاح تعليم المهنيين الصحيين.
ومن أجل الخروج من عنق زجاجة بناء المباني ثم إعادة ترميمها بشكل دوري،لابد من إدخال تغييرات أساسية على فلسفة و نُظُم الرعاية الصحية في المملكة لكي تكون هذه النُظُم أكثر عدالة، وأعلى مردودية وأوثق ارتباطاً باحتياجات الناس. وينبغي أن يحصل جميع الأفراد والمجتمعات على خدمات صحية توعوية عمومية وخدمات فردية تؤدي إلى تحسُّن الحالة الصحية. وينبغي أن يكون لممارس طب الأسرة دور أساسي في بلوغ هذه الأهداف، وذلك عن طريق الكفاءة العالية في تقديم الرعاية الشخصية الأساسية الجيدة، وتحقيق التكامل بين الرعاية الصحية للأفراد والرعاية الصحية للمجتمع. وينبغي وجود سياسة صحية عامة، يضعها خبراء محليون وعالميون في تقديم و ضمان الرعاية الصحية للمجتمع، و ان يكون هناك حوار منتظم ورسمي بين الوزارة كجهة تنفيذية، وواضعي سياسات الرعاية الصحية، وبين المهنيين الطبيين وكليات الطب وسائر مؤسسات المهن الصحية، لابتكار استجابة وطنية لاحتياجات الناس من الرعاية الصحية.
|