إخلاص العبادة لله هو الأصل في كل عمل يؤديه المسلم ولا يقبل الله عملاً إلا ما كان له وحده لاشريك له حتى حياة المؤمن كلها عبادة وعملاً وعيشاً وموتاً كلها لله كما قال الخليل ابراهيم عليه الصلاة والسلام {قٍلً إنَّ صّلاتٌي ونٍسٍكٌي ومّحًيّايّ ومّمّاتٌي لٌلَّهٌ رّبٌَ العّالّمٌينّ، لا شّرٌيكّ لّهٍ وبٌذّلٌكّ أٍمٌرًتٍ وأّنّا أّوَّلٍ المٍسًلٌمٌينّ} [الأنغام 162]، والحج ركن من أركان الإسلام الخمسة لمن استطاع وملك ما يعينه على القيام برحلة الحج حتى يعود إلى وطنه من مال واحتياجات قال تعالى {وإذً جّعّلًنّا البّيًتّ مّثّابّةْ لٌَلنَّاسٌ وأّمًنْا واتَّخٌذٍوا مٌن مَّقّامٌ إبًرّاهٌيمّ مٍصّلَْى وعّهٌدًنّا إلّى" إبًرّاهٌيمّ وإسًمّاعٌيلّ أّن طّهٌَرّا بّيًتٌيّ لٌلطَّائٌفٌينّ والًعّاكٌفٌينّ والرٍَكَّعٌ السٍَجٍودٌ} [البقرة 125]، وإن كان هذا الركن يشتمل على نوع من المشقة والتعب وكان أسلافنا يعانون كثيراً خاصة المسلمون القادمون من مسافات بعيدة فكان وصولهم للبقاع الطاهرة بشق الأنفس ويؤدون مناسكهم في الهجير والرمضاء وبعضهم مشياً على الأقدام وإذا كان الوضع في عصرنا الحاضر قد تغير كثيراً لما طرأ من تغير هائل في وسائل النقل والمواصلات والاتصالات وتوفر أماكن السكن ووسائل الراحة والتبريد وسهولة الطرقات والتنظيم الذين يمنع الازدحام والاختناقات في الشوارع وعند أداء الشعائر مع ازدياد عدد الحجاج حتى وصل إلى أكثر من مليون حاج من خارج المملكة ومع ذلك كله فإن الحج لايزال يحمل نوعاً من المشقة والتعب ولذلك كانت عائشة رضي الله عنها تقول: الأجر على قدر المشقة، ومن رحمة الله بالناس أن فرض عليهم الحج مرة واحدة في العمر {إنَّ اللَّهّ بٌالنَّاسٌ لّرّءٍوفِ رَّحٌيمِ} ولعلها حكمة من الله عز وجل أن ترد هذه الآية في سورة الحج، وفي هذا الجو الذي تزدحم فيه أفواج الحجيج فإن المسلم مأمور بالتزام آداب وسلوكيات لتحفظ له حجه وأجر نسكه فقد قال المصطفى عليه الصلاة والسلام ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من حجه كيوم ولدته أمه) لذلك فإن الحج يربي المسلم على محاسن الأخلاق فالحاج مطلوب منه ضبط النفس ولا شك أن المناسك خير مكان لتطبيق ذلك الاختبار فمع الاختناقات والضوضاء والازدحام يفقد بعض الناس السيطرة على أعصابهم ويثورون لأبسط موقف فيأتي الهدي النبوي ليذكر المسلم بأنه عليه أن يتمالك نفسه فيحفظ لسانه عن إيذاء الناس بالسب والشتم كذلك البعد عن الغيبة والنميمة والألفاظ السيئة وحفظ البصر عن النظر المحرم وتتبع العورات وهذه من الفضائل التي يسهم الحج في تعميقها في نفس المسلم، ومن سمات الحج أنه يعلِّم المسلم التواضع ولين الجانب فهو وإن كان من الأثرياء إلا أنه يخرج ملبياً لله بإزار ورداء وقد جعل الدنيا وراء ظهره وأقبل مولياً وجهه شطر المسجد الحرام مجيبا نداء الحج وفي خلال أيام الحج يرى الناس على شتى طبقاتهم وأحوالهم فيعرف نعمة الله عليه ويعرف حق إخوانه المسلمين عليه بالكلمة الطيبة والخلق الحسن والتعامل بالبر والإحسان. ومعلوم ان هذه الفضائل التي ذكرناها تأتي في طيات النسك وليست هي المقصودة لذاتها بمعنى ان الحاج قدم لأداء الحج الركن الخامس من أركان الإسلام ولم يأت ليتدرب على كظم الغيظ وكف الأذى لكنها بركات ضمنية داخلة في عموم الخير الكبير والأجر العظيم الذي أعده الله للحج والذي لخصه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) وتبقى لكل حاج ذكرياته العبقة التي لا ينسى خلالها الأيام المباركة التي قضاها في البيت الحرام والشعائر المعظمة. ولاة الأمر في بلدنا المبارك وفقهم الله لم يألوا جهداً في توفير كل ما يحتاجه الحجيج من تسهيلات وخدمات وأمن وراحة بال وما قاموا به خلال سنوات معدودة من إنجازات ومنشآت وتسهيلات وتعبيد طرق يفوق كثيراً ما عمل في سابق الأيام وهذا بفضل الله وتوفيقه ثم بما هيأه الله من طاقات وإمكانيات كبيرة وحب لخدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن في قلوب ولاة الأمر حفظهم الله كما هيأت الدولة للحجاج ثلة مباركة من العلماء والمرشدين لدلالتهم على الخير وإرشادهم للنسك الصحيح وإفتائهم فيما يشكل عليهم من مسائل كما يتم توزيع الكتب الدينية والمطويات الإرشادية بلغات عديدة لنشر الخير وتوعية الناس وليؤدوا عبادتهم على الوجه الصحيح الذي رسمه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله (خذوا عني مناسككم).
( * ) رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة |