ومن وسائل أدعياء الإصلاح، التي يستخدمونها للوصول لأهدافهم، وتحقيق رغباتهم: إثارة الجهلة من العامة وأشباههم من أرباب الأهواء، على ولاة أمرهم، حيث يستغلون جهل الجهلة، وميول أصحاب الأهواء، فيخاطبونهم بما يثير حماسهم، وما يجعل بعضهم يعصي ولي أمره - الذي أمر بطاعته - بما يستطيع من قول أو فعل، بل يصل الأمر بسفهاء أولئك إلى الخروج على ولاة أمرهم، من غير مسوغ شرعي، حتى ولو ترتب على خروجه إراقة الدماء، وتضييع الأموال، وتدمير الممتلكات، وإفساد الأمن، والمنكرات العظيمة، والمفاسد الكثيرة التي لا يقرها عاقل فضلا عن مؤمن، ولا يستبعد ان يكون لأعداء الإسلام والمسلمين يد خفية في التخطيط لها، وهكذا هم أدعياء الإصلاح قديما وحديثا، أما قديما، فماذا فعل المنافقون بالخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه؟ فقد ثاروا عليه بتدبير من مفتيهم اليهودي الذي أظهر الإسلام -عبدالله بن سبأ- ليصل لأغراضه الهدامة لتفريق كلمة المسلمين، وإضعاف شوكتهم، وتمزيق وحدتهم، وجعلهم أحزاباً متعارضة، وجماعات متفرقة، ولكي يحقق ذلك كان أول عمل عمله هو إثارة الناس على عثمان رضي الله عنه، بعد إقناعهم، وبعد تجواله بينهم، وبذله ماله وجهده من أجل تحقيق رغبته، والوصول لهدفه. فكانت النتيجة ان تجمع أتباعه من العراق ومن مصر ووصلوا إلى المدينة المنورة وحاصروا الخليفة الراشد، وأهانوا الذي تستحيي منه الملائكة بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم، المبشَّر بالجنة، ثم قتلوه وهو يرتل القرآن، فأسالوا دمه على كتاب الله الذي طالما ختمه عدة مرات. وأما حديثا، فهاهم أدعياء الإصلاح، أفعالهم مشهودة، تأمل كتاباتهم وقنواتهم ومواقعهم، بل كلماتهم باستراحاتهم، وتوجيهاتهم بمنتدياتهم تجد هذه الظاهرة جلية واضحة. فإثارة الناس على ولاة أمرهم، وحثهم على الخروج عليهم، وسيلة من الوسائل التي يعرف بها المفسدون، لا يمكن أبدا أن تكون صفة للمصلحين، لأن من صفات المصلحين حقا: حث الناس على السمع والطاعة لولاة أمرهم، حتى ولو كان ذلك سببا في شيء يكرهونه، إلا أن يؤمروا بمعصية، فإذا أمروا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ففي الحديث المتفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة». فتأمل هذا التوجيه الكريم للأمة من قائد وإمام وسيد وقدوة المصلحين صلى الله عليه وسلم، بل تأمل توجيهه صلى الله عليه وسلم لمن بلي بأمراء ظلمة يأخذون حقوقهم كاملة ويمنعونه حقه، حيث أمره بأن يسمع ويطبع كما في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هنيدة وائل بن حجر رضي الله عنه قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم».
الشاهد من هذا، هو أن إثارة السفهاء والجهلة على ولي الأمر صفة يعرف بها المفسد من المصلح، وذلك للمفاسد العظيمة التي تأتي نتيجة لهذه الظاهرة الخطيرة.
( * ) حائل ، ص.ب 3998 |