كثيرة تلك النصائح والإرشادات التي تلقَّاها الرئيس الأمريكي المزهو هذه الأيام بإلقاء القبض على صيده الثمين صدام تطالبه بعدم زيادة دائرة الصراعات المتعلقة بالشعوب العربية والإسلامية إذا ما هو استجاب للضغوطات الحامية من اللوبي المسيحي المتصهين الذي أصبح يمسك بمواقع حساسة جدا في دوائر صنع القرار الأمريكي، لكن يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية فقدت جُل طعمها ورونقها بمسألة اتخاذ القرارات التاريخية الكبرى حيث أضحت القرارات تُملى على أمريكا من مناصري دولة الاحتلال التوسعية في الشرق الأوسط «إسرائيل» لتصبح هذه القرارات غير الناضجة ولادة عاجلة قبل الميعاد المحدد؛ الأمر الذي يجعلها عُرضة للنقد الجارح من ذات بيتها الذي خرجت منه قبل أن تتجه للدول المعنية بهذا القرار.
نقول هذا وفي النفس حسرة كبرى على الهاوية السحيقة التي ارتمت في أحضانها السياسة الأمريكية لكن لو علم جهابذة السياسة خطورتها على تاريخ امريكا وعلى مستقبلها لما تحمسوا بالتصويت على شيء يعلمون ان ضرره أكثر من نفعه بالنسبة لبلادهم إذ بالحالة هذه فإن منطق سياسة أمريكا تجاه سوريا الدولة المهمة جدا في عملية سلام الشرق الأوسط تنبع من مَثَلٍ عربي قديم «دق القراف خلِّ الجمل يخاف» ويعني هذا المثل أن تضرب على الجلد الذي يتدلى من السرج حتى يظن الجمل ان السوط سيلحقه لا محالة، وعلى ذلك فإنها ذات السياسة التي تتبعها واشنطن تجاه دمشق بتلك القرارات المتتالية التي كان آخرها التوقيع على قانون محاسبة سوريا بعد أن جاء ناضجا من الكونغرس والتوقيع على هذا القانون يعد بمثابة دليل صارخ وناطق بالتأثير الإسرائيلي على السياسة الأمريكية وخاصة لتزامنه مع تهديد إسرائيلي بضرب سوريا مجدداً، فها هي أمريكا لا تتحرك أمام عدوان إسرائيل حيث شهدنا إسرائيل تقصف سوريا ورغم هذا أمريكا تضعها على لائحة الحساب والحصار مستغلة الضعف والتفرق العربي.
تبدو الإدارة الأمريكية اليوم مصممة هذه المرة على المضي في مخططها أسوة بما جرى مع العراق حيث تأتي الاتهامات الموجهة إلى سوريا حاملة دلالة واضحة على أن سوريا أضحت الآن في مرمى الهدف الأمريكي وان الدور جاء عليها سريعاً إذ يُرتب لها مقلب من نفس العيار الثقيل ليبرز لنا السؤال: لماذا يضعون بلدا مثل سوريا على لائحة التصفية؟ علام ستحاسب سوريا؟ سوريا لم تحتل دولة اخرى بل وقفت إلى جانب رفع العدوان عن الكويت كما أن تصرفات سوريا ليست طائشة بل تصرفاتها محكمة ومحسوبة وعقلانية، وعليه فإن هذا يضع السياسة الأمريكية على خط غير مناصر للعدالة والحق والانصاف واستتباب السلام في المنطقة لتزداد الأمور تعقيداً بمرحلة تتسم بالخطورة الواضحة، كما يتضح للجميع أن أمريكا سعت لالغاء اسلوب الحوار في حل القضايا العالقة بين الدول واعتمدت اسلوب الضغوط في فرض سياسات ترتبط بمصالحها كدولة تمتلك نفوذا وقوة أحادية الجانب، وهذا الأسلوب قد لا ينجم عنه سوى زيادة توتر الوضع في المنطقة ويبعد فرص السلام اكثر وأكثر ويدفع الأمور باتجاه الانهيار بدل البحث عن قواسم مشتركة لتحقيق الاستقرار المبني على أسس التعاون والمصالح المشتركة.
إننا نشعر بقلق شديد إزاء الاتهامات الجزافية والادعاءات غير المقنعة التي توجه لسوريا من قبل أمريكا وهي بمثابة إنذار جديد للعرب الذين أوشكوا على الخروج من التاريخ بفعل صمتهم وسكوتهم وهوانهم على الناس أمام الغطرسة الأمريكية التي ليس لها حدود مقابل الضعف العربي اللامحدود وقد بات على العرب جميعا الردِّ بمزيد من الصمود ومزيد من الالتحام والحرص على موقف عربي وإسلامي واحد يعلن بصوت واحد رفض استفراد امريكا بالعرب وبالمسلمين بلدا وراء بلد والدعوة إلى الحوار العاقل والموضوعي معها لحل الاشكالات العالقة بدلا من الحروب.
لقد ظن رجال السياسة الامريكيون ان السوط الذي هو قانون المحاسبة ربما يجعل دمشق تنفذ ما تمليه عليها واشنطن من قرارات تدور في فلك محاربة الارهاب لكن الحقيقة تقول: إن الهدف هو تعزيز وتمكين الكيان الصهيوني من بسط سيطرته الكاملة على مزيد من الأراضي العربية واتباع سياسة القاء التهمة على البريء حتى لا يدافع عن حقه المشروع وهذا يُظهر جيدا مدى اصرار الذئب الامريكي على افتراس الحَمَل حتى لو لم يكن هو مَنْ عكر المياه في الشرق الأوسط، وفي ظننا ان هذا المنهج المتبع الآن سيُلحق الضرر أولا بمصالح الولايات المتحدة وشعبها قبل أن تتأذى منه الدول المستهدفة والامثلة على ذلك كثير فالشركات الامريكية الكبرى العاملة في العالم العربي على وجه الخصوص بدأت تمتعض من سياسات حكوماتها المتعاقبة سواء كانت جمهورية او ديمقراطية وافقدتها الكثير من المصالح والأرباح الطائلة التي كانت تجنيها من هذه الدول.
وبهذا تكون كما يقال: قد جنت على نفسها براقش.
الرياض 11333 - ص.ب 340184 |