تشرفت خلال الأيام الماضية أن أكون باحثاً مشاركاً في اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري الذي انعقد في رحاب مكة المكرمة.. وتشرفت أن أكون - كذلك - رئيساً للجنة الإعلامية للقاء مع عدد من الزملاء المختصين وذوي خبرات عالية المستوى في الجانب الإعلامي.. وقد أكشف هنا أمراً ليس بسر حيث أبدى سمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز -يحفظه الله- ملاحظة حول قصور الإعلام في اللقاء الأول الذي انعقد في الرياض.. واستنتجت رئاسة اللقاء وأمانة المركز أن اللقاء الثاني يحتاج أن يفتح المجال أمام الإعلام ليعرف الرأي العام السعودي والدولي ما يدور من موضوعات وتوجهات لدى المشاركين.. كانت هذه نقطة البداية التي انطلقنا منها.
وقد وضعت اللجنة الإعلامية خطة شاملة تحدد نوع وشكل ومجال وحدود التغطيات الإعلامية للقاء الوطني بمكة المكرمة.. وتناقشنا مع رئيس اللقاء الشيخ صالح الحصين ومع أصحاب المعالي نواب الرئيس الدكتور راشد الراجح والدكتور عبد الله نصيف والدكتور عبد الله العبيد ومع أمانة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ممثلة في الأستاذ فيصل بن معمر.. واتفقنا على أشياء واختلفنا على أشياء أخرى.. ولكن ما أود تأكيده هنا أن رئاسة اللقاء وأمانته أعطت اللجنة الإعلامية صلاحيات القرار ومرونة الحركة بحكم التخصص وبحكم القناعة بأننا نسعى لأن نخدم هذا اللقاء ونخدم أولا وأخيراً المصلحة الوطنية العليا لبلادنا.
وكانت الخطة الإعلامية للقاء مبنية على أسس ومنهجيات واضحة في أذهاننا، يمكن تحديدها في النقاط التالية:
1- نعلم أن هذا الحوار قد تبنته المؤسسة السياسية، وهي حريصة أكثر من غيرها من مؤسسات المجتمع على إنجاز هذا الحوار.. ولهذا فمن المفترض أن تجسد التغطية الإعلامية النجاح المتوقع والمفترض في هذا الحوار.
2- نعلم علم اليقين أن كل المشاركين في هذا الحوار تم اختيارهم ليس فقط بما تمثله شخصياتهم، ولكن لما يمثلونه من قطاعات وتخصصات وشرائح وفئات ومناطق وتوجهات.. ولهذا فمن المفترض أن تعكس هذه التغطية الإعلامية كل هذا التنوع ليكون الإعلام دقيقاً وواضحاً وحقيقياً.
3- نعلم أن الرأي العام السعودي يترقب ما يدور من حوارات ومداولات ومقترحات وتوصيات يفرزها هذا اللقاء.. ولهذا فمن المفترض أن نواكب هذه التوقعات بتغطية متوازنة لا تكشف ما يدور داخل الجلسات المغلقة ولكنها توضح أهم ما تتداوله هذه الجلسات من رؤى وأفكار ومقترحات.
4- نعلم كذلك أن الرأي العام العربي والدولي مهتم كذلك بما يدور من نقاش وحوار وتداول موضوعات، ولهذا فقد أخذت الخطة ذلك في حساباتها وراعينا أن تكون هناك رسائل موجهة إلى الرأي العام العالمي عبر الفضائيات ووكالات الأنباء والصحافة الدولية.
وقامت اللجنة وهي في الرياض بعقد لقاءات تنسيقية مع وسائل الإعلام.. ثم تضاعفت هذه الاجتماعات بعد الوصول إلى مكة المكرمة وتجهيز مركز إعلامي متكامل بتنسيق لوجستي مع وزارة الإعلام.. وقد رأينا في اللجنة بأن المؤتمر الصحافي اليومي يمثل أهمية كبيرة لوسائل الإعلام، ولكن هل يكون مباشراً أو مسجلا.. وقد رأت اللجنة الإعلامية أن الحيوية في المباشرة.. وتم تداول هذه النقطة الجوهرية وبعد اعتراضات من بعض الأشخاص، إلا أن معالي رئيس اللقاء وسعادة أمين عام المركز ساندا اللجنة الإعلامية في مثل هذا التوجه.. وهذا يعكس - فعلاً وبكل صدق - العقلية الواعية والإدراك الوطني المخلص الذي تمثله شخصيات اللقاء والمركز لدفع مسيرة الحوار وتطوير برامج المركز وفق مستجدات الإعلام وتوقعات المواطنين التي تتطلبها المرحلة.. وكانت هناك عقبات أخرى تم تذليلها بتوجيهات عليا لتحقيق هذا الهدف.
بدأت المباشرة الفعلية للتغطيات من أول أيام اللقاء.. وقد وضعنا جانباً - وبكل صراحة - ما تعارف عليه البعض بمسمى «الخطوط الإعلامية الحمراء» سواء في المضمون أو في الشخصيات.. وهذا ساعدنا على أن تكون التغطية مهنية في الدرجة الأولى وتكون واقعية وحقيقة.. ولهذا فقد عكست المقابلات التلفزيونية والمؤتمرات الإعلامية والتصريحات الصحافية هذا الزخم المتنوع من الموضوعات والأشخاص والمداولات.
ارتأت اللجنة الإعلامية أن تكثف من الحضور الإعلامي للمشاركين، فهم المعنيون أولاً وأخيراً بالحوار، وهم يتحملون مسؤولية المرحلة الحالية، ويترقب المواطنون منهم الكثير من الرأي والمشورة.. ولهذا فقد أتحنا لوسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية لقاءات مع المشاركين.. وكانوا جميعاً على مستوى المسؤولية الوطنية التي تحملوها وهم داخل الجلسات ومستوى المسؤولية الوطنية وهم يتحدثون لوسائل الإعلام.. وفي نفس السياق، طرحت اللجنة الإعلامية موضوع الإعلام والمرأة المشاركة في الحوار.. وقد رأت اللجنة أن من الأهمية الحضور الإعلامي للمرأة المشاركة في اللقاء.. ونحن نعلم أن الأخوات المشاركات «عشر أخوات» هن على مستوى عالٍ من المسؤولية والمشاعر الوطنية والأخلاق الإسلامية الفاضلة.. ولكن يظل حضورهن المرئي - تلفزيونياً - هو قرارهن الشخصي.. وفعلاً ظهرت بعض الأخوات المشاركات في مثل هذا اللقاء الرسمي عبر التلفزيون السعودي والفضائيات العربية.. وقد استطاعت اللجنة الإعلامية للقاء أن تخرج المرأة السعودية من وهم «الخوف الاجتماعي» ووهم «الممانعة السياسية» لظهورهن على شاشات التلفزيون وهن في مظهر إسلامي محتشم.. ووفق تقاليد اجتماعية محافظة.. ونحن نعلم أن غيرهن ظهرن في مناسبات كثيرة.. ولكن كانت هذه المرحلة وهذا اللقاء بالذات مهماً في أن تأخذ المرأة مكانتها الاجتماعية «الطبيعية» في بلادنا مثلها مثل باقي المشاركين من مختلف الاتجاهات والتخصصات.
وتوجد ملاحظة مهمة وهي أن الإعلام ينبغي أن يتحرر كثيراً من الرسمية التي تنطبع عليه في كل صغيرة وكبيرة.. وحتى الأخطاء الاجتهادية التي تقع في وسائل الإعلام وبالتحديد في مؤسسات الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء تتحمل الدولة بشكل أوتوماتيكي مثل هذه الأخطاء.. وكأنها صادرة بتوجيهات عليا.. رغم كونها مجرد اجتهادات فردية من قبل القائمين على هذه الوسائل قد تخطىء فتحرج المؤسسة السياسية.
وبكل تأكيد فإن كل أشكال التغطية التي اجتهدت اللجنة الإعلامية فيها لم تكن في مداها وتفاصيلها بتوجيهات عليا ولكنها جميعها صادرة وفق مهنية إعلامية تضع أولاً وقبل كل شيء المجتمع والمواطن في مقدمة الأهداف التي نسعى جميعاً لتحقيقها.. وينبغي أن نتذكر أن هناك هيكلة جديدة لوسائل الإعلام الرسمي في المملكة قد صدرت بها توجيهات عليا وبتوصيات مباشرة من قبل لجنة الإصلاح الوزاري التي يرأسها الأمير سلطان بن عبد العزيز -يحفظه الله-.. ومن شأن مثل هذه التحولات أن تحقق نتائج مهمة في هذا الخصوص.. ولا يزال المواطنون والمختصون في الشأن الإعلامي ينتظرون تطبيق مثل هذه القرارات، حيث مر عليها حتى الآن أكثر من ثمانية أشهر ولم نسمع أية حركة في هذا الاتجاه.
وأخيراً، أود توضيح أن بعض وسائل الإعلام والصحافة قد تزرع نقاط إثارة في تغطياتها، بادعائها حدوث مشكلة أو موضوع أو مشادات أو ملاسنة أو غير ذلك.. وعلى الرغم من فهمنا - نحن الإعلاميين - أهمية مثل أخبار الإثارة بهدف الترويج والتميز والخصوصية، إلا أننا نعرف أن معظم هذه التسريبات لم تكن مقصودة من قبل المشاركين ولكن جاءت من خلال «تنصت مهني» من قبل الصحافيين على أحاديث المشاركين في مقاهي ومطاعم واستراحات بهو الفندق الذي احتضن هذا اللقاء.. وينبغي ألا تعطى أكبر من حجمها، فهي مجرد محاولات «تصنع وتزيين» إعلامي.. لإرضاء غرور الصحافة ووسائل الإعلام.. نتقبلها بدون حساسية أو تهويل.
( * ) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
رئيس اللجنة الإعلامية للقاء الوطني الثاني للحوار الفكري
|